هيام القصيفي – الأخبار
بعد مرحلة تشدّد أميركي، بدأت بعض ملامح التغيير تظهر من واشنطن، بعد تدهور الأوضاع وانعكاس هذا التشدد على حال البلاد. الرسائل الأميركية الأخيرة ضاغطة لجهة أن الوقت قد حان لتأليف حكومة سريعاً والانتقال إلى مرحلة التحضير للانتخابات
إعادة قراءة الموقف الأميركي، بدأت تأخذ شكلاً مغايراً ظهرت معالمه في رسائل مباشرة حول تشكيل الحكومة. تفيد الرسائل بأن الأميركيين يضغطون لتأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن، تفادياً لمزيد من الانهيار. هذا الانهيار يتحول، تدريجاً، خطِراً وقاسياً، إلى الحد الذي قد يصبح فيه الوضع اللبناني ورقة مكلفة في الحوار التفاوضي مع إيران وتضطر معه واشنطن إلى دفع أثمان باهظة في لبنان. وما يعني واشنطن من لبنان عدم ذهاب الوضع إلى الانهيار التام، فهو لا يزال بالنسبة إليها «جار إسرائيل»، مع كل ما يعني ذلك، وهو جار سوريا التي لا تزال تنظر واشنطن إليها كساحة توتر قائمة، إضافة إلى أن أي انهيار تام يعيد في ظل الظروف الحالية من أفغانستان إلى المنطقة، حالة خوف من تسرب إرهابيين عبره إلى الخارج.
واشنطن تبدي استياء ملحوظاً ويأساً من حلفائها في بيروت، لعدم قيامهم بما يواكب ضغوطها على حزب الله وعون
وبحسب المعلومات فإن واشنطن تبدي استياء ملحوظاً ويأساً من حلفائها في بيروت، لعدم قيامهم بما يتقاطع مع ما فعلته منذ سنوات طويلة للضغط على حزب الله والعهد. لكن حلفاءها ظلوا متقاعسين عن المواجهة الفعلية، على كافة انتماءاتهم ومواقعهم، (ما عدا قلة محدودة جداً منهم)، وكأنهم يريدون أن تقوم واشنطن بمعاركهم بدلاً عنهم. وواشنطن «ليست في وارد أي تدخل من هذا النوع». لذا كان الانتقال إلى مقاربة مختلفة، وهي توجيه رسائل ضغط لتشكيل الحكومة من دون أي شروط. فواشنطن لم تعد معنية بأي بنود تتعلق بتمثيل حزب الله وحلفائه، ولا قطعاً بالخلاف حول حصص تمثيل المسيحيين أو الثلث الضامن. ما يعنيها تشكيل الحكومة، ومن ثم إجراء الانتخابات. ولعل النقطة الثانية بالنسبة إليها أصبحت أكثر أهمية، لأن الحكومة المتوقعة هي المعبر لوقف الانهيار، والانتخابات تعني مزيداً من كسب الوقت (لأن مراحل مفاوضات المنطقة طويلة) واحتمال إعادة إنتاج سلطة وحكومة جديدة منبثقة منها تساعد أكثر في عملية الإنقاذ. من هنا سيذهب الضغط نحو القبول بحكومة لا تشبه حكومة الرئيس حسان دياب، وقد لا تمانع بحكومة فيها ثلث معطل لرئيس الجمهورية، ولو لم تباركها علناً.
النقطة الثانية هي أن واشنطن بحسب المعلومات حاولت الضغط على رئيس الجمهورية لدفعه نحو الابتعاد عن حزب الله، إلى حد الانقلاب عليه، لكن هذا الأمر لم يحصل، ولأسباب متنوعة بعضها مبدئي وبعضها عملي. علماً أنه كان لافتاً في بعض المراحل وجود توتر في العلاقة بين التيار الوطني الحر كحزب وقيادة وحزب الله، حين كثر الحديث عن ترميم العلاقة وتحديث ورقة التفاهم، إلى أن سُحب الموضوع نهائياً من التداول من جانب الطرفين. علماً أن عون لم يذهب في هذا الموضوع إلى الحد الأقصى.
فشلت الضغوط الأميركية على رئيس الجمهورية بدفعه نحو الابتعاد عن حزب الله، إلى حد الانقلاب عليه
من هنا فإن خريطة عمل واشنطن الجديدة تتجه أكثر نحو تشجيع الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على الإسراع في تشكيل الحكومة. في وقت كان ثمة تخوف من أن يسعى حزب الله وعون إلى الاستفادة من الجو الأميركي المستجد، فيتشددان في تشكيل حكومة أقرب إلى اللون الواحد، لكن هذا الأمر يبدو مستبعداً كما يظهر من أداء حزب الله، ما دام تمثيل الأحزاب بشخصيات قريبة لم يعد محرماً ولا الثلث المعطل الضمني.
في موازاة ذلك ثمة تأكيدات أن كل هذه الإحاطة لا علاقة لها بأي موقف خليجي ولا سعودي. السعودية وبخلاف واشنطن، لا تزال على موقفها السلبي تماماً تجاه لبنان، ولا يعنيها أي موقف أميركي مستجد يساعد على كسب الوقت من خلال تشكيل حكومة وإجراء الانتخابات. الرياض ستظل معتكفة عن لبنان، وعن أي دور لها في المستقبل القريب.
يبقى أخيراً أن المفارقة تكمن في اختلاف مقاربة حزب الله وعون لما جرى في الأشهر الأخيرة. فعون كسر الجرة مع جميع القوى السياسية الحليفة والمعارضة والقوى المسيحية قاطبة، ومن المرجّح أن يستثمر في ما سيجري لاحقاً لمواجهتهم، كما هي عادته. أما حزب الله ففعل العكس تماماً، وحاول استيعاب ردود الفعل، ولم ينقلب على أي طرف وأولهم الفريق السني بكل ما يمثله رؤساء الحكومات السابقين مجتمعين أو فرادى، ولا مع القوى السياسية الأخرى، لا بل كان مؤيداً لدخول القوات اللبنانية إلى الحكومة في إطار السعي لحل مشكلة التمثيل الحكومي. لذا سيكون السؤال كيف سيتصرفان اليوم، كل من موقعه، إزاء انعكاسات تشكيل حكومة، بعد ظهور «الرؤية الأميركية» الجديدة للواقع في لبنان.