ترتفع الأصوات المطالبة بتدقيق جنائي في حسابات شركة طيران الشرق الأوسط لأنها مملوكة من مصرف لبنان الذي تبيّن أن هناك تلاعباً في حساباته. وأكدت مصادر متابعة أن الشركة تدّعي النجاح كما كان الحاكم السابق لمصرف لبنان يدّعي النجاح ليتبيّن أن هناك ألف سؤال وسؤال حول ذلك النجاح المزعوم. وأشارت المصادر الى جملة أسباب تجعل الشركة تدّعي «النجاح» أبرزها الجانب الاحتكاري في مكان ما، فضلاً عن تربيطات تحظى بها من جهات رسمية لحمايتها، إلا أن ذلك يحول دون فتح حرية المنافسة كما يجب، ويدفع ثمنه المسافرون أسعاراً مضاعفة أحياناً.
ويتفاجأ اللبنانيون المغتربون أو أي سائح يريد القدوم إلى بيروت في كل موسم ذروة من ارتفاع كبير في أسعار تذاكر السفر خصوصاً من والى الدول الأوروبية، وما يُشكّل صدمة أن الأسعار مضاعفة مقارنة بأسعار بطاقات السفر إلى إسرائيل، على سبيل المثال لا الحصر، رغم أن المسافة هي نفسها بين أي عاصمة أوروبية وبين بيروت أو تل أبيب.
فادي عبود: إتفاق على توحيد الأسعار
يشرح وزير السياحة السابق فادي عبود سبب ارتفاع أسعار تذاكر السفر من أي عاصمة أوروبية إلى بيروت، لافتاً إلى مثال «وجود 4 شركات تعمل على الخطوط الأوروبية باتجاه لبنان هي: الشركة الوطنية اللبنانية، والشركات الوطنية الفرنسية والإيطالية والألمانية، وهذه الشركات أبرمت اتفاقاً ضمنياً في ما بينها على توحيد الأسعار»، لكنه ينبّه إلى أن «مسألة توحيد الأسعار بين الشركات يعاقب عليها القانون في أوروبا».
ويوضح عبود خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن» أن «موضوع توحيد الأسعار هذا يُلحق خسائر بالمسافرين»، ويعطي مثالاً عن الفرق الكبير بين ما تتقاضاه « air france»، من أي عاصمة أوروبية إلى بيروت وإلى تل أبيب، حيث إن الرحلة من أي عاصمة أوروبية إلى تل أبيب ثمن تذكرتها حوالى 300 يورو، مقابل 700 يورو ثمن التذكرة الى بيروت تقريباً، أي أكثر من ضعف السعر، والسبب في هذا التفاوت أنه في تل أبيب يوجد تنافس بين الشركات، فيما تغيب هذه المنافسة تماماً في لبنان بسبب الإتفاق بين الشركات على توحيد الأسعار».
لا طيران إقتصادي
الى ذلك يضيف عبود أن «لبنان لا يُسهّل عمل الشركات المنخفضة السعر كباقي الدول المجاورة، لأن فتح المجال أمامها يسمح بالمنافسة، كما يسمح للمسافر باختيار الشركة والسعر الذي يناسبه. ولهذا السبب لا يوجد تنافس كافٍ على خط بيروت، فيما المنافسة موجودة في العواصم القريبة من بيروت مثل القاهرة أو إسطنبول أو عمان، وأسعار البطاقات إليها أقل بكثير من أسعار الشركات التي تتوجّه إلى بيروت».
لا أجواء مفتوحة
وإذْ يشير إلى أن «لبنان وقع إتفاقية الأجواء المفتوحة، إلا أن الطيران المدني يُصعّب الأمور كثيراً على الشركات ولا سيّما الشركات المنخفضة الأسعار للحؤول دون هبوطها في بيروت، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وإذا قمنا بمقارنة نجد أن أسعار تذاكر السفر إلى بيروت أغلى من كافة العواصم المحيطة بلبنان».
الحل وفق عبود هو «الحرية الرابعة (تستطيع كافة شركات الطيران الهبوط من دون استثناء)، والحرية الخامسة (تتمكن أي طائرة لدى هبوطها بالمطار من تحميل ركاب من بيروت) وهذه من الأنظمة التي تحكم الطيران والتي وقّع عليها لبنان. فاليوم من المفترض بالطيران المدني أن يسمح لكل شركة تطلب المجيء الى بيروت بالقدوم، وعدم اشتراط ربطها بتوقيت معيّن مثل أوقات الفجر بين الثانية والرابعة صباحاً، لتسهيل الأمور على المسافر».
