كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:
يقول المثل الشعبي “خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود”، ولكن يبدو أننا في لبنان لم نصل بعد إلى اليوم الأسود الموعود هذا، أقلّه بحسب بعض العارفين أو المتابعين للشأن العام الذين يعدوننا بما هو أكثر سوداوية مما نحن فيه، وبالتالي من المبكر الحديث عن الإستعانة بإحتياطي الذهب الذي قد نصل إليه وِفق تخوّف النائب طوني فرنجية بعد نحو سنة. وعطفاً على ما تقدّم، أقرّ نواب الأمة أمس في جلسة اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون البطاقة التمويلية التي تعدّدت أوصافها بين البطاقة الإنتخابية وبطاقة “الذلّ” لتمويل غالبية الشعب اللبناني التي باتت تحت خط الفقر.
وبمعزل عن المزايدات بين مختلف الأطراف من هذا المشروع الذي سيُعاد إخضاعه للنقاش مجدّداً أمام الهيئة العامة لمجلس النواب الأسبوع المقبل، فإن ما تم إقراره هو الإجازة للحكومة فتح إعتماد إضافي إستثنائي بقيمة 556 مليون دولار بعدما كان المبلغ 360 مليون دولار، لتغطية تمويل البطاقة لمدة سنة، والتي يُقدّر أن يستفيد منها نحو 500 ألف عائلة تقريباً.
وقد سجلت المناقشات أن تمويل هذه البطاقة سيتم من الإحتياطي لدى مصرف لبنان البالغ 15 مليار دولار، على أن تُحدّد شروط ومعايير الإستفادة لجنة وزارية تضمّ وزراء المال والإقتصاد والشؤون الإجتماعية، وستنشأ منصة خاصة لهذه البطاقة يتمّ التسجيل عبرها من قبل المواطنين.
وفي حين تركت بعض التفاصيل التنفيذية للحكومة، إلا أن قيمة البطاقة تركت مفتوحة حتى مبلغ الـ137 دولاراً شهرياً للعائلة كحدّ أقصى بعدما جرى الحديث عن تخفيض هذه القيمة إلى 93 دولاراً وربّما سيتمّ تعديل هذا المبلغ في الهيئة العامة لمجلس النواب.
كذلك لوحظ أنّ تناغماً جرى بين الخصوم السياسيين ولا سيما بين التيارين “الأزرق” و”البرتقالي” أي “المستقبل” و”الوطني الحرّ” لجهة ضرورة ربط البطاقة بعملية ترشيد الدعم وتحديد آلية واضحة توقف الدعم العشوائي الذي أدّى ويؤدّي إلى المزيد من الهدر في المال العام عبر التهريب والإحتكارات والمافيات.
وشهدت القاعة العامة لمجلس النواب نقاشاً حاداً في بعض الأحيان حول مصادر التمويل التي قيل إنها ستُعاد إلى مصرف لبنان في حال تأمنت من المؤسسات الدولية والجهات المانحة كالبنك الدولي، كمبلغ الـ300 مليون دولار المرصود لمشاريع النقل الحضري ولم يُنفّذ بعد، وهو الأمرالذي يحتاج إلى مفاوضات مع البنك الدولي وإلى مزيد من الوقت لبتّه.
كما جرى نقاش حادّ على خلفية مطالبة مصرف لبنان عبر نائب الحاكم الذي كان يشارك في الجلسة الكسندر موراديان بتغطية قانونية وإجازة من أجل تأمين الأموال ولو عبر وزير المالية، بالرغم من أن إقرارالقانون من مجلس النواب هو بحد ذاته إجازة، إلا أن هناك من يرى أن الإجازة لمصرف لبنان يجب أن تكون من الحكومة التي يُجيز لها مجلس النواب فتح الإعتماد.
وهناك من يرى من النواب أن الإحتياطي الإلزامي ليس مقدّساً من أجل مساعدة الناس والفقراء والمحتاجين وكذلك إحتياطي الذهب الذي يُقدّر ما بين 14 إلى 18 مليار دولار، يُضاف إليه ما هو موجود لدى مصرف لبنان، أي مبلغ الـ15 مليار دولار، يعني ما مجموعه نحو 33 مليار دولار، وهو أكثر من كاف لحل أزمة لبنان، إنما المطلوب تغيير الإدارة والعقلية والأسلوب لأن البلد منهوب ومسروق وليس مفلساً.
