شعار ناشطون

القصد الاحتماليّ: القاضي البيطار وتكبير الحجر

14/07/21 07:22 am

<span dir="ltr">14/07/21 07:22 am</span>

خالد البواب – أساس ميديا

الادّعاء وفق شبهة “القصد الاحتمالي”. إنّها النقطة الأساسية التي ارتكز عليها المحققّ العدلي في قضية مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار في ادّعاءاته.

تشكّل هذه النقطة عامل إضعاف لمسار التحقيق، لأنّ ذلك لا يمكن أن يلتقي مع منطق قبول هذه الشبهة. فليس من المنطقي توجيه الادّعاء بشبهة القصد الاحتمالي، وكأنّ القاضي يعتبر أن مسؤولاً قبل سبع سنوات مثلاً كان قد توقّع بأن تأتي هذه الموادّ إلى مرفأ بيروت ثم تخزّن لسنوات، وتنفجر بعد طول هذه المدّة.

هذا الجانب وحده يمكن أن يصيب التحقيق بالانحراف عن المسار الأساسي والجدّي لوجهة التحقيق. فمثلاً لو لجأ القاضي البيطار إلى الادّعاء على المسؤولين بأنّهم متورّطون بهذه القضية منذ البداية، ولديهم علم بأسباب إدخال المواد، وكانوا على علم بأنّ كمّيّات منها تُسحَب بشكل متكرّر ودوري، حتماً سيكون موقفه القانوني أقوى. لكنّ الطريقة، التي تمّت بها مقاربة الملف، تشير إلى أنّ المسألة ذهبت في اتجاه آخر، وهو تعظيم الادّعاء إعلامياً بدون سند قانوني جوهري.

وفق المصادر، يجب أن تتركّز النقطة الأساسية في التحقيق على مَن هو صاحب هذه الشحنة، ومَن أدخلها، ولماذا، وكيف سُحِبت كميّات كبيرة منها؟ هذا هو أساس القضية

 

مَن يعرفون طارق البيطار يقولون إنّه نظيف في قراراته. ولا يتشكّكون في أن يكون مدفوعاً بدافع سياسي. ويؤكّدون أنّه ذهب إلى خيار تكبير الحجر، ربّما لأنّه لا يريد أن يكون أداة سياسية بيد أيّ طرف، لكنّه بالتأكيد وقع في الخطأ.

في الأساس سيصيب هذا الخطأ تحقيقاته ولا شيء غيرها، خصوصاً في ظل رفض جهات متعدّدة السماح له بملاحقة المُدّعى عليهم، وهذا يعني مجدّداً تمييع التحقيق وعدم إظهار الحقيقة، سواء في ما يتعلّق بالموظفين أو المسؤولين الأمنيّين أو النواب.

بداية، لدى النواب نوعان من الحصانة:

– الأولى مرتبطة بالأفعال، وهي ليست حصانة زمنية، وتتعلّق بالآراء والأفكار طوال مدة نيابته. الهدف منها أن يكون النائب طليق اللسان ويقول الأمور كما هي بدون أن يتمكّن أحد من تخويفه.

– أمّا الثانية فهي الحصانة الإجرائية التي تتعلّق بالدعاوى الجزائية. فإذا كان مجلس النواب في حالة انعقاد لا يمكن القيام بأيّ إجراء جزائي بحقّ النائب بدون الحصول على إذن المجلس. ومعروف أنّ المجلس النيابي ينعقد في دورتين، ولكن يكون المجلس في حالة انعقاد دائم إذا كانت الحكومة مستقيلة.

ارتكز البيطار على هذه النقطة طلباً للإذن، ولكنّه قد ينتظر إلى لحظة عدم الانعقاد، فيستدعي النواب بدون إذن. أمّا بالنسبة إلى القضاة الذين يتمّ الادّعاء عليهم، فلا يمكن محاكمتهم في حال ارتكاب جرم جزائي إلا من خلال قاضٍ يعيِّنه رئيس مجلس القضاء الأعلى، ولا أحد يحاكم هؤلاء القضاة إلا مدّعي عام التمييز. وهو صاحب الكلمة الفصل في الادّعاء على القضاة، فلا يمكن للمحقّق العدلي أن يدّعي على القضاة، لكنّه يرسل إلى مدّعي عام التمييز بمتابعة الأمر. وإذا اختار رئيس مجلس القضاء الأعلى قاضياً غير البيطار تصبح القضية مجزّأة.

