شعار ناشطون

ألبير مخيبر: سيرة وطن في سيرة شخص

06/06/22 05:27 pm

<span dir="ltr">06/06/22 05:27 pm</span>

كتب راشد فايد في النهار:

 

أهي مصادفة أن يُخرج الزميل ملحم الرياشي، إلى النور، كتابه عن سيرة رمز من رموز النزاهة السياسية في زمن دستور 1943 هو الوزير والنائب السابق والطبيب والإنسان ألبير مخيبر، الذي كان ينافس في عناده في القضايا الوطنية، “العميد العنيد”، كما كان يلقب، ريمون إده الوحيد الذي حافظت “النهار” على تسميته كذلك، برغم قرار هيئة التحرير فيها بعدم “لصق الألقاب بأي إسم من أسماء الشخصيات العامة “لأنسنتهم” وكسر الحدود بينهم وبين المواطنين.

 

 

 

يعود السؤال: هل هي مصادفة أن ينشر الرياشي هذه السيرة الذاتية لألبير مخيبر على مبعدة أسابيع من الإنتخابات التي حملته إلى مجلس النواب ممثلاً لناخبي مخيبر في منطقة المتن، أم هي رسالة إلى الرأي العام يعلن فيها قدوته في الحياة العامة، ومرجعيته في ما سيقدم عليه من موقعه التشريعي ممثلاً لناخبي الحكيمين مخيبر وجعجع وسواهما في رقمٍ استثنائي كاسح لمرشح كاثوليكي ؟

 

أياً يكن الجواب، فإن الرياشي عايش مخيبر لفترة، كان أثناءها لصيقا به، كما عايش لاحقا شخصيات سياسية أخرى لم يرق إعجابه بها إلى ما كان عليه مع صاحب السيرة، وكانت تجربته معه زادا في مسيرته كاتبا وصحافيا، وباحثاً في شؤون الشرق الأوسط والدين المقارن وله دراسات في هذا المجال، واستشارياً في الشؤون السياسية وفي استراتيجيات التواصل وصناعة الرأي العام والتفاوض الإستراتيجي. إلى جانب خبرته استاذاً محاضراً في مادة جيوستراتيجيا التواصل وتصنيع عقول الجماهير في جامعة الروح القدس في الكسليك، وهومؤسس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية، وشغل منصب وزير الإعلام في حكومة 2016 – 2018.

 

 

 

والرياشي ناشط في العمل الاجتماعي (رئيس اقليم المتن الرابع في كاريتاس لبنان لسبع سنوات متتالية) له ابحاث في المسألة المشرقية، ومؤلفات عدة ابرزها قادة ونكبة (1994)، يهوذا الاسخريوطي الخائن البار (بلغاتٍ ثلاث) (1995)، مزمور السجين (1997)، عبور (1998)، انتخابات 2000 العلامة الفارقة (2000)، البئر(2003)، حارس القبر (2007) وكتاب العتب (2016)، وقد صدر معظمها عن دار النهار وآخرها عن دار سائر المشرق و”لارماتان” في باريس.

 

يذكرنا الرياشي في سيرة ألبير مخيبر ليس بصاحب السيرة نفسه بل بالقيم والأخلاق التي تحلى بها، وتطابق معها، وطبقها عند مفارق حياته، إنساناً وطبيباً ونائباً ووزيراً، فكان للرياشي من ذلك، كما أورد، “مدرسة أدب سياسي وشجاعة وحكمة على يمين الجامعة والمدرسة”.

 

يصف الرياشي، وعن حق، الكتاب بأنه “سيرة توثيقية لحكيم المتن بالحد الأقصى الممكن من الموضوعية” ويكاد القارئ أن يضيف، أن الكتاب رسم، بدقة ملامح مرحلة سياسية من أخطر ما مر بلبنان، بينما يذكر “شريكه” في الكتابة عن “الحكيم”، في “التوطئة”، الزميل عماد موسى، بأن صاحب السيرة “رجل استثنائي جمع من الصفات الإنسانية والوطنية ما يندر أن تجده في سياسي إحترف الحقيقة قولاً، وامتهن الجرأة فعلاً، ومارس ايمانه المطلق بلبنان السيد المستقل، وناضل بشجاعة ضد كل محتل ومهيمن ومتسلط”.

