شعار ناشطون

“طرابلس حاضنة الثقافة لكل الازمان” هدية ثانية لدار “جروس برس ناشرون

23/02/25 09:46 pm

<span dir="ltr">23/02/25 09:46 pm</span>

“طرابلس حاضنة الثقافة لكل الازمان” هدية ثانية لدار “جروس برس ناشرون”

رعى وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة ممثلا بالمدير العام للوزارة الدكتور علي الصمد اطلاق الاصدار الثاني لدار “جروس برس ناشرون” تحت عنوان ” طرابلس حاضنة الثقافة لكل الأزمان” في مركز الصفدي الثقافي، وسط حضور لفاعليات نيابية وسياسية ودينية وروحية ونقابية وأكاديمية وتربوية وثقافية واجتماعية.

بداية النشيد الوطني، ثم كلمة الافتتاح ألقتها الدكتورة نادين العلي أشارت فيها الى “اننا بصدد إطلاق كتاب “طرابلس حاضنة الثقافة لكل الأزمنة”، الذي يُعد بمثابة ذاكرة المدينة الحية ينجح بفضل العقول التي آمنت بحفظ ذاكرة المدينة وتنوعها الثقافي، واذ خصت دار جروس برس ناشرون التي حملت على عاتقها ابراز وجه طرابلس الحضاري” توجهت العلي بشكرها العميق إلى “الوزير محمد الصفدي، الذي كان دائمًا داعمًا معنويًا وتنمويًا وثقافيًا لكل المبادرات التي تهدف إلى تطوير المدينة ورفع شأنها ولمؤسسة الصفدي، التي تساهم بشكل كبير في التنمية الثقافية والاجتماعية في المدينة”.

الصفدي

والقى الوزير والنائب السابق محمد الصفدي كلمة قال فيها: “يسرّني أن أرحّبَ بكم في هذا اللقاءِ المميّزِ، حيثُ نحتفي بإطلاقِ كتابٍ عن مدينتِنا الحبيبةِ طرابلسَ، “حاضنةِ الثقافةِ لكلِّ الأزمانِ. الشكر ل “جروسِ برسِ ناشرون”، التي لم تكن مجرّدَ دارِ نشرٍ، بل صرحًا ثقافيًا يسهمُ في إيصالِ هويّةِ طرابلسَ إلى العالمِ، ناشرًا ثقافتَها وتاريخَها العريقَ. جزيلَ الشكرِ للقائمينَ عليها، الذينَ يعملونَ بشغفٍ للحفاظِ على هويتِنا الثقافيّةِ ونقلِها للأجيالِ القادمةِ، والشكرُ موصولٌ إلى عميدِها السيّدِ ناصرِ جروسَ”.