ولذا يؤكد عبود أنه «من المفترض أن نمارس الحرية المطلقة وما يسمّى بالحرية الرابعة والخامسة في مطار بيروت، لأن ذلك يسمح بالتنافس ويجبر الميدل إيست على تخفيض أسعارها، فشركة الطيران الوطني تحقّق أرباحاً كبيرة على حساب المسافرين لأن لا أحد ينافسها»، معتبراً أن ذلك ليس «مرجلة» بل «المرجلة» هي أن تستطيع الشركة الإستمرار في ظل المنافسة، فما تقوم به اليوم يسمّى احتكاراً».
دور الطيران المدني
ويرى أن من مصلحة الميدل إيست أن «لا ينافسها أحد لتزيد أرباحها وهي موجودة بقوة في المطار». ويأسف لأن «الطيران المدني الذي يملك الصلاحية بالسماح لشركات أخرى بالمجيء إلى لبنان ويُحدّد من يحق له أن يهبط في المطار ومن لا يحقّ له، هو من يساعد الميدل إيست» على استمرار الاحتكار.
وإذ يشدّد على «ضرورة تنفيذ شامل وكامل للإتفاقيات التي وقّع عليها لبنان للحرية الرابعة والخامسة بحيث يسمح الهبوط لأي شركة لا يوجد بحقها أي إشكال ومسموح لها الهبوط بأوروبا»، لكنه لا «يستبعد أنه في حال حاولت أي شركة الهبوط في لبنان، وليس عليها أي إشكال، أن يخلقوا لها في لبنان إشكالاً لمنعها من الهبوط في مطار بيروت».
هذا ما حصل مع «جوردانيا»
ويستذكر عبود حادثة حصلت معه في الماضي خلال تولّيه حقيبة السياحة، ويقول: «عند حصول الحرب في سوريا وانخفاض عدد السياح الأردنيين بما يقارب 80%، طالبنا حينها بأن يكون لدينا طيران منخفض الأسعار، خاصة أن أغلبية الأردنيين كانوا يأتون بسياراتهم، أي لا يتكلّفون كثيراً. تقدّمت شركة تدعى «جوردانيا» بطلب المجيء، لكن لم يعطوها حق الهبوط بلبنان. ولدى مراجعتنا أجابوا بأن ذلك لأسباب فنية وأن الطائرة قديمة، ولكن تبيّن أن هذه الطائرة لها حق الهبوط ببريطانيا. وهذا دليل على أنهم يمنعون التنافس في لبنان، ويلحقون الضرر بالاقتصاد».
في الختام، يأمل عبود «في حصول تغير لأن التنافس دليل صحة. بمعنى إذا فتحت السوق تعتاد الشركة الوطنية للطيران على التنافس لتتمكن من الاستمرار، ولكن إذا لم تعتد على التنافس فستنهار شيئاً فشيئاً».
جان عبود: 4 عناصر تحدّد الأسعار
ومن ناحيته، يوضح نقيب مكاتب السفر جان عبود أن «شركات الطيران غايتها الربح، كما أنها تستند إلى 4 عناصر لتحديد أسعار التذاكر:
«العنصر الأول، وهو العرض والطلب، فإذا طرحت الميدل إيست 3 طائرات على خط معين وامتلأت جميعها يعني أن الطلب أكثر من العرض، ومن الطبيعي هنا أن ترتفع الأسعار. ويلفت إلى أن «هذه الحالات تحصل ببعض المواسم مثل الصيف حيث تبيع الميدل إيست التذاكر وفق العرض والطلب. أما في الشتاء فيختلف الوضع تماماً، فعلى سبيل المثال هناك تذاكر ما بين 120 و125 دولاراً إلى إسطنبول.
والعنصر الثاني الذي يؤثر بالسعر هو إذا كان الخط مباشراً، حيث تكلفة الرحلة أكثر من تلك التي تتوقف في محطات عدة.
العنصر الثالث هو بقدر ما تكون هناك رحلات على خط محدد يتأثر السعر ويرتفع، أي إذا كانت لدى الميدل إيست رحلتان يومياً على خط باريس، فهذا مكلف.