هذا الأمر سيضع مدّعي عام التمييز تحت المجهر، لأنّه يصبح صاحب القرار في ملاحقة القضاة، وأيضاً ملاحقة اللواء عباس إبراهيم، وحتى مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا في حال عدم السماح بملاحقتهما. فإذا قرّر مدّعي عام التمييز عدم الادّعاء عليهم فإنّ ذلك يصبح مبرماً ولا يمكن لأحد أن يعيد فتح الأمر مجدّداً.

مَن يعرفون طارق البيطار يقولون إنّه نظيف في قراراته. ولا يتشكّكون في أن يكون مدفوعاً بدافع سياسي. ويؤكّدون أنّه ذهب إلى خيار تكبير الحجر، ربّما لأنّه لا يريد أن يكون أداة سياسية بيد أيّ طرف

 

في عام 2020 عدّل المجلس النيابي المادة 61 من قانون الموظفين، التي تنصّ على أن تطلب النيابة العامة إذن الإدارة من أجل ملاحقة موظّف. وإذا رفضت الإدارة، يبتّ المسألةَ مدّعي عام التمييز، صاحب القرار في منح الإذن أو عدمه. سابقاً كانت الإدارة لا تجيب على الطلب، وحينها عُدّلت المادة ومُنحت الإدارة مهلة 15 يوماً فقط لمنح الإذن. وإذا لم تُجِب خلال هذه المهلة يُعتبر أنّ الإذن قد مُنح. وفي هذا الإطار، تقول المصادر إنّ هذا ما دفع وزير الداخلية محمد فهمي إلى الاستعجال في رفض إعطاء الإذن لملاحقة إبراهيم.

عندما يُرفض إعطاء الإذن بملاحقة موظف أو مسؤول، فإنّ ذلك ينسحب حكماً على الجميع. ولكن لا بدّ من الإشارة إلى الاستنسابية التي حصلت في الادّعاءات، وخصوصاً لجهة عدم الاستماع إلى النائب نهاد المشنوق قبل الادّعاء عليه، أو الادّعاء على وزير داخلية سابق بدون استدعاء وزير الداخلية الحالي، واستدعاء رئيس الحكومة الحالي حسّان دياب المُدّعى عليه، فيما استُبعد من الاستدعاء رئيسا الحكومة السابقين تمام سلام وسعد الحريري.

لذا تعتبر المصادر أنّ الملف لا يزال فيه الكثير من الخفايا. أمّا في ما يتعلّق بالادّعاء على حسان دياب، فإنّ سببه يعود إلى إلغاء دياب زيارته للمرفأ بعدما نوى أن يقوم بها للكشف على هذه الموادّ.

وفق المصادر، يجب أن تتركّز النقطة الأساسية في التحقيق على مَن هو صاحب هذه الشحنة، ومَن أدخلها، ولماذا، وكيف سُحِبت كميّات كبيرة منها؟ هذا هو أساس القضية، ولا داعي إلى الذهاب إلى التفاصيل اليومية التي من شأنها “تكبير الحجر” لأهداف شعبوية، فيُدّعى على أسماء كبرى من أجل تحميلها مسؤولية ناجمة عن “الإهمال” بدون مقاربة الملف من الناحية

الجرمية الأساسية. وهذا ما قد تلتقي عليه مصالح جهات داخلية وخارجية تريد تمييع التحقيق وإبعاده عن السبب الأساسي.

إنّ مسار الباخرة وكيفيّة وصولها إلى لبنان، بالإضافة إلى تزوير أوراق وجهتها وانتمائها إلى شركات وهميّة، هي أبرز الدلائل على وجود عمل مافياوي تمتهنه وتبرع فيه مافيات تجارة الأسلحة. فقد وصلت الشحنة إلى لبنان بعد انتزاع الأسلحة الكيميائية من سوريا ضمن صفقة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية. عندئذٍ أصبح النظام السوري بأمسّ الحاجة إلى موادّ لتنفيذ عمليّاته العسكرية.

مَن يمتهن تزوير مسار الباخرة وكيفيّة رسوّها في لبنان، لا بدّ أنّه المسؤول، ويجب أن يطوله التحقيق، وليس مَن وَصَله بريدٌ روتينيّ فقرأه.

ويُفترض أن تكون الباخرة، بما تحمله من موادّ، من مسؤولية وضمن اختصاص جهات عسكرية لا وزراء سياسيين لا أمرة لهم على المرفأ ولا على إدارته.

تابعنا عبر