كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:
سابقاً، كان يُقال «اشتدّي أزمة تنفرجي». أما مع الأزمة الاقتصادية المالية، فكلما اشتدت، ازداد الخناق أكثر على القطاع الصحي الذي لا يكاد يلتقط النفس، حتى تعاوده أزماته، واحدة تلو أخرى. فإضافة إلى أزمة الدواء التي لا تبدو نهايتها قريبة، بدأت أزمة النقص في أكياس الأمصال وغلاء أسعارها؛ إذ رغم شمولها في «سلة الدعم»، إلا أنه لم يحدث أن بتّ المصرف المركزي ملفاتها.
في الأيام القليلة الماضية، بدأت هذه المشكلة تكبر، وبدا ذلك جلياً مع تراجع «طلبيات» الأمصال إلى المستشفيات، إذ لم تعد تصل بالكميات المطلوبة. السبب يرجعه أصحاب مصانع الأمصال إلى غلاء الأكياس التي يستخدمونها في تعبئة الأمصال، والتي باتت أسعارها تفوق سعر المصل نفسه. ولئن كانت هذه المشكلة غير جديدة، إلا أنها باتت أكثر خطراً مع الصعود الأخير للدولار، ما أدى الى «طيران» سعر الأكياس، خصوصاً أنها مستوردة.
وفي وقت تراوح أسعار الأمصال بحسب كمياتها وأحجامها بين 2000 ليرة و4 آلاف و8 آلاف، بات سعر الكيس الواحد على أساس سعر الصرف الحالي يراوح ما بين 3250 و4550 ليرة. وهو ما بات يشكل أزمة مزدوجة. من جهة، بات أصحاب المصانع أمام معضلة غلاء المواد الأساسية التي لا تلقى دعماً، في مقابل الأمصال المسعّرة على أساس الأسعار الرسمية. بالنسبة اليهم صارت المواد الأولية تفوق بأسعارها الدواء نفسه. ومن جهة المستوردين، لم يعد هؤلاء قادرين على اللحاق بأسعار الدولار اليومية، وقد زادت أزمتهم اليوم مع التحليق الجنوني للدولار في مقابل «اللادعم» من مصرف لبنان، حيث تقبع الملفات منذ بداية الأزمة. وفي هذا السياق، يشير أحد أصحاب المصانع إلى أن سعر كيس المصل الذي كان سابقاً يساوي ما نسبته 375 ليرة (25 سنتاً) أو 525 ليرة لبنانية (35 سنتاً) بات اليوم يعادل سعر المصل أو يتفوق عليه. أضف إلى ذلك أنه «لم تعد هناك قدرة لدى المصانع على تسديد فواتيرها، خصوصاً في ظل النقص في الدولارات الفريش، وفي ظل غياب الدعم عن هذه المواد».
اليوم، الأزمة في الأكياس لا في الأمصال. هذا ما تؤكده بيرتا أبي زيد، نائبة نقيبة أصحاب المصانع الوطنية. تدرك أبي زيد أن هذه الأزمة تؤثر في أعمال المصانع، خصوصاً أنها جزء أساسي، فلا يعني شيئاً «توافر المصل من دون الكيس». وتأسف أن يصبح هذا الكيس أو حتى «كرتونة» أغلى من الدواء، وهو ما يؤثر في عمل تلك المصانع التي تعتمد بشكلٍ أساسي على المواد الأولية التي لم تحظ بغالبيتها بالدعم.
يحاول هؤلاء، كما مستوردو أكياس الأمصال، إيجاد الحلول مع الجهات المعنية، إلا أنهم لم يستطيعوا فعل شيء حتى الآن. وبما أن «الأزمة واحدة»، على ما تقول أبي زيد، يجتمع الطرفان اليوم مع المعنيين في وزارة الصحة، لمحاولة إيجاد صيغة ملائمة. الصيغ التي طرحت تتمحور إما حول تعديل تسعيرة الأمصال أو إيجاد صيغة لدعم المواد الأولية كي «لا تخسر المصانع ولا يخسر المستوردون أيضاً»، على ما يقول صاحب أحد المصانع.
بانتظار ما ستؤول إليه هذه المشكلة، يلجأ أصحاب المصانع اليوم إلى «ترشيد» طلبيات الأمصال. وفي هذا السياق، يشير نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، إلى أنه في الأيام الأخيرة «يعمل هؤلاء على تسليمنا جزءاً من الكميات التي نطلبها، أي بدل أن تكون الطلبية لأسبوع كما يفترض، نتسلم لثلاثة أيام فقط». وبحسب هارون، «الحال اليوم أنهم عم يسلمونا قد ما بيقدروا حتى ما يقطعونا». واللافت أيضاً «أنهم يعملون على تسليمنا الأمصال من دون فواتير، لأن ليس هناك اتفاق على سعر محدد»!