أضاف: “لقد تغيّرتْ طرابلسُ التي نعرفُها اليومَ عمّا كانت عليهِ في الماضي، وهذا أمرٌ يدعو للأسى. فقد كانت مدينةً جميلةً بمعالمِها وآثارِها، منظّمةً وخضراءَ، تفوحُ منها رائحةُ الزمنِ الجميلِ. كانت أسواقُها تنبضُ بالحياةِ وتحكي حكاياتِ الزمنِ الجميلِ، وأزقّتُها مليئةً بالحركةِ والنشاطِ. نشأتُ في منطقةِ أبي سمراءَ، وتلقّيتُ تعليمِي في روضةِ الفيحاءِ في الزاهريةِ لسنةٍ واحدةٍ، التي أصبحتْ اليومَ مدرسةَ الروضةِ. ثمَّ انتقلتُ إلى مدرسةِ الأمريكانِ للصبيانِ في الزاهريةِ، ومنها إلى مدرسةِ الأمريكانِ في القبةِ. كنتُ أكتشفُ الزاهريةَ الجميلةَ آنذاك، بعاملِ الصابونِ المنتشرةِ فيها، وبمعملِ الثلجِ الرئيسيِّ الذي كان ضروريًا لتبريدِ مشروبِ الكازوزِ. كنتُ أحبُّ مدينتي منذُ الصغرِ، وأسيرُ يوميًا في الأيامِ المشمسةِ من أبي سمراءَ إلى القبةِ. كانت رحلةُ الذهابِ إلى المدرسةِ أشبهَ بمغامرةٍ يوميّةٍ، أمرُّ عبر سوقِ البازركانِ، ثمَّ إلى السوقِ الجديدِ، ومنه إلى الدباغةِ حيثُ يُباعُ الصوفُ المستخدمُ في الفُرُشِ، ثمَّ أعبرُ نهرَ أبي عليٍّ، فوقَ الجسرِ الخشبيِّ الذي كان يشبهُ جسرَ بينوكيو في فلورنسا، حيثُ تصطفُّ المحلاتُ على جانبيهِ، وتزينُه المنازلُ ذاتُ الهندسةِ الجميلةِ والبسيطةِ. وصولًا إلى سوقِ الخضارِ، ثمَّ أصعدُ إلى القبةِ، مارًّا أمامَ سينما القاهرةِ، حيثُ كان الدخولُ إليها ببيضةٍ أو ما يعادلُها ثمنًا!

أمّا الامتدادُ المعاكسُ لسوقِ البازركانِ، باتّجاهِ الرفاعيّةِ، فكان يحملُ تجربةً أخرى. كان سوقُ البازركانِ مركزًا لبيعِ الأقمشةِ، يليهِ سوقُ الكتبِ الذي كان يعجُّ بالقرطاسيّةِ والمجلداتِ، ثمَّ سوقُ العطّارينِ الذي تفوحُ منه روائحُ التوابلِ والعطورِ، وهي روائحُ لا تزالُ محفورةً في ذاكرتي وقلبي. لم يكن بوسعي نسيانُ طعمِ حلاوةِ الشميسةِ من عند نوحٍ التي كانت تضيفُ لمسةً خاصّةً إلى رحلتي اليوميّةِ. طرابلسُ كانت مدينةً تنبضُ بالحياةِ، في كلِّ زاويةٍ منها قصةٌ، وفي كلِّ معلمٍ ذكرى تبقى محفورةً في الوجدانِ. ولا أنسى أجواءَ عيدِ المولدِ النبويِّ، حينَ كانت الشوارعُ تُغسَلُ، وتُفرشُ الحُصُرُ، وتُقامُ المواكبُ الاحتفاليّةُ التي تضفي على المدينةِ طابعًا من الفخامةِ والهيبةِ. كان نهرُ أبي عليٍّ شريانًا نابضًا في قلبِ المدينةِ وجزءًا لا يتجزّأ من يوميّاتِ أهلِها، لكن بعدَ الطوفانِ، انقطعَ هذا الشريانُ وتشوّهَ وجهُ المدينةِ الجميلُ إلى الأبدِ. واليومَ، تقعُ على عاتقِنا مسؤوليّةٌ كبرى للحفاظِ على طرابلسَ، لتبقى منفتحةً ومتطوّرةً، مع الحفاظِ على هويّتِها الأصيلةِ”.

واشار الى أن “حبَّ المدينةِ لا يجبُ أن يكونَ مجرّدَ عاطفةٍ، بل يجبُ أن يُترجمَ إلى عملٍ حقيقيٍّ على أرضِ الواقعِ. فالمشاريعُ الناجحةُ لا تتحقّقُ إلّا عندما يتكاتفُ أبناءُ المجتمعِ حولَها. ومن أبرزِ المشاريعِ الناجحةِ التي تجسّدُ هذا المفهومَ، مشروعُ “البناءِ الجامعيِّ الموحّدِ في الشمالِ”، الذي انطلقَ عامَ 2001 بمبادرةٍ من مؤسسةِ الصفدي، وبمشاركةِ المجتمعِ المدنيِّ، بعيدًا عن التجاذباتِ السياسيّةِ، ممّا كان أحدَ أهمِّ أسبابِ نجاحِهِ. واليومَ، أمامَنا إنجازٌ ثقافيٌّ جديدٌ، يتمثّلُ في هذا الكتابِ، الذي يوثّقُ طرابلسَ التي نعرفُها ونحبُّها، طرابلسَ التي نفخرُ بها، والتي يجبُ أن نحافظَ على صورتِها الأصيلةِ وننقلَها للأجيالِ القادمةِ”.

