من الغرابة الإغراق في التفاؤل بتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة، أو الرهان على خلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله حول تكليفه. والأغرب هو التعامل مع ميقاتي وكأنه آتٍ من خارج الطبقة السياسية، حتى يكاد تعريف وسائل إعلام غربية عنه بأنه «رجل أعمال» يجد من يصدّقه في لبنان، ويصدّق أن تاريخ الرجل الآتي إلى السياسة من بوابة دمشق، وعبر الخلوي وصولاً إلى ملف الإسكان، يعطيه، بمعزل عن تاريخه السياسي، صفة التكنوقراط والاختصاصي الذي يحاول تركيب حكومة بالمواصفات نفسها!

ما يظهر إلى الآن، من خلال اتصالات خارجية، أن كلّ الأطراف تحاول كسب الوقت بين إخراج التكليف وعملية التأليف وظهور بعض ملامح الترتيبات الخارجية. وتكليف ميقاتي خطوة أولى ليس أكثر، وهو أمر له علاقة بما يحصل خارج الحدود. فمن الصعب الاعتقاد بأن هناك تسليماً سريعاً بأوراق لبنان دفعة واحدة في أيّ مفاوضات وترتيبات حول ساحات المنطقة. ومن المبكر الكلام عن تأليف سريع، مهما ضُرب من مواعيد، علماً أنها ليست المرة التي تُعطى مثل هذه الوعود عن قرب انتهاء العقد الحكومية أو غيرها، والعبرة في حكومة الرئيس تمام سلام التي لم تبصر النور إلا بعد 11 شهراً من تكليفه. من هنا، يصبح التكليف في حده الأقصى مجرد كسر لدائرة المراوحة، بدليل تصويت حزب الله معه. فالأوضاع الاقتصادية والمالية الخانقة التي أصابت كل بيئات الأحزاب والقوى السياسية، باتت تحتاج إلى ما يخفّف من حدّتها ولو عبر تطمينات وهمية. ويبقى التأليف رهناً بتحديات لا علاقة لها بالضغوط الأوروبية وحدها. وإذا كان ميقاتي قد جاء من ضمن سلة تفاهمات فهذا يعني تسريعاً في الترتيبات الخارجية، وهذا الأمر ليس واضحاً بعد بكلّ معالمه. من هنا، ستُظهر أيام المشاورات انعكاس القرار الخارجي بالسير بحكومة سريعة أم لا، من خلال طريقة تعامل العهد أولاً وآخِراً مع التأليف. فميقاتي لن يتصرف بعيداً عما يريده حزب الله والرئيس نبيه بري. هذا خارج النقاش. أما التباين مع رئيس الجمهورية أو التيار الوطني الحر فسيأتي لا محالة، لأن للتيار اليوم – مع اقتراب الانتخابات النيابية والسنة الأخيرة من عمر العهد – حسابات تفوق حساباته مع الحريري على مدى الأشهر الماضية. لن يسلّم عون بسهولة لميقاتي مهمة تشكيل حكومة قد تكون آخر حكومات عهده، أو يحتمل تحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال إذا لم تجر الانتخابات النيابية. علماً أن ظروف تشكيل كل الحكومات مع عون لم تكن سهلة (بما فيها حكومة الحريري أيام الود بينهما) مهما كانت مطالبه محقّة، إذ كان الصدام يغلب في كثير من الأحيان من خلال رغبته في كسر الأعراف التي سادت في السنوات الماضية. كما بات واضحاً أن لا تأثير لأيّ ضغط خارجي على عون. أما باسيل الذي غامر بكل أوراقه عندما عارض الحريري، فلن يعطيها لميقاتي من دون أثمان.

من المبكر الكلام عن تأليف سريع مهما ضُرب من مواعيد

وإذا كان الأخير مقبولاً من بيت الوسط (رغم أن الجميع يعرف ما بينهما منذ دخول ميقاتي عالم السياسة خصوصاً في الانتخابات النيابية)، ولكونه أحد الذين دافعوا بشراسة عن صلاحيات رئيس الحكومة مهما كان اسمه، فإن ترجمة هذا التفاهم ستنعكس في تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب وحصة تيار المستقبل فيها أياً كانت هوية شخصياتها، لأن من الصعب الاعتقاد بأن المستقبل المقبل على انتخابات نيابية سيسلّم لميقاتي أو لغيره بحصص الحقائب السيادية أو الخدماتية التي يرغب بها. علماً أن الحريري سيكون أمام امتحان انتخابي صعب، شمالاً على وجه التحديد، في ضوء الضائقة المالية التي يمرّ بها، في مقابل «رجل أعمال» ناجح لا يزال يعقد صفقات على المستوى الدولي، وعائد إلى السرايا بدعم خارجي يقول إنه شامل. كما أن ميقاتي سيكون، في المقابل، على محكّ تحديات سُنية داخلية، تتعلق بعلاقة رؤساء الحكومات بملف انفجار المرفأ، وكيفية إدارة هذا الملف، خصوصاً بعد تصعيد الرئيس سعد الحريري تجاه رئيس الجمهورية.
يبقى أخيراً، أن رئيس الحكومة الذي يأتي لترؤس حكومة انتخابات، والإعداد لورشة القانون وتعديلاته، بدأ الكلام عن حلول لمعالجة الكهرباء والمحروقات، وباشر مبكراً الحديث عن دفعات صندوق النقد من مستحقات لبنان وكيفية استخدامها. يشبه هذا الكلام كلام وزير الطاقة ريمون غجر قبل أيام، ومطالبته مجدداً بسلفة للكهرباء وإلا فإن الكهرباء لن تتأمّن وسيكون النفط العراقي مجرد إبطاء لعملية التقنين الحالي. كلّ الكلام يبدأ أولاً وآخراً بالدفعات المالية وضرورة تحصيلها، فيما اللبنانيون غارقون في وعود الحلول الوهمية لأزمات البنزين والدواء وسعر الدولار. هي عودة رجال الأعمال إلى الحكومة تحت غطاء «اختصاصيين»، لأن الجميع مأزوم، ويريد فرصة دعم وأوكسيجين قبل الانتخابات. أما الصفقة الخارجية التي سمحت بعودته فلا تزال تحتاج إلى كثير من اللمسات الأخيرة عليها. فيما كابوس اللبنانيين مستمرّ في تضليلهم بقرب الانفراج.