كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
ينزلق الوضع سريعاً نحو التدهور الدراماتيكي. أقفل مصرف لبنان حنفية الدعم عن المواد الغذائية التي سرعان ما التهبت أسعارها على نحو كارثيّ، فيما لا يزال البحث جارياً حول كيفية دعم بعض الأدوية الأساسية التي صار شراؤها يحتاج إلى معجزة بعدما فرغت الصيدليات من معظم الأدوية. أمّا البنزين فبات الوصول إليه يعرّض اللبنانيين لطوابير الذلّ اليومية، التي رضي بها الناس ولم يرضَ بها التجّار!
اذاً، الوضع إلى مزيد من الكوارث على نحو ينذر بتفلّت الوضع الأمني وانفجاره، طالما أنّ الحلول السياسية التي من شأنها أن تطوّق تداعيات هذا الانفجار، معلّقة على حبال الغنج والدلال الذي يمارسه كلّ من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
ولهذا تسعى السلطة إلى شراء الوقت عبر حلول ترقيعية، ستكون بطبيعة الحال على حساب ما تبقى من ودائع اللبنانيين، أي الاحتياطي الإلزامي، من خلال البطاقة التمويلية التي أعلنت اللجان المشتركة أمس الانتهاء من دراستها ومناقشتها.
وقد ترأس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اجتماعاً ضمّ وزير المال غازي وزني ووزير الطاقة ريمون غجر وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة للبحث في موضوع الدعم على المحروقات، ولدرس إقتراحات لمعالجة أزمة المحروقات وتفادي حصول أي مضاعفات سلبيّة تنعكس على الإستقرار الأمني والمعيشي في البلاد. اللافت كان غياب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن الاجتماع، وقد اكتفى رئيس الجمهورية بالاتصال به للتداول معه في تلك المسألة.
وقد تبيّن أنّ رئاسة الجمهورية قد دعت دياب إلى المشاركة في الاجتماع لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال تحفّظ عن هذه الخطوة لأنه يرفض تغطية رفع كلفة البنزين على أساس سعر صرف الدولار 3900، اذا لم تكن هذه مسبوقة باقرار البطاقة التمويلية. ولهذا نأى بنفسه عن اجتماع بعبدا لكون محوره هو هذا التوجه الذي يرفض “تشريعه” اذا لم يتم تأمين بديل للمستهلكين.
على هذا الأساس، كثّفت اللجان المشتركة نقاشاتها لتسريع وضع البطاقة التمويلية ليستفيد منها أكثر من 500 ألف عائلة وقد أعطيت الحكومة صلاحية تحديد قيمة البطاقة بحد اقصى 137 دولاراً.
في هذه الأثناء، كان مصرف لبنان يسطّر بيانه الذي يعلن فيه بشكل أو بآخر استعداده لتمويل كلفة البطاقة، ولكن من الاحتياطي الإلزامي، تحت عنوان “إقراض” الحكومة، وذلك قبل اتخاذ المزيد من اجراءات رفع الدعم التي ستتخذ الواحدة تلو الأخرى، حيث اعتبر أنه “على ضوء إحتياطيات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية من جهة، وحجم الطلبات المتعلقة بموضوع الدعم من جهة أخرى، وأهميته على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وعليه، فإن مصرف لبنان مع تأكيده على ضرورة وضع خطة واضحة وواعدة لترشيد الدعم وتأمين الاسس لاعادة النمو الاقتصادي، وفي حال إصرار الحكومة على الاقتراض وفقاً للمادة 91 المذكورة وبالعملات الاجنبية، أن تعمل على إقرار الاطار القانوني المناسب الذي يسمح لمصرف لبنان باستعمال السيولة المتوفرة في التوظيفات الالزامية، مع إلتزام الحكومة بإعادة أي أموال مقترضة من مصرف لبنان ضمن المهلة المحددة قانوناً في المادة 94 من قانون النقد والتسليف، على أن تكون نسبة الفوائد محددة بحسب المادة 93 من نفس القانون، بموجب عقد قرض، وأن ينص العقد صراحة على أن يتم الايفاء بمعزل عن مسؤوليات الحكومة المتعلقة بقرار التوقف عن الدفع”.
وعلى هذا الأساس ستتقدم الحكومة وسريعاً باقتراح قانون لفتح اعتماد لتمويل البطاقة، حيث من المنتظر أن تعقد الهيئة العامة لمجلس النواب جلسة لها يوم الخميس المقبل لاقرار البطاقة مع مصدر تمويلها، فيما تشير مصادر حكومية إلى أنّ الصيغة التي طرحها مصرف لبنان تشترط أن يتم تسديد هذا القرض، ولأن المفاوضات جارية مع البنك الدولي ومع أكثر من جهة دولية، فإنّ تسديد هذا القرض يصبح ممكناً. ولهذا وافق المركزي على استخدام الاحتياطي الإلزامي ولكن ضمن قانون يقره مجلس النواب.
اللافت أيضاً هو استخدام مصرف لبنان تعبير “التوظيفات الإلزامية” وليس الاحتياطي الإلزامي، في وصف يعتبره بعض الاقتصاديين بأنّه أدق ويؤشر إلى أنّ هذا الاحتياطي قد يكون في جزء كبير منه توظيفات عبر أدوات مالية للمصارف اللبنانية في المصرف المركزي.