ربع أو ثلث المبلغ الذي يُدفع حالياً على تمويل استيراد بعض المواد بناءً على سعر صرف 1507.5 ليرة لكلّ دولار، «كافٍ لوضع أساسٍ متين لأرضية الحماية الاجتماعية التي يحتاجها لبنان بشدّة». الخلاصة الواردة ضمن تقرير جديد صادر عن منظمة العمل الدولية و«اليونيسيف»، تمّت بناءً على تقديرات البنك الدولي في ما خصّ كلفة ما يُسمى «الدعم» الذي يؤمنه مصرف لبنان لاستيراد الوقود والدواء والقمح وبعض المواد الغذائية والأولية. وبحسب البنك الدولي، فإن هذا المبلغ يصل إلى 3 مليارات و360 مليون دولار (لا تتضمن المبالغ المدفوعة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، وقدّرها البنك الدولي بـ189 مليار ليرة شهرياً). رقم البنك الدولي بحدّ ذاته يكشف «فضيحة»، لأنّه يُناقض الكلفة التي يدّعي مصرف لبنان أنّه دفعها من حساب التوظيفات الإلزامية (أو ما يُطلق عليه تسمية الاحتياطي الالزامي)، كما الأرقام الواردة في المسودة التي وضعتها الحكومة لخطّة «ترشيد الدعم»، وقد ذكرت 5 مليارات و40 مليون دولار ككلفة «دعم». الفضيحة أنّه في عام 2020، الفترة نفسها التي قدّر خلالها البنك الدولي أنّ «الدعم» لم يُكلّف أكثر من 3.3 مليارات دولار، سجّلت الموجودات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان تراجعاً بقيمة 14 ملياراً و274 مليون دولار أميركي، أي إنّها أموالٌ خرجت من «المركزي». فإذا صحّت تقديرات البنك الدولي، وتبيّن أنّ «المركزي» – الذي يأخذ المواطنين والحكومة رهينة تهديداته بوقف مدّ المستوردين بالدولارات – لم يدفع سوى 3 مليارات و360 مليون دولار، فالسؤال واجب عن مصير 10 مليارات و900 مليون دولار. هذا السؤال يُفترض أن يُجيب عنه – وربما يُحاكَم عليه – الحاكم رياض سلامة.

بصرف النظر عن التفاوت في أرقام كلفة «الدعم»، وضعت مُنظمة العمل دراسة تُعلن فيها أنّه بمبلغ يراوح بين 800 مليون دولار ومليار ومئة مليون دولار (على اعتبار أنّ فاتورة «الدعم» هي 3 مليارات و360 مليون دولار)، يُمكن تنفيذ «مجموعة كاملة من المنح الاجتماعية توفّر حماية كافية لدخل جميع الذين يتعرضون لحالات طارئة أثناء حياتهم». ما الفرق بين مشروع منظمة العمل والبرامج التي تستهدف الفئات الأكثر فقراً، أكان برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً، أم المساعدات التي توزعها الحكومة بواسطة الجيش اللبناني، واتفاقية القرض مع البنك الدولي البالغ 246 مليون دولار، والبطاقة التمويلية التي تُريد الحكومة إصدارها قبل رفع «الدعم»؟ يُجيب العاملون على الورقة أنّ البرامج الأخرى «تستهدف الفقر والأكثر فقراً، وسيستمر دعمهم». تبقى فئة اجتماعية في الوسط مفقودة، «ليست تحت عتبة خطّ الفقر، وفي الوقت نفسه لا تملك أي نوع من الحماية، وتحديداً الضمان، هؤلاء نريد أن نحميهم على المدى الطويل، ونوفّر لهم مساعدات مُموّلة من الضرائب وتكون علاقتهم مباشرةً بالدولة». الإعانات الأساسية والرعاية الصحية ستوجّه للمسنين وذوي الإعاقة والأطفال، مع التأكيد أن لا شيء يحلّ مكان «نظام الحماية الاجتماعية القائم على الحقوق للجميع».

توفير الدعم لمن ليسوا تحت خط الفقر وفي الوقت نفسه لا يملكون نظام حماية

تأتي هذه المقاربة لتُقدّم رؤية مختلفة عن برامج البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية، التي تعمل على «مَسح» دور الدولة نهائياً وقطع علاقتها بالمواطنين، داعيةً إلى إلغاء الدعم و«التعويض» عنه بقرض يوزّع على فئة مُحدّدة من الناس من دون معايير واضحة، وهامش الخطأ فيها مُرتفع. منظمة العمل تتحدّث عن «نظام الحماية الاجتماعية المُتعدد المستويات القائم على الحقوق، ولا يستهدف مجموعات مُحدّدة»، بل يقوم على تأسيس «أرضية اجتماعية، أي حماية كلّ من يواجه مشكلة ما عبر دعمه من أموال الضرائب. لذلك، من المهم أن تترافق الخطّة مع إصلاحات في الضمان الاجتماعي ونظام الضريبة التصاعدية.
يقول المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية، القاضي عبد الله أحمد، إنّ ما تطرحه منظمة العمل الدولية «أفكار تداولناها في ورشات العمل لوضع استراتيجية الحماية الاجتماعية، أكان من قبل الوزارة أم الحكومة، وتُحاول منظمة العمل بنشر ورقتها استباق موضوع الاستراتيجية. كما أنّ بعض النقاط المذكورة، ناقشناها من دون أن تُعتمد»، مُعتبراً أنّ دفع مبالغ مالية لفئات مُحدّدة «يُشبه شبكة الأمان الاجتماعي وليس استراتيجية الحماية التي تقوم على مقاربة حقوقية أساسها أنّ للمواطن حقوقاً تؤمّن عن طريق توفير الخدمات أو جزء منها له». بالنسبة إلى منظمة العمل، ما ورد في ورقتها «جزء بسيط من نقاشات الاستراتيجية الاجتماعية».
في حديث مع «الأخبار»، يذكر المُتخصص في الحماية الاجتماعية في «المنظمة»، لوكا بيليرانو، عن حوارات تتمّ مع منظمات مدنية وأحزاب وإدارات عامة حول الحماية الاجتماعية «وتكون مبنية على العدالة الاجتماعية. السؤال هو إن كان الشعب حاضراً للضغط ووضع نظام حماية يتعدّى استهداف مسألة الفقر». من الأمور الأساسية «كسر زبائنية الخدمات والمساعدات، وبناء نموذج المواطنة عن طريق تعزيز دور الدولة ووضع سياسات مستدامة مموّلة من الضرائب». لبنان، يقول بيليرانو، فيه الكثير من اللاعدالة، «يجب دعم الدخل الذي سيُعزّز الاقتصاد، وتأمين عدالة الفُرص».