جريدة الأخبار
بعد خمسة أشهر من إصدار قانون تعليق السرية المصرفية لمصلحة شركة التدقيق الجنائي، أعلنت شركة ألفاريز أن المستندات والمعلومات التي حصلت عليها من مصرف لبنان كافية لإحياء التدقيق الجنائي مجدداً. لكنها في سبيل ذلك، طلبت توقيع عقد جديد بكلفة إضافية تبلغ ٤٠٠ ألف دولار. العقد الجديد يعني تفويضاً جديداً بالتوقيع، يفترض أن يحصل عليه وزير المالية عبر موافقة استثنائية يوقّعها رئيسا الجمهورية والحكومة. إن سلك التدقيق الجنائي طريقه نحو التنفيذ هذه المرة فيفترض أن يكون التقرير الأولي جاهزاً، بحسب العقد، بعد ١٢ أسبوعاً، أي في نهاية آب. في غضون ذلك، خرج النائب وليد جنبلاط ليعلن أن السعودية ترفض ترؤس سعد الحريري للحكومة، وسط معلومات عن «نصيحة» إماراتية للأخير بعدم التأليف
قبيل الجلسة النيابية التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، اليوم، لتلاوة الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية إلى المجلس طالباً اتخاذ قرار أو إجراء بحقّ الرئيس المكلّف سعد الحريري، «لتعطيله ولادة الحكومة»، خرج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ليعلن أنه طلب من نواب كتلة اللقاء الديموقراطي الخروج من أي سجال حول الرسالة التي وصفها بأنها «هروب الى الأمام ولا معنى لها، والمشكل اليوم ليس دستورياً». لكن الأهم في كلام جنبلاط لتلفزيون «إم تي في»، أمس، تأكيده كل ما كان يتردد إعلامياً عن رفض سعودي لأن يؤلف سعد الحريري الحكومة. فقد قال رئيس «الاشتراكي»: «في الوقت الحالي، السعودية لا تريد سعد الحريري. لكن لا يمكن تعليق البلد في انتظار ذلك». أضاف: «لا أطلب من الحريري أن يرحل ولا أن يبقى. وقلت لعون عندما زرته إن الحريري لا يزال يمثل السنّة وطرحت عليه حكومة من 24 وزيراً من دون ثلث معطل، فاتُّهمت بتركيب منظومة سياسية مع حزب الله».
وأشار جنبلاط إلى أنه «يجب تشكيل حكومة لمحاورة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكن علامَ نحن مختلفون؟ على العدل والداخلية؟ فالجميع يتمترس خلف طائفته ويزايد علينا، وعلى الحريري أن يقوم بتضحية. فهل التسوية عيب؟».
وبدا كلام جنبلاط عن التسوية استكمالاً لمواقف سبق أن أزعجت الحريري، الذي تشهد علاقته مع جنبلاط قطيعة شبه كاملة حالياً. فالحريري، لم يغفر لـ«حليفه» دفعه باتجاه التسوية مع جبران باسيل، علماً بأنه يتّهمه بأنه أحد المسؤولين الذين اقترحوا على الفرنسيين جمعه مع باسيل.
جنبلاط: السعودية ترفض الحريري ولا يمكن تعليق مصير لبنان على ذلك
لكن معضلة الحريري تبقى أكبر مع رعاته الإقليميين. فبعدما تخلّت عنه السعودية، انضمّت الإمارات إلى الدول التي تدعوه إلى عدم تأليف الحكومة، إذ أكّدت مصادر على صلة وثيقة بحكام أبو ظبي لـ«الأخبار» أن الإمارات «نصحت» الحريري بالاعتذار، معتبرة أن مصلحته السياسية تكمن في عدم تأليف حكومة في الظروف الراهنة. وبحسب المعلومات، لا يزال متمسكاً بترؤس الحكومة لسبب وحيد، وهو أنه يعتبر أن رئاسة الحكومة هي حصانته الوحيدة أمام السعوديين، الذين لم يغفروا له رفضه تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة.
من جهة أخرى، تلقّت وزارة الماليّة كتاباً من شركة «ألفاريز ومارسال» تبلغها فيه موافقتها على استئناف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. وعلمت «الأخبار» أن الشركة اشترطت أن يصار إلى توقيع عقد جديد معها، يتضمن تعديلات، وصفت بأنها غير جوهرية، على البنود التي سبق أن تضمّنها العقد السابق، الذي طلبت الشركة، في 20 تشرين الثاني 2020، إنهاءه «لأنها لم تستحصل على المعلومات التي تخوّلها البدء بعملية التدقيق الجنائي»، بعدما تبيّن أن مصرف لبنان لم يُسلّمها سوى 40 في المئة من المعلومات التي طلبتها.
في المراسلات التي سبقت إقرار قانون رفع السرية المصرفية لمصلحة شركة التدقيق وتلك التي تلت إقراره، أصرّت الشركة على رفض تمديد العقد، لكنها لم تعترض على إمكانية توقيع عقد جديد، في حال تبيّن لها أن مصرف لبنان مستعد لتسليم المعلومات التي كانت قد طلبتها في العقد السابق.
