شعار ناشطون

الشيخ خليل الميس: الفقد والفقدان الكبيران

30/07/21 08:44 am

<span dir="ltr">30/07/21 08:44 am</span>

رضوان السيد – أساس ميديا

تعرّفتُ على الشيخ خليل الميس في الأزهر بمصر عام 1966، وكان هو في الدراسات العليا بكلية الشريعة، وكنت بالسنة الأولى بكلية أصول الدين. ومنذ تلك الأيام القديمة القديمة ما افترقنا ولا اختلفنا على أيّ أمرٍ في الدين أو الدنيا. بل كان دائماً مبادراً وراعياً ونصوحاً وباذلاً من فكره وماله وعمله في التجديد الديني والفقهي، وأوّلاً وآخِراً في إنشاء المؤسسات الدينية والخيرية وإعمارها.

نحن المسلمين السُنّة نرى أن لا أحد من الناس ينجو بعمله وحده، بل بفضل الله ورحمته. لقد مضى خليل محيي الدين الميس إلى رحمة الله الواسعة، وثواب أعماله الجليلة في الخير العام، ودعاء الناس له وترحُّمهم عليه

 

عدتُ من مصر بعده عام 1971، فوجدتُ أنّ المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد قد عهد إليه بإدارة المعهد الديني في بيروت في مرحلته الجديدة، والمسمَّى ( كما لا يزال) بأزهر لبنان. وظلَّ كذلك إلى عام 2004. لكنّه وقد ضاق الأفق على التطوير المؤسسي بعد استشهاد المفتي حسن خالد عام 1989، انصرف إلى تأسيس فرعٍ للمعهد بالبقاع سمّاه أزهر البقاع، ما لبث أن توسّع وامتلك مرحلةً جامعيةً، احتضنت وتخرّج فيه وفيها مئات الطلبة والطالبات، وليس من البقاع فقط بل من سائر أنحاء لبنان، ومن العالميْن العربي والإسلامي. وما اقتصر نشاط الشيخ الميس على التعليم الديني المتوسط والعالي، بل وشمل التعليم الرسمي في مراحل التعليم الأساسي، بحيث كان المهاجرون البقاعيون يُخرجون أبناءهم وبناتهم من المدارس الخاصة، ويضعونهم في مدارس الشيخ الميس. لأنّ الأمر – كما قال لي مهاجرٌ لبناني كبير بكندا أو بالبرازيل – ليس أمر التعليم فقط، بل والتربية أيضاً.

على مشارف البقاعين الأوسط والغربي، وعلى رابيةٍ سامقةٍ يتشامخ أربعة عشر مبنىً للتعليم والتربية وسائر نشاطات الشباب، ولصنع جيلٍ من المسلمين المعتدلين، الذين يعتبرون الإسلام رسالة رحمةٍ وسلامٍ وأخوّةٍ وتضامُن.

وفي السنوات الأخيرة، وعندما اشتدّ بالشيخ الحبيب المرض، ثمّ حصل الانهيار اللبناني، وكنتُ أتردّد للزيارة والعيادة، كنتُ أسأل الشيخ ومَنْ حوله من العلماء الأعلام: كيف تدبّرون أموركم المالية والإدارية والمرتّبات، ورعاية الطلاب الداخليين، والاهتمام بالمشايخ والأئمة في الأوقاف، فالشيخ هو مفتي البقاع أيضاً؟! أمّا الشيخ فكان يجيب بسكونٍ وسكينة: بالبركة. وأمّا الآخرون فيقولون: بثقة اللبنانيين والعرب والمسلمين بالشيخ خليل.

ما فقدتْ الشيخ الحبيب أُسرته وعائلته فقط، بل فقدناه جميعاً، في شخصيّته الفريدة، وفي فهمه العميق للدين وللرسالة، وفي بنائه لمؤسسات التعليم والخير التي هي الكبرى لدى أهل السُنّة في لبنان

 

ما أحوجنا نحن العلماء المسلمين إلى الرسالة، بالإضافة إلى الاحتراف والتفرّغ للمهمّة بالطبع. وما توافر هذان الأمران (الاحتراف والرسالة) للنخبة الدينية الإسلامية بعد “المفدي” حسن خالد (كما يسمّيه البيارتة) بقدر ما توافر للعالم الجليل مفتي البقاع الشيخ خليل الميس. وهناك سِمةٌ ثالثةٌ ذكرها تلامذة الشيخ هي الثقة بالله وبالنفس وبالمهمّة وبالمجتمع وخيرية الإنسان. علاقة الشيخ الميس بالمجتمع البقاعي هي علاقة ثقةٍ ومحبّةٍ خالصة. وقوامها الإحساس العظيم بالمسؤولية لديه، ولدى الجيلين اللذين ربّاهما.

نحن المسلمين السُنّة نرى أن لا أحد من الناس ينجو بعمله وحده، بل بفضل الله ورحمته. لقد مضى خليل محيي الدين الميس إلى رحمة الله الواسعة، وثواب أعماله الجليلة في الخير العام، ودعاء الناس له وترحُّمهم عليه.

ما فقدتْ الشيخ الحبيب أُسرته وعائلته فقط، بل فقدناه جميعاً، في شخصيّته الفريدة، وفي فهمه العميق للدين وللرسالة، وفي بنائه لمؤسسات التعليم والخير التي هي الكبرى لدى أهل السُنّة في لبنان. وينبغي أن يكونَ وعْد كلٍّ منّا للشيخ الحبيب، والوليّ الصالح، الحرص على استمرار ازدهار هذه المؤسَّسات الكبرى: {فأمّا الزبد فيذهب جُفاءً وأمّا ما ينفع الناسَ فيمكُثُ في الأرض} (سورة الرعد، الآية 17). هذا خطاب القرآن. أمّا خطاب النبي صلوات الله وسلامه عليه: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. وهذا كلّه متوافرٌ للشيخ الحبيب بحمد الله. ولنا بعده نحن الرفاق القدامى الافتقاد والفقدان! ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

تابعنا عبر