منير الربيع – المدن
الفاتيكان ولبنان
ورداً على سؤال آخر للقناة التلفزيونية عن احتمال إجراء زيارة البابا لبنان، أكد أنه سيزور لبنان، وقال: “البطريرك الراعي طلب مني في هذه الرحلة أن أتوقف في بيروت. بدا لي الأمر صغيراً، فتات، حيال ما يعانيه لبنان. لبنان اليوم في أزمة وجود. وهو البلد الكريم في استضافته للاجئين، وسيكون وجهة رحلتي التالية”.
البابا وستالين
وأثبتت التجربة، أن تحرك الفاتيكان لا بد أن تحدث تغييراً. البابا يوحنا بولس الثاني، كان أبرز صانعي حقبة التغيير الكبير في مواجهة الاتحاد السوفييتي. وذات مرّة – وعندما جوبه ستالين بكلام صادر عن الفاتيكان ينتقده وينتقد ممارسات الاتحاد السوفياتي – قال بصلافته المعهودة: “وكم دبابة لدى الفاتيكان؟”.
غاب عن الديكتاتور االتوتاليتاري أن المسألة ليست بالسلاح، بل بالكلمة والفكرة. ففكرة البابا يوحنا بولس الثاني أنجبت انقلابات كثيرة على الامبراطورية السوفياتية. وعندما زار لبنان في العام 1998، كان ذلك في سياق أحداث متكاملة تشير إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط. سلام بلا دخول في التفاصيل.
ولكن يومها كانت العلاقات الإيرانية العربية جيدة. وهناك مبادرة عربية للسلام، ومفاوضات بين الدول العربية وإسرائيل. وفي لبنان حصلت تغيرات أساسية على صعيد التوازن الإسلامي المسيحي.
ضد عون وباسيل
اليوم تأتي زيارة البابا فرنسيس إلى العراق، من خارج سياق الأحلاف المتواجهة شرقاً وغرباً. حضر البابا من الغرب إلى قلب الشرق، مسقطاً كل المشاريع الأخرى، تلك التي تطلق عليها تسميات كثيرة، منها التحالف المشرقي. إنها رسالة سلام كبرى من العراق. وقابلة لأن تتطور وتتوسع.
فالفاتيكان ينطلق من خلفية “كاثوليكية” لجو بايدن، والذي تُعد له تقارير حول اقتراحه خطة سلام شاملة في الشرق الأوسط.
وزيارة البابا عنصر فاعل في أي مشروع من هذا النوع. فهو أطلق رسالة السلام من العراق. ويبدي اهتماماً استثنائياً بلبنان، حفاظاً على وحدته وتنوعه، مع تقديره لاستقباله اللاجئين. وهو موقف يتناقض كلياً مع الموقف العوني – الباسيلي الذي يدعي القوة والتمثيل المسيحيين.
زيارة لبنان
لم يتحدد حتى الآن موعد زيارة البابا إلى لبنان. ولكن معلومات تؤكد أن دوائر الفاتيكان بدأت التحضير للزيارة. وعادة تشكل لجنة فاتيكانية تعمل على التواصل مع الكنائس الكاثوليكية في لبنان. وتُنشأ غرفة عمليات في البطريركية المارونية للتحضير البروتوكولي لهذه الزيارة. وتتولى البطريركية التنسيق لها مع القصر الجمهوري.
وزيارة البابا إلى لبنان، أهدافها متكاملة: إعادة لملمة البلد، الحفاظ على وحدته وتنوعه، والعيش المشترك فيه، وعلى دولته المركزية، مع الحفاظ على حقوق جميع أبنائها المتنوعين.
وليس هذف الزيارة البابوية بعيداً عن تطبيق الإصلاح. ولا بد للبنان أن يندمج بالمجتمع العربي والإسلامي، من دون أن يكون بلد محاور وصراع. وما يقوله البطريرك الماروني هو نتاج هذه الرؤى والتراكمات الفاتيكانية، وبناءً على مقررات السينودوس لأجل الشرق الأوسط، الذي وقعه البابا بينيديكتوس السادس عشر في زيارته لبنان عام 2012.
الزيارة البابوية إلى العراق – ووضعه متشابه إلى حدّ بعيد للوضع اللبناني – جاءت تأكيداً فاتيكانياً على التطور الذي وصل إليه العراق، من دون حصول أي إشكال بروتوكولي بالحدّ الأدنى.
الدين ليس للقتل
وقال البابا من هناك جملة مفتاحية: لا يمكن استخدام الدين لقتل الناس، ولا يمكن استخدام الدين لإنتاج الإرهاب، أو لخوض الحروب. وهو يقصد تنظيم داعش، وغيره أيضاً من التنظيمات المقابلة. والأهم، التركيز على أن المرجعية الشيعية الأساسية في النجف عربية، وليست في أي مكان آخر.
وزار البابا الموصل. وهي رسالة للسنّة، إضافة إلى اهتمامه بالأكراد. وثبت موقفه على مبدأ الدولة المركزية. فبعد كل زيارة له إلى أي منطقة أو محافظة، عاد إلى العاصمة بغداد.
لبنان لن يكون بعيداً عن هذه المندرجات والتوجهات. والأهم هو الحفاظ عليه وعلى وجوده وتنوعه. وهنا يتكامل الفاتيكان مع بكركي في الطروحات التي ترفض الانخراط في صراع الأحلاف. وتحت هذا العنوان ستكون زيارة البابا إلى لبنان.
ويعتبر كثر أن الزيارة البابوية للبنان لا يمكن أن تحدث من دون أن تكون لها مفاعيل واقعية، سياسياً وكيانياً. فعندما زار البابا يوحنا بولس الثاني بولونيا، حدث التغيير الكبير سياسياً وإعلامياً ونقابياً، وخرجت بولونيا من العباءة السوفياتية.