وأمل الصفدي أن يكونَ هذا الكتابُ “خطوةً جديدةً في مسارِ حفظِ التراثِ الثقافيِّ لمدينتِنا، وأن يسهمَ في إبرازِ هويّتِها العريقةِ بكلِّ تفاصيلِها وجمالِها” .

جروس

والقى ناصر جرّوس كلمة قال فيها: “قارورة الطيب وسجادة من عنبر مصنوعة من زهرات النارنج والليمون تتسلّق قصائد إلى اشجار المدينة وتزيّن نوافذها وتعشّش في سقوف منازلها. هذه هي طرابلس كما وصفها الشاعر المبدع نزار قباني، حينما زارها في يوم من الأيام. فهل آن الأوان لهذه الفيحاء أن تنفض عنها الغبار وتعود إلى سابق عهدها الثقافي المضيء فتفوح منها رائحة زهر الليمون التي تأخذنا إلى تاريخه المشرق، أم أن بزوغ الفجر لا يزال بعيداً ؟ ما من شك، أن لهذه المدينة تاريخاً مشرقاً. فهي واجهت الغزاة وقهرتهم حين كان عليها أن تواجه، وهي رفعت راية العلم والثقافة في زمن الاستقرار والأمان فرفدت الحضارة العربية بالعلماء والمفكرين والفقهاء، كما فتحت أبوابها وذراعيها وقلبها لكل وافد فكانت مدينة الانفتاح والتسامح والعيش الواحد. لكننا لا نقول هذا القول للتغني بالماضي، ونحن نعتز به، أو من باب الحنين لزمن غابر لا أمل بأن يُستعاد، وإنما لإبراز ما لهذه المدينة من خصائص ومقومات تؤهّلها لأن تكون مدينة المستقبل. لا ينقصنا شيء سوى التصميم والإرادة لتعود طرابلس شامخة بهية، تشدّ اليها من غادر من أبنائها وتستقطب أهل الجوار الذين لهم معها أحلى القصص وأجمل الذكريات”.

أضاف: “كل ذلك كان دافعُنا في دار جروس برس لكي نعاود الكرّة ونطلب من حوالي خمسين شخصية أن تساهم في الكتابة عن طرابلس وإرثها الثقافي المميز، فتبرز كيف يمكننا الحفاظ عليه ونعمل على تطويره ونجعل من مدينتنا جوهرة على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، بما تمتلك من مرتكزات بيئية وطبيعية وتراثية وأثرية، بمختلف فنونها، بمساجدها وكنائسها ومراكزها الدينية ودور العبادة فيها، وبمطبخها العريق بحلوياته وأطباقه الشهية، وبكتّابها وشعرائها ومفكّريها”.

وتابع: “جاء هذا الكتاب لكي نزيل الغبار عن صورة مدينتنا المضيئة ونقول لها مجدداً مع نزار : “قومي من تحت الردم.. قومي كزهرة لوز في نيسان”… قومي وواجهي كل من يسيء اليكِ، أو يهملكِ، أو يستغلكِ لمصالحه. آن الأوان في الواقع لكي يستعيد مجتمعنا حيويته ونشاطه ويثبت أنه قادر على الإمساك بمصيره واستعادة دوره على صعيد الوطن وفي محيطنا والعالم. آن الأوان لكي نكون متأهبين لمواكبة انطلاقة الوطن، فقد أصبح لدينا الآن وبعد طول انتظار رئيس حكيم وحكومة واعدة، وكلنا ثقة بأن الدولة ستعود لممارسة دورها وينتظم عمل المؤسسات، ولا يجوز أن تتلكأ هذه المدينة المليئة بالكفاءات عن لعب الدور المنوط بها”.