وفي 6 كانون الثاني 2021، رحّبت، في رسالة، رسمية بصدور القانون، طارحة عدداً من الأسئلة التي تريد من مصرف لبنان أن يجيب عنها لتقرر على أساسها ما إذا كانت ستستأنف عملها أو لا. انتظر مصرف لبنان حتى 17 شباط 2021 ليجيب، لكنه اكتفى بالإشارة إلى أنه سيتعاون إيجابياً مع الشركة. ولما لم يكن هذا الرد كافياً، عادت «ألفاريز» وأوضحت أنها لتوافق على التعاقد مجدداً، ينبغي على مصرف لبنان أن يجمع المعلومات المطلوبة سابقاً ويسلمها إلى وزارة المالية، على أن تقوم الشركة بتقييم هذه المعلومات والتأكد من أن المعلومات كافية لجعل الشركة تبدأ التدقيق الجنائي. وبالفعل، عقدت اجتماعات عديدة في هذا الإطار بين ممثلين عن وزارة المالية ومصرف لبنان و»ألفاريز» اتفق بموجبها على مهلة لتسليم المعلومات المطلوبة انتهت في 15 أيار الحالي.
وفي رسالة الشركة، التي وصلت إلى وزارة المالية متضمّنة مسوّدة العقد الذي تقترحه، تبيّن أنها طلبت زيادة قيمة البدل المالي إلى 2.5 مليون دولار، أي بزيادة 400 ألف دولار عن العقد السابق. كما طلبت الحصول على قيمة فسخ العقد السابق البالغة 150 ألف دولار.
وبذلك، تؤكد مصادر معنية أن التفويض السابق لوزير المالية لتوقيع العقد لم يعد كافياً، وينبغي إعطاؤه تفويضاً جديداً للتوقيع على العقد المعدّل، والذي سيوقّعه أيضاً حاكم مصرف لبنان بوصفه فريقاً إضافياً، لتأكيد التزامه بمندرجاته.
وعليه، يُنتظر أن يرسل وزير المالية طلباً إلى رئاسة الحكومة يطلب فيه تفويضه على توقيع العقد، المحصور بحسابات مصرف لبنان. وهو ما توقّعت مصادر معنية أن لا يلقى اعتراضاً من رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية، علماً بأن ثمة من يعتقد بوجوب عرض العقد الجديد على هيئة التشريع والاستشارات لإبداء رأيها به، أسوة بما حصل مع العقد الأول.
أما بشأن التدقيق في حسابات الإدارات والمؤسسات العامة، تنفيذاً لقانون رفع السرية المصرفية، فقد أكدت مصادر مطلعة أن الرئيس حسان دياب بصدد إصدار تعميم يطلب من الإدارات العامة تقديم معلومات عن حساباتها في مصرف لبنان وفي المصارف الخاصة، واستكمال هذه المعلومات في وزارة المالية، تمهيداً لإطلاق مناقصة للتدقيق في ما خص كل حسابات الدولة ومؤسساتها.
منصّة مصرف لبنان للصيرفة: لا دولارات نقديّة!
من جهة أخرى، لم يفتتح مصرف لبنان العمل بمنصة «Sayrafa»، لكنه مع ذلك أصدر بياناً أشار فيه إلى أن المصرف المركزي سيقوم بعمليات بيع الدولار للمصارف المشاركة على سعر 12 ألف ليرة للدولار. وطلب من «المشاركين الراغبين تسجيل جميع الطلبات على المنصة ابتداءً من نهار الجمعة الواقع فيه 21 أيار الحالي، حتى نهار الثلاثاء الواقع فيه 25 أيار، شرط تسديد المبلغ المطلوب عند تسجيل الطلب بالليرة اللبنانية نقداً».
وجاء في البيان أنه ستتم تسوية هذه العمليات نهار الخميس في 27 أيار، وتُدفع الدولارات الأميركية لدى المصارف المراسلة حصراً.
العبارة الأخيرة حسمت الموقف سلفاً. لا دولارات نقدية ستدفع عبر المنصّة. وبالتالي، فإن أغلب الأفراد لن يكون بإمكانهم الحصول على الدولار سوى من السوق السوداء. كذلك، فإن المصرف لم يحدد سعر المنصة، بل حدد سعر بيع الدولار للمصارف، وبناء على التعميم الرقم 154 الذي يشير إلى هامش ربح واحد في المئة بين عمليات المبيع والشراء، فإن السعر سيرتفع إلى 12120 ليرة بداية، لكنه حكماً لن يتوقف عند هذا الحد، حيث يتوقع أن تفرض المصارف رسوماً إضافية. ومع احتمال أن يصل سعر الدولار إلى نحو 12400 ليرة، فإن التجار سيكون لهم مصلحة في الشراء عبر المنصة، ما لم توضع العراقيل في وجههم، على اعتبار أن السعر سيبقى أفضل من سعر السوق. ولأن التجار والمستوردين يشكلون الأغلبية الساحقة من مشتري الدولار، يتوقع أن ينخفض سعر السوق لاحقاً. أما مصرف لبنان فيسعى في هذه الفترة إلى جمع الليرات من السوق، آملاً أن يساهم ذلك في «تحرير» الدولارات المخبأة في المنازل.
ويتوقع، بحسب مصادر مصرفية، أن تترافق هذه الخطوة مع دخول أكثر من مليار دولار إلى لبنان، يصرفها المغتربون خلال فصل الصيف. وهو ما سيؤدي إلى تأثير مشابه لما تلا انفجار المرفأ، حيث دخل إلى لبنان ما يوازي 3 مليارات دولار، أسهمت في تخفيض سعر الصرف. لكن ذلك، أيضاً بحسب تلك التجربة، سيكون مرحلياً. إذ بمجرد عودة السياح إلى بلدانهم سيعود الدولار إلى الارتفاع، إذا لم يسبق ذلك خطوات ملموسة إن على صعيد تأليف الحكومة أو على صعيد البحث عن مخارج للأزمة المالية والنقدية.