وبينما رأى بعض النواب أنّ هذه البطاقة تحتاج إلى ما لا يقل عن سبعة أشهر للتطبيق في حال أقرّها مجلس النواب اليوم، وأن ما يجري لا يعدو كونه ترقيعاً بترقيع، والنقاش حول مصادرالتمويل والسجل الإجتماعي وبيانات تحديد العائلات الأكثر حاجة كان يفترض أن يحصل منذ نحو سبعة أشهر على الأقلّ، إلا أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لفت بعد خروجه من الجلسة إلى أنّ المهم هو إقرار البطاقة وحماية ما تبقى من حقوق المودعين وما نسبته 15% مع التأكيد على استعادة الـ85% التي سبق وذهبت، لافتاً إلى ضرورة ربط تنفيذ البطاقة بخطة حكومية وبرنامج لترشيد الدعم. وجدّد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص التأكيد على موقف “القوات اللبنانية” الذي يربط الموافقة على البطاقة التمويلية بعدم المسّ بالإحتياطي الإلزامي وبترشيد الدعم.
وقال لـ”نداء الوطن”: “نحن بعكس توجهات كتل أخرى التي تريد إبقاء الدعم بالرغم من أنه عملياً لم يعد موجوداً ولكن لا يريدون إعلان ذلك صراحة، في وقت نحن نطالب برفع تدريجي للدعم بذكاء، وبطريقة لا تؤدّي إلى إنفجار إجتماعي حتى مع البطاقة التمويلية، كما ان مال الإحتياطي الإلزامي هو مال الناس ولا يجوز ان يصرف بالرغم من إرادتهم لتمويل بطاقة تمويلية يمكن ان نمولها، إما من قروض البنك الدولي، وإما أيضا بالتوازي تمكين من يحوز على حسابات بالدولار الأميركي أن يسحب مبلغ 100 دولار شهرياً اي ما يعادل البطاقة التمويلية في حال كان يستحقّ حسب مواصفات هذه البطاقة”. أما عضو كتلة “المستقبل” النائب محمد الحجار فأوضح لـ”نداء الوطن” أنه قدّم عدداً من المقترحات خلال النقاش ولم يؤخذ بها، ومنها ضرورة أن يتضمن النص معايير إنتقاء المستفيدين تبعاً لمعايير البنك الدولي والمنظمات الدولية ذات الصلة، وكذلك وجود سجل إجتماعي كما ورد في إتفاقية الـ 246 مليون دولار المخصّصة لشبكة الأمان الإجتماعي وتوحيد الداتا وإعتماد رقم لكل مواطن ليتمّ التحقّق من المعلومات لتكون متوفرة في أي برنامج مساعدات لاحقاً.
وأكّد أنّ “أهمية البطاقة التمويلية أنها تستهدف الأسر الأكثر فقراً، وهي حل موقّت لكنهّا يجب أن تستمر حتى حصول التعافي الإقتصادي وزوال سبب وجودها، وبالتالي يجب أن تقرّ ويتزامن معها برنامج ترشيد الدعم وتخفيضه نحو 70% من قيمته الحالية، أي أن يصبح المبلغ بحدود مليارين ونصف المليار دولار سنوياً بدلاً من 6 مليارات وِفق التقديرات”.
وقال نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي بعد الجلسة: “أقرت البطاقة التمويلية اليوم ليستفيد منها زهاء 500 ألف، لا بل أكثر، وأعطيت الحكومة صلاحية حدّ أقصى 137 دولاراً، على أن تقدّم الحكومة في الأسبوع المقبل مشروع قانون معجلاً لمجلس النواب، يتعلق بأسلوب ومصادر الدعم وكيفية الدعم المالي، وأيضاً بقضايا إجرائية أخرى هي من صلاحية الحكومة، وتتعلق بالسلع التي سيشملها رفع الدعم، والتي أصبحت مشمولة اليوم”.