وختم جروس: “يبقى عليّ في نهاية كلمتي أن أتوجّه بعميق الشكر للباحثين الذين ساهموا في هذا الكتاب، وأن أشكر الدكتور جان جبور الذي اشرف على إعداد منهجيته وتحريره وتبويبه. الشكر كذلك للمخرجة الواعدة شروق بدرا والمصوّر المبدع أسبر ملحم. والشكر موصول لمطبعة شمالي وشمالي التي في كل مرة نقوم بنشر عمل يتعلّق بطرابلس تكون السبّاقة في بذل كل جهودها وتقديم كل خبراتها لكي يأتي العمل مميّزاً بشكل رائع. الشكر أخيراً للمنتدين الذين يقدّمون إضاءة قيّمة عن الكتاب، وللجمهور الكريم الذي بمشاركته يعطينا زخماً للمثابرة. ولن يفوتَني في الختام أن أشكر مؤسسة الصفدي ومركز الصفدي الثقافي بشخص معالي الوزير محمد الصفدي واللذان لا يفوتان اية مناسبة لرفع الشأن الثقافي في المدينة ولدعمهم اصدار هذا الكتاب”.

كلمة وزير الثقافة

ثم القى الدكتور الصمد كلمة وزير الثقافة وجاء فيها: “إن لقاءنا اليوم في مدينة طرابلس الجميلة والعزيزة وفي هذه المناسبة المتميزة، مناسبة اطلاق كتاب “طرابلس حاضنة الثقافة لكل الأزمان” هو باكورة اطلالاتنا الثقافية بعد تأليف الحكومة. فطرابلس، هذه المدينة العريقة بتاريخها وتراثها غير المادي وتراثها المادي مما يحتويه من آثار وقلاع وأبنية تراثية ومساجد وكنائس وأسواق وخانات وغيرها الكثير الكثير، وعلى الرغم من كل ما أصابها من إهمال ومن انعكاسات للأزمة المالية والاقتصادية التي شهدها لبنان خلال الأعوام الماضية، تبقى شاهدة وناطقة عن دور حضاري فريد ومتميز لعبته على مدى حقب تاريخية مديدة وحتى عصرنا الحاضر/يومنا الراهن”.

أضاف: “من هنا فإن اهتمامنا بمدينة طرابلس ليس وليد اليوم، بل إنه يعود الى سنوات عديدة مضت، حيث تسنى لنا خلال تولينا لوزارة الثقافة في مطلع الألفية الثالثة، وضع الأسس لمشروع الإرث الثقافي في المدينة وتأمين التمويل المالي اللازم من خلال البنك الدولي، وكان هدفنا في حينه تأهيل مركز المدينة التاريخية والاسواق الداخلية وتحسين البنية التحتية المدينية كما وتأهيل المواقع الأثرية وتطوير ادارتها وتنمية المناطق المحيطة بها. كما عملنا في تلك الفترة على تطوير شبكة المكتبات العامة في المدينة ورفدها بالكتب والاجهزة اللازمة. لذلك فإننا نعود اليوم لكي نطًّلع عن قرب على ما تم إنجازه على هذا الصعيد ولكي نعمل على استنفار الجهود والطاقات من خلال حكومة “الاصلاح والانقاذ” وبالتعاون مع المنظمات الدولية لاستكمال ما يمكن إنجازه”.

