عماد الشدياق – أساس ميديا
لا أرقام دقيقة تُظهر حجم الخسائر التي ألمّت بلبنان جرّاء الحرب الدائرة على الحدود بين “الحزب” وإسرائيل حتى اللحظة. لكنّ الأرقام الصادرة من جهات عدّة، وبينها “الدولية للمعلومات”، تُجمع على أنّ الخسائر قد تراوح بين 1 مليار و1.5 مليار دولار حتى الآن، وهي بلا شكّ آيلة إلى التصاعد ما دامت المواجهات مستمرّة.
حجم الخسائر هذا (بين 1 و1.5 مليار دولار) يشمل الخسائر كلّها. بما فيها تلك الاقتصادية في عموم لبنان، وطبعاً الخسائر في البنى التحتية، وكذلك تلك الخاصّة بأملاك المواطنين الجنوبيين من عقارات مهدّمة كلّياً أو جزئياً وأراضٍ زراعية محروقة ومدمّرة وغير ذلك.
في هذا الصدد، أعدّ المجلس الوطني للبحوث العلمية دراسة استشهد بمضمونها رئيس مجلس النواب نبيه برّي وعرضها على وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه خلال زيارته لبنان يوم الأحد الفائت. تعتمد الدراسة على صور الأقمار الاصطناعية، وتوثّق 4,441 اعتداء بواسطة القنابل العاديّة والحارقة والفوسفورية المحرّمة دولياً. تسبّبت باحتراق 1,060 هكتاراً من الأراضي، بينها 52 هكتاراً من أشجار الزيتون ومئات الهكتارات من أشجار السنديان المعمّرة والأشجار المثمرة، علاوة على توثيق عدد الاعتداءات في كلّ قرية وقضاء.
إحصاء آخر أعدّته “الدولية للمعلومات” يكشف أنّ الخسائر الإجمالية في جنوب لبنان تقدّر بنحو 350 مليون دولار حتى الآن. بينما الخسائر عموماً في كلّ لبنان تُقدّر بنحو 1.6 مليار دولار.
وصل عدد المنازل المدمّرة بشكل كامل، حتى الآن، إلى 1,700 منزل، وتلك المدمّرة بشكل جزئي إلى قرابة 1,500 منزل، بينما تضرّر نحو 4,100 منزل، وسُجّل نزوح 90 ألف مواطن.
قد تقرّر السلطة السياسية اللجوء إلى مصرف لبنان من أجل صرف التعويضات من احتياطاته أي تلجأ إلى أموال المودعين
التّعويض تتقاذفه نظريّتان
كلّ تلك الخسائر يُفترض أن تُعوّض من الدولة من أجل إعادة الإعمار… لكن كيف؟ ومن أين؟
مسألة التعويض تتقاذفها وجهتا نظر داخل البلاد:
– الأولى ترفض التعويض على المتضرّرين الجنوبيين، وتقول إنّ الدولة لم تكن شريكاً في اتّخاذ قرار الحرب. وبالتالي فإنّ الجهة التي قرّرت فتح جبهة “الإسناد” (الحزب) هي المطالبة بالتعويض عن المتضرّرين من أجل إعادة الإعمار.
– الثانية تقول إنّ الدولة لا بدّ أن تُعوّض على المتضرّرين. وإلاّ فهي بذلك تنبذ الجنوبيين وتدفع بهم إلى حضن “الحزب” في حال قرّرت عدم التعويض… وهو أبعد ما يصبو إليه السياديون الداعون إلى تحرير أهل الجنوب من قبضة الحزب.
الدّولة تعود إلى أموال المودعين؟
لكن بمعزل عن النظريّتين، لا بدّ من السؤال: هل تملك الدولة الأموال من أجل دفع التعويضات لإعادة إعمار الجنوب في حال قررّت التعويض بالفعل؟ وهل يكون صرف التعويضات أمراً يسيراً وسهلاً ستوافق عليه كلّ الكتل النيابية ووزراء الحكومة المستقيلة؟
قد يكون الجواب السريع على هذا السؤال هو: “قطعاً لا”. فالدولة لا تملك الأموال، خصوصاً إن كان التعويض على هؤلاء بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية. ناهيك عن الخلافات السياسية التي تصيب كلّ ملف شائك كهذا بمقتل عند كلّ محطة.
إعادة الإعمار
في هذه الحالة قد تقرّر السلطة السياسية اللجوء إلى مصرف لبنان من أجل صرف التعويضات من احتياطاته. أي تلجأ إلى أموال المودعين… وهنا ستكون الطامة الكبرى.
في لقاء مع الصحافيين الاقتصاديين قبل أيام. اعتبر حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أنّ اهتزاز سعر صرف الدولار في ظلّ الحرب القائمة في الجنوب واحتمال توسّع رقعتها. أمر مستبعد، خصوصاً مع إصرار مصرف لبنان على “عدم تمويل الدولة وعدم المسّ بالتوظيفات الإلزامية”.
الجهة التي قرّرت فتح جبهة “الإسناد” (الحزب) هي المطالبة بالتعويض عن المتضرّرين من أجل إعادة الإعمار
لكنّ الحاكم أردف قائلاً إنّه إذا احتاجت الدولة الى المال في حالات الظروف القاهرة وتفاقم رقعة الحرب، “فسوف يترتّب على مصرف لبنان تزويدها بالمال شرط أن يُقرّ ذلك بقانون صادر عن مجلس النواب… الحرب تندرج ضمن الإجراءات الاستثنائية”.
منصوري يرفع السّقف
على الرغم من إصرار منصوري على عدم تمويل الدولة منذ وصوله إلى الحاكمية قبل أشهر. إلّا أنّ هذا الكلام “الاحترازي” الذي أطلق له العنان قبل أيام، يوحي بأنّ الحاكم ربّما يعجز عن الاستمرار في مواجهة السلطة، وفي إصراره على عدم تمويل الدولة. خصوصاً إذا كان الأمر يتعلّق بالتعويض عن أضرار الحرب وإعادة إعمار ما تهدّم. لكنّ منصوري من خلال اشتراطه حصول ذلك بموجب قانون في مجلس النواب. يكون قد رفع السقف بوجه تلك السلطة إلى أقصى قدر ممكن، محاولاً من خلال ذلك حماية ما بقي من أموال المودعين، خصوصاً أنّ تمرير قانون كهذا في البرلمان سوق يخضع لأخذ وردّ بين الكتل النيابية. ويدخل في بازارات ومقايضات على شاكلة ما شهدنا عشيّة تمرير بند تأجيل الانتخابات البلدية قبل أيام.
هذه المسألة الشائكة تنذر بفتح سجال إضافي بين قوى السلطة والمعارضة، فوق السجالات الموجودة أصلاً حول الحرب نفسها وضرورة تطبيق القرار 1701. فكيف بتعويضات عن خسائر ناتجة عن تلك الحرب؟