يتنقل الكاتب في سيرة البير مخيبر بوضوح العارف بمسالكها، ويستعين بشهادات من كان لهم به قربى أو صحبة وصداقة، إلى جانب ما يعرفه عنه، وهو ربيبه، ليعزز تفاصيل مشهدية رجل فريد، إلى حد كبير، في تعاطي السياسة من موقع وطني لا ينافسه في ذلك سوى صديقه “اللدود” العميد ريمون إده، الذي لم يتزحزح عن مواقفه ولا ساوم على مبادئه، لمصلحة أو موقع أو مكسب، فلم يتغاض عن الهيمنة السورية، بل تصدى لها باستمرار، تحت قبة البرلمان، كما خارجه حين لم يكن نائبا. وهو لم يعط جهداً في السياسة على حساب دوره كطبيب، ولم يغفل في السياسة عن مهمته في الطب، ورسم المشهد في قوله لصديق “أحب أن أكون طبيب النفوس كما أني طبيب الأجساد”.

 

 

ما بين “العميد” و”الحكيم”

خصص الراوي فصلا من السيرة للعلاقة بين الرجلين اللذين تربط بينهما، إلى الرؤية السياسية، “نظافة الكف” والعناد في المواقف، إلى “إدمان” استقبال المواطنين، والعزوبية، وحتى تشابها في بيع كل منهما ما ورثه من أراض ليعيل نفسه في أيامه الأخيرة، الأول في مهجره في باريس، والثاني في موطنه في بيت مري المتنية.

 

وحين تولى مخيبر وزارة الصحة عام ثورة 1959 في حكومة الـ 14 وزيراً، لم تفته محاربة “كارتل” الدواء الذي كان هامش ربحه يصل إلى 70 في المئة بموجب تعرفة وضعتها وزارة الصحة عام 1950. وحين حاول محتكرو الدواء رشوته، في منزله، هددهم بإبلاغ الشرطة، فانصاعوا لمطلبه خفض فاتورة الدواء 40 في المئة.

 

لم يكتف مخيبر بدور وزير الصحة فكان وزير تربية حينا ووزير خارجية حينا آخر ونائب رئيس حكومة، ممارساً فعليا، في حكومة الرئيس صائب سلام، ومن موقعه هذا عالج تداعيات اغتيال الكاتب والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني في 8 تموز 1972.

 

تفضح معايشة مخيبر الحياة السياسية، سواء وهو في داخلها، أو على هامشها، “تواطؤات” السياسيين ، حتى مع خصومهم، محليين، وإقليميين كالنظام في سوريا حينها، منهم الشيخ بيار الجميل، ونسيب لحود.

 

وتفرد السيرة فصلا عن علاقة مخيبر ببشير الجميل، الذي خطط “وعمل لأشهر على غير محور، فمتّن الجسور مع العهد (الياس سركيس)، ومد الخطوط في كل الاتجاهات، حتى مع النظام السوري”، فيما بقي مخيبر يعلن صراحة أنه ضده “وبنص دين المتن”، حتى أنه قاطع جلسة انتخابه، ولازم منزله في “الشرقية”، وبعد أعوام وصفه بأنه ضحية حزبه أكثر مما كان ضحية موقفه”، ولم يؤيد ترشيح أمين الجميل للرئاسة خلفاً لشقيقه، واقترع بورقة بيضاء، وهو القائل “لن نقاطع الإنتخابات، فالشعب لا يستقيل… والمقاطعة من دون عصيان مدني تبقى بلا جدوى”.

 

 

 

معارض حتى الإدمان

أدى تغلغل الدكتور ألبير مخيبر في الحياة العامة، طبيباً ونائباً ووزيراً، إلى جعل سيرته الشخصية سيرة وطن بكاملها، فهو في صلب المجريات السياسية منذ مجلس نواب 1952، إلى مجلس العام 2000 الذي كان آخر صناعة سورية نيابية، والتي كان للرياشي اليد الطولى في معركته الاخيرة حيث دخل مجلس النواب وواجهه بدعوته الشهيرة ” اطالببجلاء الجيش السوري عن لبنان”… . وحتى حين لم يواتيه الحظ، أو التحالفات، وبقي خارج الندوة النيابية، ظل في صلب عملها، بحكم موقفه الواضح، وإدمانه العملين الشعبي والسياسي، لذا لا يغيب حدث، سلبي أم ايجابي شهده الوطن، عن سيرته التي اجتهد الرياشي في إغنائها بما هو خلف وقائع لافتة كتوقيع اتفاق القاهرة، ودخول الجيش السوري، والانتخابات المقولبة، والتوافقات النيابية إلى حد التواطؤ، والقرارات الدولية الخاصة بلبنان، وانسحاب اسرائيل من الجنوب المحتل، وربطه بانسحاب الجيش السوري من لبنان.

 

“ألبير مخيبر”، كتاب غني بالوقائع والحقائق يختصر نحو 50 سنة من الحياة السياسية، برشاقة أدبية، ولمسة توثيقية لافت تسجل للزميل النائب، وهو كان لصيقا بصاحب السيرة، إلى حد أنه كان رأس حربته في معارك سياسية ليس أضعفها المطالبة، مع آخرين، بخروج الجيش السوري.

تابعنا عبر