وقال الصمد: “لا يخفى على أحد أن “إعادة الاعمار” هو أحد العناوين الأساسية لهذه المرحلة. ولا يمكن لإعادة الاعمار أن تستقيم ما لم يتم، وبالتوازي مع ورشة البنى التحتية من طرقات وشبكات مياه وكهرباء واتصالات، الاهتمام بإعادة بناء “القيم الفوقية”. وأقصد بالقيم الفوقية، قيم التفاهم والعيش المشترك والمواطنة والوحدة الوطنية. من هنا أهمية دور وزارة الثقافة في المرحلة القادمة من خلال نشر المفاهيم والقيم التي تأسس عليها لبنان وشكلت جوهر فرادته وتميزه، والعمل أيضا ًعلى ادارة التنوع اللبناني من خلال توسيع الرقعة المشتركة بين اللبنانيين، كما والعمل على تعزيز الحريات العامة ودعم حرية التعبير والابداع”.

وأكد أن “دور الوزارة وجهدها سيكون منصباً على تحفيز النمو الاقتصادي عبر دعم الصناعات الثقافية ورفع حجم مساهمتها من الناتج المحلي وذلك من خلال الترويج للكتاب اللبناني والفيلم اللبناني والاغنية اللبنانية والرسم، وعبر احترام الملكية الفكرية وحفظ حقوق المؤلف وصناعة المحتوى الثقافي وغيرها. كما أن الوزارة ستبقي نصب أعينها تحقيق التنمية الثقافية في مختلف المناطق دون تمييز بين منطقة وأخرى، وهي سوف تعمل على اطلاق المبادرات ودعم ورعاية النشاطات الثقافية التي من شأنها أن تحقق الأهداف وتعزز القيم التى سبق وأشرنا اليها” .

وحيا “الجهد الكبير الذي اضطلعت به مؤسسة جروس برس بشخص مديرها الاستاذ ناصر جروس، في مجال اصدار الكتاب اللبناني ونشره في مختلف الدول العربية والاجنبية، ولقد كان لنا أن قمنا معه ومع دور نشر لبنانية متعددة، بنسج شراكات و الوصول الى اسواق جديدة وافتتاح معارض للكتب أذكر منها معرض فرانكفورت للكتاب”.

كما حيا ايضا “جميع من شارك في اعداد هذا الكتاب المرجع الذي يوثق للمخزون الثقافي لمدينة طرابلس وما يحتويه من مقومات، ولما تواجهه المدينة من تحديات”.

وختم محييا صاحب الدار، الوزير محمد الصفدي، “الذي احتضن هذه الفعالية والذي جعل من مؤسسة الصفدي طوال فترة العقدين المنصرمين جوهرة للاشعاع الثقافي ليس على مستوى طرابلس والشمال فحسب ولكن على المستوى الوطني والدولي” .

ندوة حول الكتاب

تخللت الإحتفالية ندوة تحدث فيها الدكتور جان توما الذي اشار الى ان “اللقاء في طرابلسُ اليومَ وهو حاصلٌ في كلِّ يومٍ، ليسَ عابرًا، فانّ جرّوس برس رفعَتْ أسوارَ المدينةِ من جديد، ولذا يأتي كتابُ: “طرابلسُ حاضنةُ الثقافةِ لكلِّ الأزمانِ”وليس حصرًا لزمن ِ”طرابلسُ عاصمةٌ للثقافةِ العربيّةِ لعام ٢٠٢٤”، وليؤكِّدَ السجلُ الجديدُ استمرارَ عَظَمَةِ هذه الفيحاء، وريادةَ أبنائِها في الإنماءِ ترميمًا وفهمًا منهم، بأنّ الحركةَ السياحيّةَ تقومُ على حِفْظِ الأبنيّةِ التاريخيّةِ، ببشرِهَا وحجرِها، فقيامُهَا بهيّةً استعادةٌ للإرثِ الثقافيِّ قبلَ فواتِ الأوانِ، وَقَدْ آنَ الأوانْ والسلام”.

