منير الربيع – المدن
تحاول دمشق قضم حوالى 750 كلم مربع من المساحة اللبنانية. تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة الذهاب إلى ترسيم الحدود، لحماية تلك المساحة البحرية ومخزونها. أسئلة كثيرة تطرح في السياسة حول التوقيت السوري لهذه الخطوة، وإذا ما كان لروسيا قرار أو موقف داعم. أو هل يهدف ذلك إلى استدراج تفاوض رسمي لبناني سوري بشكل مباشر فيكون فاتحة تطبيع العلاقة؟ أو، هل تريد روسيا أن تكون صاحبة الدور الأبرز في تلك المنطقة، خصوصاً أن شركة روسية تتولى عمليات التنقيب في سوريا، وشركة نوفاتيك الروسية لها حصة من عمليات التنقيب في لبنان، وشركة روسنفت فازت قبل سنوات بمناقصة إعادة تأهيل خزانات النفط في طرابلس؟ وبما أن من تكون له السيطرة الأكبر في سوريا سيكون له الدور الأبرز في لبنان؟ أم أن خطوة النظام تأتي لإعادة إحياء وتأكيد معادلة وحدة المسار والمصير، أي في ظل تعرقل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود، تدخل سوريا على الخطّ بهدف التفاوض على ترسيم الحدود الشمالية، وبذلك يتلازم الملفان، كما كان هناك تلازم في البرّ جنوباً؟
نقطة الانطلاق
كل هذه الأسئلة بالإمكان الإجابة عليها بمعلّقات ووجهات نظر سياسية متناقضة. لكن الأساس يبقى في مراقبة ما يمكن أن تقوم به موسكو، والتي كان لها محطات كثيرة أبدت فيها الإستعداد للمساعدة. يوم أقرت الحكومة اللبنانية دورة التراخيص الثانية لتلزيم البلوكات النفطية شمالاً، في نيسان العام 2018، تلقى لبنان رسالة روسية بأن موسكو جاهزة للمساعدة على ترسيم الحدود مع سوريا، في ظل وجود خلاف بين البلدين يعود للسبب نفسه المختلف عليه في الترسيم البحري مع إسرائيل: من أي نقطة سيبدأ الترسيم من البر باتجاه البحر.
الحدود الشمالية كما هي اليوم، وبفعل أمر واقع سيطرة سوريا عليها، تمتد على خطّ مباشر من منتصف النهر الكبير، باتجاه الأراضي السورية، بينما لبنان يعترض على هذا الواقع، ويطالب بانطلاق الترسيم من نقطة أبعد تجاه سوريا. فالمنطقة التي يقع فيها البلوك رقم 2، وبالنظر إلى الخريطة، يمكن مشاهدة منحدر في صلب هذا البلوك. من هذا المنحدر يريد النظام السوري أن تنطلق عملية الترسيم، بينما الخرائط الدولية عمل لبنان على تصحيحها. وهذه من شأنها أن تغير كثيراً وفق القوانين الدولية. وبراً، عمل النظام السوري على رفع السواتر الترابية على الحدود، إلا أنه مع ارتفاع منسوب النهر في الشتاء، تنجرف التربة باتجاه الأراضي اللبنانية، ما يغيّر واقع الحدود البرية، التي ستنعكس حكماً على الترسيم البحري.
رسائل روسية وسورية
لا بد من تسجيل ملاحظة أساسية هنا، أنه في كل مرة كان يتحرك فيه ملف السعي لبدء مفاوضات ترسيم الحدود الجنوبية، كان لبنان يتلقى رسالة سورية أو روسية تشير إلى الاستعداد لبدء العمل على ترسيم الحدود الشمالية. تلك الرسالة الروسية في العام 2018 وتحديداً في نيسان، جاءت بعد مساعي أميركية للدخول في مفاوضات ترسيم الحدود الجنوبية. بعد الحركة الأميركية آنذاك، كشف وزير الدفاع في حينها الياس بو صعب أن لبنان تلقى رسالة سورية تؤكد استعداد دمشق للدخول في مفاوضات وعقد اتفاق لترسيم الحدود.
في محطة ثانية، ومع انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وتحديداً مع موعد انعقاد الجلسة الثانية من المفاوضات في 28 تشرين الأول 2020، وصل وفد روسي إلى بيروت برئاسة وزير الخارجية، سيرغي لافروف، وكانت الزيارة من ضمن جولة يقوم بها لافروف عارضاً وساطة روسية لترسيم الحدود البحرية بين الدول المتشاطئة شرق البحر المتوسط. موسكو تهتم إلى حد بعيد في أن يكون لها دور وتاثير في عملية ترسيم الحدود خصوصاً شمالاً، نظراً لموقعها على الساحل السوري، وامتداده نحو لبنان، بالإضافة إلى مشروع إعادة تأهيل مصافي النفط في طرابلس.
ارتباط الملفات
يصرّ المسؤولون الروس على نفي “طموحهم” في لعب دور في لبنان، لا بل يعتبرون أنه من الحصة الأميركية، وغير مهتمين به طالما أنهم موجودون في سوريا. ولكن، بالنظر إلى الوقائع السياسية والجغرافية، فلا بد أن يكون لروسيا دور، وهي تنشط بحركة متعددة الاتجاهات في لبنان، أولاً مشاركة شركاتها في عملية التنقيب، وثانياً تأهيل مصافي النفط، وثالثاً ملف اللاجئين السوريين ومبادرتها، ورابعاً النشاط الأخير الذي كان مشهوداً حول تشكيل الحكومة، وخامساً من خلال التنسيق مع حزب الله والزيارة التي أجراها وفد من الحزب إلى موسكو.
كل هذه الملفات لها أبعاد ترتبط ببعضها البعض. نفطياً، من خلال ما يمكن لموسكو أن تقدمه بين لبنان وسوريا. وأمنياً سياسياً أيضاً عبر الدور الذي يمكن لروسيا أن تلعبه بين حزب الله وإسرائيل سواء في سوريا أو في لبنان. أسباب ونقاط كثيرة قد تدفع النظام السوري لتحريك ملف التنقيب عن النفط على الحدود اللبنانية السورية. لكن الأكيد أن هذا الأمر بالذات هو عبارة عن ملف تبت به موسكو.