
هيام القصيفي – الاخبار
يريد الرئيس المكلف سعد الحريري حكومة تشكّل له الحضور الأقوى في السنتين الأخيرتين من العهد و«وراثة» ما فعله النائب جبران باسيل في بداية العهد،
لا يعني ذلك اصطفاف بري غير المشروط الى جانب عون وباسيل، كما لا يعني تخليه عن الحريري بعدما كان رئيس المجلس عرّاب إعادة تكليفه. لكن الأزمة بين الطرفين باتت أكبر من أن يتمكّن بري من تجاوزها لحلّ عقدة التأليف.
منذ تكليف الحريري، وجّه جميع المعنيين الأنظار أولاً الى الانتخابات الاميركية، وثانياً الى نتائج الصدام بين الادارتين السابقة والجديدة، وبينهما انتظارات التسوية الاقليمية. لكن لا ينبغي التقليل من اهمية العوامل الداخلية – وهي اصبحت في مكان ما شخصية – في العلاقة بين المكوّنات الاساسية المؤثرة في تشكيل الحكومة. واذا كان عون عبّر، كرئيس للجمهورية، عن موقفه من الحريري، تماماً كما كان يعبّر في الرابية، وكذلك فعل باسيل، في مؤتمره الصحافي الذي اكد عون مضمونه بعد ساعات من دون اي حرج، فإن الحريري لا يمكنه التفلّت نهائياً من قيود اللعبة الداخلية، وأيضاً من طبيعة شخصيته.
الحريري بات أسير إطار رسمه لنفسه وهذا ما يكبّل حركته السياسية
يقول أحد السياسيين إن عون وباسيل تمكّنا من تطويع مواقفهما بما يتناسب مع المراحل، أو العكس. وهكذا كان يفعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حين يلوي مع العاصفة مبقياً على المبادرة بين يديه. لكن ما يسري على هؤلاء لا يسري على الحريري الذي بات أسير إطار رسمه لنفسه، وهذا ما يكبّل حركته السياسية ويجعل تراجعه أو محاولة القفز فوق تركيبات سياسية متعذراً، لذا يظهر غير قادر على مواجهة العاصفة الحالية او على تخطيها بأسلوب مختلف. ونموذج علاقته بالقوات اللبنانية مثال على ذلك، بعدما أصبح أسير عدائه لها من دون مبررات فعلية، ليظهر كأنه كان محكوماً بالعلاقة معها انطلاقاً من احداث 2005، من دون ود، حتى شخصي، أو حلف حقيقي.
في المقابل، يذهب عون وباسيل الى الحد الاقصى في المواجهة الصريحة من دون أي حرج، وهما اللذان لم يرغبا فيه رئيساً للحكومة. الا انهما في الوقت نفسه، ولا سيما باسيل، قادران على تخطي أي خلاف معه لصالح اي ترتيب مستجدّ في الحكومة العتيدة. أزمة الثقة بين عون وباسيل والحريري مزمنة، لكنها كانت مغطّاة بصفقات رئاسية وحكومية وتدبير شؤون مالية واقتصادية ونفطية استفاد منها الطرفان. وهي، من جهة باسيل، يمكن أن تستأنف من حيث توقفت عند تشكيل الحكومة الجديدة. لكن المشكلة العالقة هي حجم الدور الذي يريده كل منهما. فالحريري الذي تماهى مع باسيل في حكومتي العهد الاولى والثانية، يسعى اليوم الى الحلول مكان الاخير كرجل المرحلة الاول، بعدما لعب نائب البترون دوراً فوق العادة، داخلياً وخارجياً، في سنوات العهد الاربع الاولى. ولذلك، يسعى الى الافادة من التضييق على باسيل اميركياً، ومن مشكلات التيار الداخلية وسجالاته مع القوى السياسية الاخرى، ليبدو كأنه اللاعب الاقوى محلياً واقليمياً ودولياً في السنتين الاخيرتين من عمر العهد. لذا يناور، تارة وحده وتارة مع رؤساء الحكومات السابقين، ومتلطياً خلف المبادرة الفرنسية، في تثبيت قواعد التشكيل في الحكومة، على غير ما هو متفق عليه، وعلى غير ما ينصّ عليه الدستور. وهو يسعى الى أن يعطي لموقعه إطاراً مغايراً لما كان عليه الامر في حكومته الاخيرة، من خلال الترويج لصبغة الاختصاص على الشخصيات التي يطرحها، وإضفاء بعد على نوعية الحكومة ومهمتها مستقبلاً. لكن مشكلته انه بات أسير خلافه مع باسيل تحديداً، وغير قادر على الفصل بين المناورة السياسية والعلاقة الشخصية، لذا يصعب تصور أنه قادر على تخطّي موقف عون وباسيل لتذليل العقد الحكومية، في حين أن باسيل لن يفرّط – مهما كانت الاخطاء والخسائر – بما حققه، ولن يكون طيّعاً في السماح بإطاحة ما هو قادر على استثماره في السنتين الاخيرتين، مهما تطلب ذلك.