وقال الوزير الاسبق رشيد درباس، في مداخلته:

“الأحدَ الماضي، في برنامجه الإذاعي (نقطة على الحرف) عبر أثير (صوت كل لبنان)، خصص الصديق هنري زغيب للكتاب موضوع الندوة ولآل جروس حديثًا رائعًا شنَّفَ به أسماعَ الهواء. فما انتهى من تِلاوتِه حتى اتصلتُ به شاكرًا إياه على حبه لطرابلس، وقائلًا له: إن لآل جروس على المدينة حقًّا، منذ الأب المؤسس. فهم أهل صمود حين سقط قراءُ الكتب أمام هجمات الجيوش الالكترونية، وهم أهل عناد، عندما تخطت إرادتُهم الأزمةَ الاقتصادية والمالية، وأهلُ شغف وابتكار وحب مقيم للمدينة يفوح في بواكير كل ربيع، ويملأ المعارض بصفحات العطر، ويزحَمُ القاعة الصفدية بوجبات طيبة من الفكر والفن والإبداع. فإذا بهنري يعاجلُني بالقول: لماذا لا تدرج ما قلت لي في سطور كلمتك يومَ الاحتفال؟ وكمَنْ فُتِحَت عليه مغاليقُ مُظلِمة، بَيَّتُّ النية على أن أتحدث اليوم أمامكم أولاً عن خانات طرابلس التي احتضنت قناطرُها زمانَ الفيحاء الرحيب”.

أضاف: “الخان كما تعلمون لفظة فارسية عربتها ألسنة أبناء الضاد، حتى فشا استعمالها في بلاد العرب كلها. والخانة هي المبنى المقام على الدروب الخارجية لإيواء القوافل والجنود. ومدينة طرابلس مشهورة بالخانات بمعنيي الوظيفة الفندقية والوظيفة التجارية والحرفية، كخان التماثيلي في الميناء، وخان الصابون وخان الخياطين وخان العسكر وغيرها مما اندثرت اسمًا ورسمًا. إلى جانبها ثمةَ خانٌ آخر، هو خان جروس الذي سخَّرَ مساحاتِه الوارفة لاستضافة طلاب العلم وهواة الأدب، ومجاذيب الفن. وعلى مدى عشرات السنين كدَّسَ فوقَ الرفوف أشهى الصنوف وأعذب الحروف، متخذًا من هذا المركز الثقافي الواجهة الأجمل في المدينة ليعاقر فيه ولع الضيف بالمضيف، مستكينًا إلى رحابة صدر القاعة وسَعَةِ قلب صاحبها الذي علق مصاحبته للسياسة، وانصرف إلى هواية اللقاء بكم ومشاركتكم في هذا التفاعل الذي عبر عن ذروته في اعتماد طرابلس عاصمة للثقافة العربية”.

وتابع: “لن يكف ناقوس بن جروس عن الرنين، ولن تكف القبة الصفدية عن استقبال صداه. وأنا كذلك لن أكف عن ممارسة ذكريات الطفولة والشباب. إذ كلما شاهدت سعي الأرجل إلى بوابة المركز، عاودني الحنين إلى أيام المسارح ودور العرض، واستعرضت الوجوه الجميلة التي كانت تخلب لبي، والتي لا أدري الآن ماذا فعلت بها خطوط الزمان. فكأنها سكنت خان الذكريات بعد أن خانَها الحاضر”.

