ميسم رزق – الأخبار
لم يجزم الرئيس المكلف سعد الحريري قراره بالاعتذار، لكنه صارَ أقرب إليه من أي وقت مضى. بمعزل عن التعقيدات الداخلية فإن النقطة التي تتعلق بالموقف الخارجي منه تقترب من الحسم سلباً
الثابِت في المشهد، حتى الآن، أن الحريري نفسه أسير الانتظار المرشحّ لأن يطول ما لم تحصَل تطورات خارِج الحسبان، كتوافق داخلي وخارجي على سرعة تأليف حكومة يترأسها هو، والأهم الحصول على حدّ أدنى من موافقة ولو «صورية» سعودية على ذلك.
قبلَ أسابيع، وضعَ الحريري خيارَ اعتذاره جانباً، بعدَ أن حصدَ تأييداً من الطائفة السنية بجناحيها السياسي والديني، لكنه لم يطوِ الفكرة نهائياً. كادَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يستدرجانِه إليها، لكن رئيس مجلس النواب نبيه برّي حال دون ذلك. إلا أن أجواء الأيام الماضية أكدت أن الخيار يعود مع كل هبوط ليل أو طلعة نهار، لكن دونه اعتبارات كثيرة:
أولاً، يواجه الرئيس المكلف سؤالاً أساسياً عن وضع «الشارع السني» بعد اعتذاره، في ظل صورته (الحريري) المهشمة أصلاً. فهل يتفرّج على ميشال عون وجبران باسيل وهما يُوليان مهمة التكليف إلى شخص غيره؟ فضلاً عن القلق الذي يُساوِره حول مستقبله السياسي، بعدَ أن فشِلت المحاولات الأخيرة في إعادة تبنّيه من قبل المملكة العربية السعودية. وفي حال اعتذر ستصُبِح علاقته مع برّي في الداخل أكثر تأزماً، علماً أن الأخير هو الأكثر تمسكاً به حتى الآن.
ثانياً، لن يستطيع الحريري حسم قرار اعتذاره بشكل نهائي، قبلَ أن يتفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على سلة متكاملة لما بعد الاعتذار، تحديداً لجهة البديل وتأمين الغطاء له.
هل يعطي المصريون الإذن للحريري بالاعتذار؟
لكن مجمل هذا المناخ يبقى عالقاً عند نقطةٍ حاسمة يختصرها العارفون بالموقف الخارجي. الاجتماع الثلاثي بينَ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيريه السعودي فيصل بن فرحان والفرنسي جان إيف لو دريان على هامش محادثات مجموعة الدول الاقتصادية العشرين الكبرى في ماتيرا في إيطاليا للبحث في المشكلات التي يشهدها لبنان، لعب دوراً في «الاستمهال»، بخاصة أنه استكمِل باللقاء الذي أجرته السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا مع السفير السعودي وليد البخاري. وفي هذا الإطار علمت «الأخبار» أن «إدارة شيا طلبت منها عقد اللقاء استكمالاً لاجتماع ماتيرا، حيث هناك إصرار فرنسي – أميركي على أن تكون السعودية حاضرة وتكون لها إجابات واضحة بشأن الأزمة اللبنانية، وتحديداً من مسألة تكليف الحريري، والبحث معاً عن الخطوات التي يُمكن القيام بها لإلزام القوى السياسية بتشكيل الحكومة». وجرى التداول بمعلومات عن أن النتائج كانت سلبية وأن الموقف السعودي لا يزال هو نفسه. حتى الإمارتيون أصبحوا غير متحمسين لحكومة يرأسها الحريري، فيما «المصريون يأخذون على عاتقهم إبلاغ رئيس تيار المستقبل برسالة أن لا نصيب له في التشكيل»!
وهذه التطورات ترافقت في اليومين الماضيين مع تحركات في الشارع كانَ واضحاً صبغتها المناطقية في مؤشر واضح على الرسالة التي «بشرت» بما ستحمله الأسابيع المقبلة، وكأنها بروفا لحالة الفوضى ما بعد الاعتذار. فكيف سيكون المشهد؟
قبلَ ما يُقارِب الشهرين من الإعلان عن مبادرة عين التينة لتشكيل الحكومة، قالَ الحريري في جلسة مغلقة، بأنه «قد يصِل إلى مرحلة الاعتذار متى تعثّرت الأمور وتبيّن أنه لا مجال لتأليف حكومة»، و «عندما أعتذر لا أحد يراجعني». ولمّح حينها إلى أنه «سيخوض معارضة شرسة»، وبأن «تكليف البديل لن يكون سهلاً، ولو كُلف، فإن التأليف والعمل سيكونان صعبين جداً»، مُلمحاً إلى أنه «سيستخدم كل الوسائل المتاحة». حتى إنه في مرات عدة تحدّث عن عدم «قدرته على ضبط الشارع والمناصرين».
هذا يقود إلى احتمال واحد، بحسب العارفين. وهو أن سيناريو ما بعدَ الاعتذار هو نفسه سيناريو ما بعدَ الاستقالة عقبَ انتفاضة «17 تشرين». وقد بدأ الحريري عدّ العدّة قبلَ الاعتذار، من دار الفتوى سابقاً. فقد كانت الزيارة إلى هذه الأخيرة بمثابة «جرس تذكيري» لكل مرشّح للتكليف، بأن قبوله بالمهمة، من دون المرور بوادي أبو جميل، لا تعني سوى أمر واحد، أنه سيكون حسان دياب الجديد الذي سيدخل إلى رئاسة الحكومة مجرداً من أي غطاء.
وثانياً، رسالة لكل من يريد التخلّص منه كرئيس حكومة، أن الذهاب إلى خيار جديد يعني عزل طائفة بأكملها عن المشهد السياسي، لكونه (أي الحريري) هو المرشح الأوحد بالنسبة إليها، وبالتالي، لن ينتج من ذلِك سوى «غليان وغضب».
ثالثاً، إشارة إلى أن الحريري هو جواز العبور السني الوحيد إلى رئاسة الحكومة، وإذا لم يرضَ هو نفسه عن الاسم البديل فلا يُمكن التوافق حوله، فضلاً عن أن الثنائي حركة أمل وحزب الله يضعان هذا الأمر شرطاً لتسمية أي شخصية أخرى، وذلك لاعتبارات كثيرة لها علاقة بمنع التوتير المذهبي.
ولذلك ربطت مصادر مطلعة الإصرار على ربط الاعتذار بالاتفاق على البديل، فحتى لو جرى توافق خارجي عليه، فإن احتمالات التوتير المذهبي في الداخل تبقى عالية والوضع الحالي يجعلها أكثر اشتعالاً.