
كتبت ألين فرح في “أخبار اليوم”:
كيف تترجم واقعية ما قاله الرئيس نبيه برّي ان الحكومة تستطيع الانجاز في غضون ثلاثة أشهر قبل دخول الحكومة ومجلس النواب والقوى السياسية الداعمة للوزراء في مدار الانتخابات النيابية؟ وماذا بمقدور هذه الحكومة ان تقوم به في ظل هذا العوز الكبير الذي تحتاجه الدولة اللبنانية؟ ومن أين تبدأ؟
انطلقت عجلة الحكومة من البوابة الفرنسية، الراعي الرسمي لتشكيلها برئاسة نجيب ميقاتي. صحيح ان المبادرة الفرنسية أصيبت بنكسات منذ أعلن عنها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من لبنان بعد اجتماعه بقادة الأحزاب والتيارات في قصر الصنوبر غداة انفجار مرفأ بيروت، إلا أنه بقي مصرّاً على تنفيذ أجندته وأن يسجّل نقاطاً تحضيراً للانتخابات الفرنسية.
لا شك أن فرنسا مهتمة بمساعدة لبنان وانتشاله من القعر الذي وصل اليه، لكن في الوقت عينه لفرنسا شروطها وتوقعاتها واهتماماتها الاستثمارية في لبنان (تحديداً في إعادة إعمار مرفأ بيروت وقطاع الطاقة)، وأولها البدء بالاصلاحات المطلوبة والتفاوض مع صندوق النقد الدولي. هذه الشروط والاصلاحات لم تغب عن لقاء العمل الذي جمع أمس ماكرون بميقاتي في الاليزيه، في أول زيارة للأخير خارج لبنان بعد نيل حكومته الثقة. وتشير أجواء باريس الى ان لقاء العمل ساده جوّ من الود يمكن أن يؤسس لعلاقات شخصية بين ماكرون وميقاتي، وان الخلوة التي انعقدت كانت محصورة جداً بين الرئيس ماكرون ورئيس الحكومة ميقاتي، أما الغداء فشارك فيه مستشار ماكرون للشرق الأوسط باتريك دوريل ولوحظ وجود السفيرين اللبناني رامي عدوان والفرنسية آن غريو في الاليزيه. كما حصلت لقاءات جانبية بين مستشاري ميقاتي ودوريل والسفير بيار دوكان لمتابعة الإصلاحات المطلوبة.
وفي المعلومات أن فرنسا عازمة على مساعدة لبنان، وأولويتها قطاع الكهرباء وتحسين وضعه، اذ انها أبدت استعدادها للبحث في سبل زيادة الدعم العراقي الذي يقدّمه للبنان من الفيول الثقيل، وكذلك في بناء المعامل. لكن قبل ذلك، ثمة خطوات إصلاحية تصحيحية على الحكومة اللبنانية القيام بها وأولّها تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء- المطلب الدائم، الى الاصلاحات والتعيينات في مجلس إدارة كهرباء لبنان. وهذا ما شدد عليه الرئيس ماكرون في كلمته المشتركة مع ميقاتي “إصلاح الإدارة”، اضافة الى ملء الشواغر في بعض التعيينات الادارية وبداية الإعداد لوضع خطة للإصلاح المصرفي وانتظام المالية العامة وتحصين المصرف المركزي وإيلاء الأهمية اللازمة له، وقد ألمحت فرنسا إلى إمكانية مؤازرة تحصين المصرف المركزي من خلال مجموعة من الاختصاصيين في المصارف المركزية الأوروبية يواكبون عملية التحصين إن كان من لبنان أو من الخارج.
في نظر الفرنسيين ان هذه التعيينات هي إشارات وخطوات بسيطة لكنها ذات أهمية قصوى يمكن للحكومة اللبنانية ان تقوم بها، وكان عليها القيام بها منذ زمن، وهم غير مقتنعين ان التعيينات في لبنان تخضع لمحاصصات سياسية وحزبية وطائفية.
لا شك أن ماكرون أعاد تعويم الطبقة السياسية كلها، ووضع الكرة في ملعب لبنان للبدء جدياً بالإصلاحات وبالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ووفق المعلومات سيتمّ تشكيل هذه اللجنة الوزارية للبدء بالتفاوض، في أول اجتماع لمجلس الوزراء الذي سينعقد منتصف الأسبوع المقبل. كما ان الواقعية اللبنانية، ترجمت في لقاء العمل بالتعهد بالإصرار والمحاولة لإعادة الأمور الى نصابها بكل واقعية وخطوة خطوة وفق حجم قدرات الحكومة في هذه المرحلة.