هيام القصيفي – الأخبار
شكّلت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان لبيروت، الخطوة الأولى في مسار جديد، بدأت عواصم معنية بالوضع اللبناني تتعامل معه بجدية، وهو الضغط المبكر لإجراء الانتخابات النيابية عام 2022، من دون إفساح المجال للكلام عن احتمالات التأجيل تحت أي عذر، ولا سيّما بعدما سادت في لبنان منذ أشهر قليلة انطباعات عن احتمالات تأجيل الاستحقاق النيابي.
فوسط المراوحة في عملية تأليف الحكومة، ويأس عدد من العواصم الأوروبية وغير الأوروبية، واقتناعها بأن القوى السياسية اللبنانية باتت أمام حائط مسدود، وفشلت في إيجاد أيّ قواسم مشتركة لتسريع التأليف، بوشر الانتقال الى المرحلة الثانية وهي فرض إجراء انتخابات نيابية، بالقانون الموجود. وتتحدث المعلومات عن أن لا كلام حالياً فوق هذا الكلام، بعدما اقتنعت الدبلوماسيات الغربية بأن حرد المسؤولين اللبنانيين من بعضهم البعض بلغ مستوى غير مسبوق، وأن كل الإنذارات والتلويح بعقوبات لم يظهر أنه عامل مؤثر، كما حدّة الانهيار المالي والاجتماعي، في دفعهم الى الجلوس إلى طاولة واحدة من أجل عملية إنقاذ سريعة للوضع.
ومن المتوقع أن يشهد هذا المسار مزيداً من الضغط الدولي للتمهيد للانتخابات من دون أيّ حجج، بما في ذلك التذرع بموضوع قانون الانتخاب، لا بل إن الرسائل الدولية تتحدث عن حتمية الانتخابات بالقانون الحالي، مهما كانت سيئاته أو حسناته. وهذا الضغط يشبه تماماً ما جرى عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وسط الكلام عن الانتخابات النيابية واحتمالات تأجيلها بعد كل التطورات التي حصلت آنذاك. فكان تأكيد المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات بالقانون المعتمد حتى لو كان اسمه «قانون غازي كنعان» من دون أي تأخير. ورغم اعتراض بعض القوى حينها على القانون، فإن الجميع شاركوا فيها، تحت مظلّته، بما في ذلك تلك التي كانت تشكل رأس حربة المعارضة للنظام السوري ولحلفائه في لبنان.
فرنسا لم تكن موفّقة في توزيع شهادات حسن السلوك التغييري على الذين نسجوا علاقات جيدة معها
وهذه القناعة الدولية تبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى، فعنوان الانتخاب يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهو يخرج الأزمة الحالية من دوّامة المراوحة، ويفسح المجال للدخول في مرحلة الإعداد لقوى جديدة تدخل المشهد السياسي ويمكن أن تشكل تغييراً، ولو شكلياً، على السلطة السياسية القائمة، علماً بأن الكلام الحالي الذي بدأ مع زيارة لو دريان حول هذه القوى التغييرية، قد لا يكون موفّقاً في اختيار الشخصيات التغييرية، ولا في توزيع الفرنسيين وغيرهم شهادات حسن سلوك على من يحمل إشارات التغيير، وإغفال البعض الآخر، نظراً الى هوية بعض الذين بدأ الكلام عنهم من الآن كقوى جديدة وصاعدة. فلا رئيس حزب الكتائب سامي الجميل من القوى التغييرية وهو الآتي من حزب وعائلة بالوراثة ومن صلب النظام الذي شاركت فيه في الحرب والسلم منذ أكثر من أربعين عاماً، ولا رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، الذي أيضاً كانت عائلته مشاركة في هذا النظام، ولا غيرهما ممن بدأ الكلام عنه من وزراء ونواب سابقين، لمجرد نسجهم علاقات مع فرنسا ومع غيرها من العواصم المعنية، هم قوى تغييرية، وقد شهدنا على بعض أدائهم، سواء من وصل الى المجلس النيابي أو لم يصل. وهذا الأمر يحتاج الى كثير من الدراية في مرحلة الإعداد للانتخابات النيابية، وهوية السلطة الجديدة التي تنتجها.
إذاً، وفي ظل استعادة العواصم المعنية جانباً آخر من المحاولات الجدية لفرض الانتخابات النيابية، بدأ الكلام الموازي بجدية أيضاً عن الانتقال من البحث عن «حكومة مهمة» الى البحث في تأليف حكومة الإشراف على الانتخابات، وخصوصاً إذا استمر الجمود الحكومي كما هو ظاهر حتى الآن أشهراً إضافية. وهذا أيضاً يشبه واقع عام 2005 حين كلفت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إدارة الانتخابات. من هنا عودة الكلام عن حكومة غير تلك التي حددت مواصفاتها المبادرة الفرنسية، مع درس أبعادها وإمكانات نجاحها، وخصوصاً إذا كانت محددة الهدف.
لكن هذا الضغط يواجه أولاً وأخيراً بإشكالية تتعلق بظروف لبنان قبل نحو سنة على موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي. فالكلام اليوم عن الانتخابات يأتي في ظروف سياسية وأمنية واقتصادية ومالية مختلفة تماماً عن كل ما شهده لبنان سابقاً. والأحداث الأخيرة والمناكفات السياسية أثبتت أن «أيّ لُحمة» لم تعد قابلة للتطبيق، بدليل أن تسوية كبرى ومهمة بظروفها وانعكاساتها في حينه، كالتي حصلت بانتخاب الرئيس ميشال عون انتهت الى ما انتهت إليه حالياً من خلافات حادّة وانفراط عقد مكوّناتها، وصولاً إلى أكبر أزمة سياسية منذ أعوام. يُضاف إلى ما تقدّم تلاشي المؤسسات وتدهور الأوضاع المالية والاجتماعية، الأمر الذي يترك مخاوف على مستقبل النظام كله وعلى مستقبل لبنان، من الآن وإلى أن يحين موعد الانتخابات.
إذا لم يفرمل الانهيار بالحد الأدنى، فإنّ لبنان قد يكون على موعد مع تسويات كبرى تتعلق بنظامه وإعادة إنتاجه من جديد، لأن تدوير الزوايا وتقطيع المرحلة بما يتيسّر من ترتيبات ظرفية، لن يكون علاجاً ناجعاً حينها. وهذا يطيح أيّ انتخابات يتم التحضير لها، لأن المشكلة حينها ستكون أعمق بكثير من الرهان على تغيير شكل المجلس النيابي.