وأما العنصر الرابع فمرتبط بالتوقيت، إذ هناك فارق بين أن تقلع الطائرة في الليل أو تقلع ما بين الساعة 8 و9 صباحاً وما فوق».
وهنا يشير الى أن «أسعار «الميدل إيست» ليست وحدها مرتفعة. فعلى سبيل المثال، سعر التذكرة على خط بيروت – باريس هو تقريباً نفسه على متن شركة «air france»، وأحياناً قد يكون متن شركة «air france»، وأحياناً قد يكون الفارق ما بين 3 إلى 4 دولارات حسب فرق السعر أي ما نسبته1% فقط، وهذا ما تفرضه التكلفة التشغيلية. فلكل شركة طيران تكلفة تشغيلية لكل طائرة تابعة لها»، ويؤكّد أنه «بعد حوالى 20 يوماً ستنخفض الأسعار. وهذا منوط بالعرض والطلب والتوقيت، وعدد الرحلات والخط المباشر… هذه هي العوامل التي تتحكم برفع السعر أو خفضه».
الحكومة منحتها إمتيازاً
ويذكّر بأن «الحكومة هي مَن منحت الشركة الوطنية حق الإستثمار على مدة 10 سنوات تقريباً، وبالتالي هناك حصرية بالقانون»، وقال: «هذه شركات تجارية وليست كاريتاس، فمصاريف الشركات كبيرة ومكلفة، ومن لا يعلم بزواريب الطيران يعتقد أنها كلها أرباح. علماً أن هناك القليل من شركات الطيران في العالم التي تحقّق أرباحاً. فالكلفة التشغيلية هائلة ويتحكّم بها 100 عامل وأبرزها سعر الفيول».
ليست شركة حكومية
ويوضح أن «الميدل إيست» هي شركة خاصة. أما الشركة الحكومية مثلاً فيمكنها القيام بعروضات حيث تخفض ثمن التذكرة أحياناً لتنشط الاقتصاد بفعل ارتفاع عدد السياح. ويمكن للميدل إيست القيام بذلك في حال طلبت منها الحكومة، لكن هنا يتوجّب على الحكومة أن تغطي خسائر الميدل إيست في حال باعت بأسعار أرخص، فلا يمكن للشركة خفض أسعارها وهي لديها مستلزمات تشغيلية و5000 موظف يتوجب عليها تأمين رواتبهم».
ويختم حديثه، بالقول: «الميدل إيست شركة وطنية ومهمة للبلد، وهي منتشرة في الخارج أكثر من انتشار السفارات».
وقائع حصلت مع مغتربين
إن تجربة مكاتب السفر مع الزبائن تثبت أن مغتربين يهربون من الحجز على متن الميدل إيست بعد سماعهم بالأسعار الخيالية، لا سيما إذا كانت للمسافر عائلة ويحتاج إلى أكثر من تذكرة. وهنا يروي صاحب أحد مكاتب السياحة والسفر لـ «نداء الوطن» بعض المواقف التي كانت تحصل معه أثناء طلب المغتربين حجز تذاكر سفر للمجيء إلى لبنان، لافتاً إلى أن «هناك الكثير من المغتربين اللبنانيين في كافة الدول وبخاصة في أوروبا، ولدى تواصلهم مع المكتب من أجل حجز تذاكر سفر، فإن أول سؤال يطرحونه ومن باب دعمهم الشركة الوطنية هو عن تكلفة التذكرة على متن الميدل إيست. عند إبلاغهم بالسعر يتفاجأون، عندها ننصحهم بشركات أخرى وهي أرخص بكثير».
ويلفت إلى أن «البعض وبقصد التوفير، يعمد إلى حجز تذاكر للسفر إلى قبرص ومن قبرص إلى لبنان، حيث ثمن التذكرة الى قبرص من أي دولة أوروبية يتراوح بين 150 و200 دولار، ومن قبرص إلى لبنان تبلغ 100 دولار تقريباً وأحياناً أقل، بينما أسعار الميدل إيست تبدأ بـ600 وقد تصل إلى 1000 دولار». ويقول: «أنا صاحب مكتب وضنين بمصلحة لبنان، وأدعم الميدل إيست كشركة وطنية، لكني أرفض استغباءها المسافرين بتضخيم أسعارها التي تفوق الشركات الأخرى بمرتين أو أكثر».