وقال: “في جِرابِ عمري أكداسُ سنين لا أشعر بثقلها، لأنني ما زلت مسكونًا بولع الصبي وَوَلَهِ الشاب الذي رأى مدينته في حلتها النظيفة وطلعتها الأليفة، وبقيَ بعدَ اندحار صورتِها الأولى شغوفًا برؤية نهضتها المتاحة الآن أكثر من أي وقت مضى. أستميحكم عذرًا إذا بدا ما سأقوله خروجًا عن المناسبة، ولكن إصرار ناصر على استكتابكم، وتصميم درفات القاعة على أن تبقى مشرعة لكم، وتنضيدَ المقاعد على وَفقِ راحتِكم عند مجالستكم للاستثمار في وجودكم وعقولكم… كل هذا مدعاة لأن أقول إن عهدًا جديدًا وعد بالإنماء الشامل، وحكومة جديدة معقودة العزيمة على الإنجاز، ومناخًا سياسيًّا يتطهر من التشنج والعرقلة والسموم، أمور تشكل ظروفًا تدفعكم إلى الابتكار والملاحقة لإحياء مرافقنا التي لا تحتاج إلا إلى القرارات الإدارية اللازمة. حسبي إذن، من هذه الكلمة أن أكتفي بالطلب إلى الأخ الصديق معالي الأستاذ محمد صفدي أن يجعل من أبهاء المركز، خلايا دراسات ومؤتمرات وتداول، لبناءِ أهداف ممكنة، تبدأ بفرض الأمن والنظام، وتستكمل باسترجاع ساحة التل من فوضاها المزمنة لكي تكون وسطًا تجاريًّا يعبر عن هوية المدينة، وبتعيين مجلسي إدارة للمعرض وللمنطقة الاقتصادية الحرة، وأن تقوم أوسع حملة لحث الدولة على تفعيل أنبوب النفط العراقي الذي كان يشكل في الماضي شريان ازدهار، قبل أن تمعن الخلافات العقائدية بين البعثين، سدًا وقطعًا وتفجيرًا” .

أضاف: ” في خان جروس أستذكر بدر شاكر السياب الذي قال: إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون، أيخون إنسان بلاده؟

إن خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون؟ خانتنا الدولة طويلًا فهل نخون أنفسنا، حان أن أنقذ نفسي من مللكم وأتوقف عن الكلام. يجاورُ أَيْكَ المفرداتِ، يقلّبُهَا في معنى معناها ليفتتحَ بها أبجديةً متجدّدةً. يعرفُ أنَّ الترجمةَ انبساطٌ في مدَى الفهم، لكّنه يُدركُ أنَّ الخيالَ لا يُحْبَسُ في القوارير كما لا تَسَعُ السماءُ الغيومَ. حين اعتلى بساطَ الرّيحِ ليجمعَ متفرّقاتِ خمسينَ مؤلّفًا كان يعرفُ أنَّ طرابلسَ عصيّةٌ على الوجعِ، وأنَّ آمالَها أوسعُ من المُرتجى، وأنَّ تاريخَها أبهى من جغرافيتِها، فرسمَ خارطتَها بأقوالِ محبّيها،فأعادَ بعضَ رياحينِها وياسمينِها وليمونِها، وزُرقَةَ بحرِهَا ولألىءَ أحيائِها بفرحٍ وحبورْ”.

جبور

بدوره قال الدكتور جان جبور انه بغاية السرور أنه تسنّى له الإشراف على هذا الكتاب، وان هذه التجربة أعادته عامين الى الوراء، وقت صدور كتاب “طرابلس في عيون أبنائها والجوار” عام 2023 الذي شكّل علامة فارقة، ولاقى ترحيباً لافتاً لأنه سلّط الضوء على صورة المدينة الحقيقية الغنية بتاريخها وتراثها وبحاضرها الواعد والمفطورة على الانفتاح وليس على النبذ والإقصاء.

