عماد مرمل – الجمهورية
ليس سهلاً على «حزب الله» ان يرفض «نداء» باسيل، وليس سهلاً عليه ان يتجاوب معه، إذ ان لكل من الخيارين كلفته وتبعاته بالنسبة اليه.
من هنا، تجنّب الحزب حتى الآن اي رد علني او مباشر على كلام باسيل الذي قرر ان يأتمن السيد نصرالله على الحقوق المسيحية في الحكومة الجديدة، مُبدياً استعداده للقبول بما يقبل به «السيد».
وعلى جَري عادته في المحطات المفصلية، يتجنّب الحزب ان يتسرّع في اتخاذ موقفه. وبالتالي، فإنّ كلام رئيس التيار يخضع للنقاش الهادئ في الدائرة القيادية للحزب، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه في الوقت المناسب.
ووسط غبار التصعيد، يبدو انّ افكاراً جديدة لحلحلة العقد الحكومية دخلت ابتداء من مساء أمس الأول حيّز التداول ولَو بخفر، بحسب معلومات العارفين. كذلك، وخلافاً للانطباعات السلبية التي تكوّنت لدى البعض بعد خطاب باسيل، فإنّ المطّلعين يوضحون انّ هناك محاولة تجري برعاية الحزب لتبريد الصفيح الساخن واعادة تحريك الوساطات في أكثر من اتجاه.
وعلى رغم المواقف الحادة التي صدرت عن باسيل في كلمته أمس الأول حيال رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد رَد عين التينة على رئيس الجمهورية، الّا انّ الحزب لا يزال يسعى الى تهدئة الخواطر وتحقيق وقف إطلاق نار سياسي على محور حركة «أمل» – «التيار الوطني الحر»، انطلاقاً من أنّ التهدئة هي مدخل إلزامي لأي بحث منتج في الملف الحكومي.
ويربط المطلعون سبب طلب بري من قيادات «أمل» عدم الرد على خطاب باسيل الأخير بالمسعى التوفيقي المتجدد الذي يخوضه الحزب بعيداً من الاضواء، بغية إعطاء هذا المسعى كل فرص النجاح.
ولكن ما هي دوافع باسيل وراء استعانته بـ»صديق» مار مخايل، وهل نيته المضمرة، كما يتهمه البعض، هي رفع مسؤولية المأزق الحكومي عن كاهله وإشاحة الانظار عنه لتتجه نحو «حزب الله»؟
يؤكد القريبون من باسيل انّ كل التفسيرات الخبيثة التي أعطيت لخطابه لا صحة لها، لافتين الى انّ طريقة مخاطبته لنصرالله إنما تعكس عمق الروابط بينهما و»المَعزّة» المتبادلة على رغم التمايزات الموضعية احياناً، مضيفين: «لا أحد بعد يعرف طبيعة العلاقة بين الرجلين، وهي من طينة العلاقة نفسها التي تربط الجنرال ميشال عون بالسيد نصرالله، وقوامها في الحالتين الصدق المتبادل».
ومع انّ شخصيات في التيار وجّهت اخيراً انتقادات قاسية الى سلوك الحزب، الّا انّ المحيطين بباسيل يضعون الأمر في سياق الحالة الانفعالية او العاطفية الظرفية التي كان أصحابها ينتظرون من الحزب الحليف اكثر ممّا يفعله، ولكن من دون أن يعني ذلك انهم انقلبوا عليه.
وانطلاقاً من هذه المقاربة، فإنّ النداء الذي وجّهه باسيل إلى السيد نصرالله يشكّل، في رأي الدائرة اللصيقة بالبياضة، دليلاً على أن جوهر تفاهم مار مخايل لا يزال صامداً خلافاً لأمنيات المنزعجين منه، وان ثقة رئيس التيار في الامين العام للحزب لا تزال قوية الى درجة الاحتكام اليه في مسألة مصيرية تتصل بالحقوق المسيحية.
ويكشف احد اعضاء تكتل «لبنان القوي» انّ «الحزب» و«التيار» في صدد تحضير مفاجآت سياسية خلال المرحلة المقبلة، ستثبت للصديق والخصم على حدّ سواء انّ تحالفهما السياسي طويل الأمد ولم تنته مدة صلاحيته بعد.
ولأنّ باسيل يعتبر، وفقاً للمتواصلين معه، انّ مبادرة بري غير واضحة وأن صاحبها أصبح طرفاً، فهو ارتأى ان يحتكم الى الامين العام لـ»حزب الله» كونه «الوسيط العادل» الذي يَطمئن إليه ويشعر أنه في مأمن معه ربطاً بحرصه على الثوابت الوطنية ووحدة المعايير، كما يؤكد القريبون من رئيس التيار.
وبهذا المعنى، تدعو أوساط برتقالية الحزب الى قياس الأمور على نفسه «ونحن سنقبل بما يجده مناسباً»، مُنطلقة من انّ «نصرالله الذي لا يقبل باستهداف سلاح المقاومة لأنه يحمي الوجود والكرامة لن يقبل باستهداف حقوق المسيحيين التي من دونها يصبح وجودهم الحر مهدداً وتغدو كرامتهم منتهكة».
امّا اتهام باسيل بالسعي الى إحداث فتنة شيعية بين الحزب و«أمل»، فإنّ الاوساط تلفت الى انه «من الغباء» الرهان على حصول نزاع بينهما، «إذ اننا نعرف جيداً انّ هذا الامر هو خط أحمر بالنسبة اليهما، إضافة الى اننا أصلاً لسنا دعاة فتنة ونحرص على أن يبقى الصف الشيعي متماسكاً كما الصفوف اللبنانية الأخرى، وكل ما نطلبه هو أن يرانا الرئيس نبيه بري بِالعَين نفسها التي ينظر من خلالها الى سعد الحريري ووليد جنبلاط او حتى ايلي الفرزلي».