كتبت بولين فاضل في “الانباء الكويتية”:
حين تنتهي الحرب وتنزع الألغام والقنابل، سيبقى حاضرا لغم كبير وخطير مرشح للانفجار، هو لغم البطالة الذي ينذر بانفجار اجتماعي قد يتبعه انفجار أمني.
ليس في هذا الكلام مبالغة في ضوء إجماع المراقبين والباحثين على أن مشكلات وأزمات ما بعد الحرب قد تكون أكبر من مشكلات الحرب نفسها، وهي أكبر من طاقة لبنان على احتمالها.
دقة التوصيف والإحصاء والمسح مؤجلة بالتأكيد إلى ما بعد وقف إطلاق النار في لبنان. لكن في الانتظار ثمة أرقام تقريبية وتقديرات هي مدعاة قلق، وتبرر بالتالي الخشية من مشكلات اجتماعية بالجملة سوف تطل برأسها بمجرد صمت أزيز الصواريخ.
البطالة وهي واحدة من المشكلات الناجمة عن الحرب، كما يصفقها الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين. ويقول إنها «تشمل حتى اليوم 250 ألف عامل دمرت مؤسساتهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، أو كانوا يعملون في مؤسسات أقفلت، في موازاة 250 الف آخرين مرشحين لفقدان عملهم في حال استمرت الحرب إلى بعد السنة الجديدة، واضطرت مؤسسات في المناطق الآمنة إلى اللجوء لصرف جزء من عمالها أو إلى الصرف الجماعي والإقفال».
«الأنباء» استطلعت أحوال نازحين لم يخسروا بيوتهم فحسب وإنما أعمالهم ووظائفهم أيضا وانتهوا بالتالي نازحين عاطلين عن العمل. محمد ع. وهو عشريني جنوبي قال لـ«الأنباء» إنه كان يعمل في الضاحية الجنوبية في ميكانيك السيارات. وفقد محله ومسكنه، ويقيم حاليا في مركز إيواء ويبحث عن عمل ضمن اختصاصه لكن بلا جدوى.
وقال نازح آخر يدعى أشرف إنه «شيف» مطبخ من الجنوب، انتهى من دون عمل وقد فقد كل أمل بلبنان. ولا يريد سوى السفر إلى أي وجهة كانت ليسترزق من جديد ولا يعوز أحدا.
أما ع.برجي وهي ممرضة ثلاثينية كانت تعمل في بلدة ميس الجبل في الجنوب، وصمدت هناك 11 شهرا قبل أن تقفل الحرب المستشفى وتنزح إلى مركز إيواء في كسروان بجبل لبنان، فقالت إنها ما عادت تريد مساعدات عينية. وبدلا من الحبوب والمعكرونة والأرز، ليت الجمعيات أو المعنيين يعطونها بعضا من المال لتشتري ما يلزم.
وناشدت وزارة الصحة أن تنقلها وتنقل مثيلاتها إلى مستشفيات حكومية أخرى لتعود إلى عملها وتتقاضى راتبها، قائلة: «إن أحدا لا يرد من الدولة أو يهتم». وتابعت: «بيوتنا في الجنوب راحت (تدمرت) وحين تنتهي الحرب، رح آخد شادر وأنصب خيمة قرب شجرة وأسكن مؤقتا، لكني متعودة أن أعمل وكل ما يهمني أن أكسب عيشي من جديد (…) أبحث حاليا عن عمل كممرضة خاصة ولا أطلب أجرا عاليا، لكن الناس ما عم تتقبلنا بصراحة. حتى أني فكرت بخيمة لبيع الخضار للاسترزاق، لكن لم يمش الحال لأن البلدية هنا لها قوانينها».
وعن صحة ما يتردد عن مبلغ 300 أو 400 دولار بدأ يصل من «حزب الله» إلى النازحين، قالت ع.برجي: «موعودون بهذه المساعدة، لكن دورنا لم يأت بعد، ولا أدري ما إذا كان هناك من تمييز».
إذا كانت نسبة البطالة قبل الحرب تقدر بـ37%، فهذا يعني أن الدولة اللبنانية التي لاحول لها ولا قوة ستكون أمام نسبة عالية من البطالة التي لها تداعياتها الخطيرة على الأمن الاجتماعي، في بلد كان في الأساس يعاني من أزمة اقتصادية وسيخرج من الحرب منهكا ومثقلا بألف أزمة وأزمة..