اضاف: “قد يقول البعض إنه قد كُتب الكثير عن معالم المدينة الدينية والسياحية من مساجد وكنائس وخانات، وعن الكثير من الوجوه التي صنعت مجدها الثقافي. هذا صحيح، لكن من يتذكّر بعض التجارب المسرحية أو الموسيقية أو الفنية التي طبعت حياة المدينة في الخمسين سنة الماضية، أو نشأة وتطور حركة التصوير الفوتوغرافي، أو الأفلام السينمائية التي أثّرت في حياة المدينة.. أو من يتذكر بعض المنتديات الأدبية، أو بعض أبناء المدينة الذين آثروا الكتابة بلغة أجنبية وكانوا أشبه بسفراء ينقلون الثقافة العربية إلى الغرب بلغته. وماذا نقول عن المطبخ الطرابلسي، والمقهى الطرابلسي.. وتجارب الصيادين، وغير ذلك. من هنا لا يبدو هذا الكتاب تكراراً لا للكتاب السابق “طرابلس في عيون أبنائها والجوار” ولا لأية كتب أخرى، بل يحتفظ بفرادته بما يحمل من إضافات وبما يسدّ من ثغرات، وهو يُسهم جدياً في تكوين صورة حقيقية عن المدينة بكل إشراقاتها” .

زريق

واعرب الدكتور سابا قيصر زريق عن سعادته للمشاركة في الكلام، مشددا على ان “طرابلس هي أمُّنا جميعاً؛ شغلَتِ القلبَ والعقلَ والذِّهنَ. فمهما قَرَضْنا فيها شِعراً أو كتبْنا فيها نَثراً، فنحن مُقصِّرونَ لا مَحال. تحوَّلَ إعجابي بها منذ نعومةِ أظفاري، ومع هَرولةِ الأيام، إلى حُبٍّ حقيقي، استحالَ عِشقاَ حلالاً، وهذا ما يلخِّصُ ما أَكُنُّه لفيحائي”.

وتناول الكتاب الذي يصدُرُ عن جروس برس – ناشرون، بأقلامَ عَشَراتٍ نثروا على قِرطاسِهِ، بكلماتٍ دافئةٍ رقيقة، رحيقَ الوفاءِ والولاءِ وعِطرَ الإنتماء. معتبرا انه على القارئِ أن يغوصَ في أبوابِ الكتابِ الثلاثة، منقّباً عن كنوزٍ من العلومِ والآداب، يُشرِفُ منها على مخزونِ طرابُلُسَ الثقافي وعلى جامعاتِها ومدارسِها ومنتدياتِها وجمعياتِها ومنابرِها الثقافية وتجارِبِها المسرحية والسينمائية والإعلامية ومطبَخِها، بأقلامِ مُربّين ومؤرِّخين ومتضلِّعين في الفلسفةِ وفنّانين وسينمائيين وموسيقاريين وصَحافيين.

عطوي

ولفتت الدكتورة لبنى عطوي الى البانوراما السوسيو – أنتروبولوجية التي تناثرت على صفحات الكتاب، الذي جهد بتوشيح تالوين أقالمه وأبحاثه على تعدد مجالاتها وميادينها.

وثمنت “غاليا العقد اللؤلؤي الذي تنتظم فيه كوكب من خمسين مفكر، وغوا ص في مرصعات الفكر الطرابلسي. والجهود المتضافرة التي شدت عزائمها لتنثر بذور المعرفة في بيادر أهل الوفاء”.

ولفتت الى ان الكتاب “ليس فرعا معرفيا واحدا، وان ألابواب الثلاثة التي اشتمل عليها الكتاب تؤكد للقاريء أن هذا الاصدار الجديد تصنيف يبث القطيعة بين الانتروبولجويا الثقافية والتاريخ والتنمية. وبين طياته روح الانتروبولوجيا، وبين سطوره رؤى جدية، بتنا نبحث عنها في متاهة تراكمات الانتاج التي تكثر من الحبر وتقلل من الكتابة”.

صوفيا حدّاد

وفي النهاية قدمت الشابة الطرابلسية الموهوبة صوفيا حداد موسيقى وغناء، وقهوة على البخار مقدمة على الطراز الشرقي، مصحوبة بالشوكولاتة والحلويات الطرابلسية.‬

تابعنا عبر