ليا القزي – الأخبار
يعتقد المسؤولون في الدولة، والتجّار الكبار، والمُصدّرون أنّ حبل خلاصهم الوحيد من الأزمة هو الصادرات، لتأمين الدولارات الطازجة، لكنّهم في الوقت نفسه لا يُريدون التفكير خارج الصندوق، مُبقين أنفسهم أسرى أسواق تُقفل عند كلّ مُنعطف سياسي باب التصدير إليها. يُهمل لبنان الرسمي وضع استراتيجية للتصدير والبحث عن أسواق جديدة مُستدامة، وواحد من الأسباب هو الكَسل الداخلي وعدم السعي إلى تطوير المهارات البشرية والإنتاج
لماذا عدَلنا عن زراعات مُعينة؟ «لأنّ كثيرين استسهلوا الريع لجني الربح السريع»، سائلاً أين «التحفيز الحقيقي من قبل الدولة للزراعة؟ هل أتى الدعم المُخصّص وقد بلغ 13 مليار ليرة ضمن رؤية عامة أم أُعطي بطريقة نفعية؟». علاوةً على انخفاض القيمة والنوعية، «لم نُفتّش عن أسواق جديدة، فكنا مُكتفين بالتوجّه نحو الخليج، وتحديداً السعودية». يُضيف أحد المسؤولين في وزارة الخارجية والمغتربين إنّه في لبنان «لم يُرد المعنيون القيام بأي جُهد، إن كان في البحث عن أسواق جديدة أو تطوير الزراعات وأنوعها. هو مزيج بين سوء الإدارة وغياب الشفافية ودخول الملف في زواريب السياسة».
قدّم الاتحاد الأوروبي تسهيلات لتصدير منتجات لبنانيّة، لكنه عاد ليقفل أسواقه لأنّ لبنان لم يلتزم بالمعايير المتّفق عليها
تبرز اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كمثالٍ عن طريقة مقاربة الإدارة العامة للملفّ التجاري. تفرض الاتفاقية توافر شروطٍ مُعيّنة في السلع اللبنانية قبل تصديرها، وقد وضعت لائحة تُحدّد فيها «الكوتا» المُخصّصة لعدد من المُنتجات. طوال سنوات، دفع الاتحاد الأوروبي أموالاً لتدريب اليد العاملة وبناء القُدرات، «أُهدرت في تنظيم دورات وهمية أو على جمعيات تخصّ مسؤولين محظيين»، يقول أحد المسؤولين العاملين على الاتفاقيات التجارية. انعكس ذلك على عدم استفادة لبنان من «كوتا» التصدير. صفرٌ هي كمية: البطاطا، العنب، العسل الطبيعي، الخضر الطازجة، الحمضيات، التفاح، التمر، الجوز، التين، المشمش، الكرز، الدراق، الذرة، الأرز والألبان… المُصدّرة إلى دول الاتحاد الأوروبي «لأنّها لا تتوافق مع معاييره». ويُضيف المسؤول إنّ لبنان كان يجني «قرابة الـ 30 مليون دولار جرّاء تصدير أمعاء الذبائح التي تُستخدم أوروبياً للصناعة، لكنّ الاتحاد جمّد شراءها لأنّنا نُطعم الذبائح علفاً فيه مواد كيماوية».
على شاكلة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، تكرّ «أبواب الهدر» في الفُرص التجارية، كعدم الاستفادة من اتفاقية النقل العربية «للمطالبة بحقوقنا في وجه محاولات كلّ دولة عربية فرض شروطها ــــ المُخالفة لنصّ الاتفاقية ــــ علينا في ما خصّ شاحنات الترانزيت». الأمر نفسه ينسحب على لجوء الدول العربية إلى برامج الحماية لمُنتجاتها، ما أدّى إلى التوقّف عن دخول بضائع لبنانية، «فلم نُقيّم آثار الاتفاقيات علينا، ومدى فعاليتها والحاجة إلى تعديلها، أو وضع رؤية للانفتاح نحو أسواق جديدة». المُشكلة في لبنان، أنّ الاقتصاد كان دائماً أداةً لمراكمة أرباح لأقل من 1% من السكّان بطريقة سهلة، وليس سلاحاً أساسياً في بناء القدرات الذاتية والمواجهة. كلّ القرارات تُتخذ بعشوائية، من دون وجود هدف. فبين تأمين الاحتياجات المحلية أو تعزيز التصدير، طُيّر اتفاق مع الصين لاستيراد زيت الزيتون اللبناني، بقرار من وزارة الزراعة التي اعتبرت أنّ الانتاج المحلّي لا يكفي للتصدير، قبل أن توافق بعد الضغوط على السماح بتصدير عدد قليل من صفائح الزيت.
«نحن لا نستفيد من الاتفاقيات التي نعقدها، ونُفكّر دائماً بطريقة كلاسيكية كأن نُقيم علاقات تجارية مع الدول العربية وأوروبا، في حين نُهمل أسواقاً مُهمة كأميركا اللاتينية وإفريقيا، حيث توجد جاليات لبنانية كبيرة»، تقول منسّقة السياسات الاقتصادية في وزارة الاقتصاد، ريّان دندش. حتى مع الصين، هناك خيارات سهلة وفي الوقت نفسه تُدرّ عائدات كبيرة. تذكر دندش الاتفاقيات التي تعقدها الصين لاستيراد المُنتجات الطازجة، «تتطلب تنفيذ إجراءات مُعينة قبل دخولها حيّز التنفيذ، لكن لبنان يتلكّأ عن ذلك». تُدرك دندش أنّه يجب تأمين الطلب المحلي «قبل تحوّلنا إلى بلد تصديري، ولكن يجب تفعيل ذلك رويداً رويداً». هناك مشكلة فعلية في عدم ملاءمة مُنتجات لبنانية للمواصفات الدولية، «ولكن مثلاً نُعاني من تصدير العسل إلى أوروبا، رغم أنّ نوعيته جيّدة». وتعتقد دندش أنّ شركاء لبنان التجاريين «بدأوا يُفضّلون، في خضمّ التبدّلات الإقليمية والعلاقات السياسية ــــ التجارية الجديدة، استبدال المنتجات اللبنانية».
توسيع الخيارات التجارية من بديهيات العلاقات الدولية، فكيف إذا كان بلد يُعاني فعلياً من حصار دولي وإقليمي؟ يتحدّث مسؤول في «الخارجية» عن ضياع الموضوع بين المديرين العامين ومسؤولي القطاعات الخاصة والإدارات المعنية «حول من يُشرف على الصادرات، فكثيراً ما تضيع فرص بسبب ذلك». وككلّ المسائل الاقتصادية، لا يُمكن إدارة الملفّ من دون استراتيجية تصدير وطنية تأتي من ضمن الخطّة الاقتصادية العامة للدولة، وتأمين الأمن الغذائي أولاً.
صفر صادرات زراعيّة إلى الصين!