أحمد الأيوبي – أساس ميديا
يُعتبر مؤتمر باريس لدعم الجيش اللبناني الذي ينعقد اليوم في باريس إنذاراً للسلطة اللبنانية بأنّ المجتمع الدولي غير معترِف بهذا المستوى السياسي، ولا بهذه السلطة، لأنّ مجموعة الدعم الدولية أُسِّست لدعم لبنان، ولم تُؤسَّس لدعم الجيش. وهذا مؤشّر إلى التمسّك بالمؤسّسات الأمنيّة فقط، من دون أيّ اكتراث بالطبقة السياسية، ممّا يشكِّل تحوّلاً كبيراً يؤكّد يأس المجتمعيْن العربي والدولي من التحالف الحاكم، والاتجاه نحو الحفاظ على الجيش وتوفير الدعم اللوجستي والعيني المطلوب لضمان استمراره، وتمكينه من القيام بمهمّاته في ضبط الأمن وتوفير الاستقرار، في إشارة متقدّمة إلى بدء التعامل مع لبنان كدولة فاشلة، لم يبق فيها سوى المؤسّسة العسكرية خارج دائرة الفساد والاهتراء.
توفيق دبوسي لـ”أساس” إنّ “المجتمع اللبناني، والجسم الاقتصادي خصوصاً، يترقّب باهتمام بالغ أعمال مؤتمر دعم الجيش، وما سينتج عنه من مقرّرات ومساهمات
سبق هذا المؤتمر حركةٌ تمهيديّة لقائد الجيش العماد جوزيف عون، عبر اتصالات عربية ودولية، كانت من أهمّها زيارته باريس في 25 أيار 2021. وقد تميّزت هذه الزيارة ببرنامجها الحافل، وتُوِّجت باستقبال الرئيس الفرنسي للعماد عون في قصر الإليزيه، في خطوة غير مسبوقة، اعتبرها الكثيرون رسالةً بالغة التأثير إلى الطبقة السياسية التي أفشلت مبادرة ماكرون. وقد حضر قائد الجيش بخلفيّته الجامعة والبعيدة عن كلّ أشكال الفوضى السياسية التي تضرب لبنان.
يعطي العماد جوزيف عون الأولوية الكاملة لتوفير الدعم للجيش، وهو في الوقت نفسه يصارح المؤسسة العسكرية واللبنانيين بحقيقة الأزمة وبحجمها ومخاطرها وتداعياتها، ولا يتوانى عن رفع الصوت، أكثر من مرّة، في وجه المسؤولين لتنبيههم إلى ضرورة التحرّك لاستعادة الانتظام العامّ في المؤسسات الدستورية.
في آخر إطلالاته من كليّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان في الريحانية، حيث التقى ضبّاط دورة الأركان 35، أكّد أنّ “قيادة الجيش تبذل جهوداً متواصلة لمساعدة العسكريين. وفي هذا السياق، تبرز المبادرة المشكورة التي تقوم بها دول صديقة من خلال عقد مؤتمر دولي لدعم الجيش”، وختم بالقول: “ستزول الصعوبات حتماً، وبفضل إرادتنا الصلبة سنعبر إلى برّ الأمان”.
يواكب اللبنانيون في الداخل والخارج مؤتمر دعم الجيش اللبناني في باريس. وفي هذا الإطار قال رئيس المركز اللبناني للمعلومات في واشنطن الدكتور جوزيف جبيلي لـ”أساس”: “نتابع بشكل دائم موضوع دعم الجيش مع البنتاغون ومع وزارة الخارجية، باعتبار الولايات المتحدة هي المساعد الأول للجيش في مجال التجهيز والتدريب والذخائر والتجهيزات الخاصة، والزوارق البحرية والدبابات والمدفعية والصواريخ والطائرات المروحية”.
وأوضح جبيلي أنّ “التحدّي، الذي يواجه الإدارة والكونغرس، هو حاجة الجيش إلى الأمور المعيشية الأساسية من رواتب وطعام وأدوية واستشفاء، والنقص في الفيول والبطاريات وصيانة الآليات. وكلّها ضرورية لتتمكّن المؤسسة العسكرية من الاستمرار والصمود، ومن تنفيذ الدوريات والمهمّات المطلوبة، وهذا ما يفرض نفسه الآن”.
العميد المتقاعد خالد حمادة اعتبر أنّ أهمية هذا المؤتمر تكمن في أنّه يجمع مجموعة الدعم الدولية للبنان، التي أُسِّست بعد إعلان بعبدا سنة 2012، ولم تعقد أيّ اجتماع فعليّ منذ ذلك التاريخ حتى اليوم
وتابع جبيلي: “في هذا المجال، لا بدّ أن نلحظ أنّ القوانين الأميركية النافذة لا تسمح بالمساعدات خارج النطاق القائم حالياً. وهي لا تشمل جوانب النقص الحياتية للعسكريين. وقد استطاع المسؤولون الأميركيون الوصول إلى حلول في بعض المجالات، لكن بقيت مجالات أخرى متعذّرة. ولهذا يحصل التواصل مع أصدقاء لبنان العرب، للبحث في كيفية سدّ الثغرات وتوزيع الأدوار في مجال المساعدات. وقد شاهدنا المساعدات تأتي للجيش من مصر والعراق والأردن في مجال المساندة الغذائية والطبابة”.
ولفت جبيلي إلى أنّ “المسؤولين الأميركيين يبحثون مع أصدقاء لبنان كيف يمكن التعاون لمساندة الجيش، ويدرسون في الوقت نفسه ما يمكن أن تقدّمه واشنطن مباشرة، ضمن القوانين الموجودة، للمساعدة في تغطية الحاجات الأساسية”.
وختم جبيلي بالقول: “مبدئياً، من المقرّر أن يناقشوا كيفية مساهمة كلّ من الدول في المساعدات، وتحديد نطاق الدعم لكلّ من الدول المشاركة، وذلك ضمن البنود التي أجمعت الدول على تغطيتها، لتدارك آثار الانهيار الاقتصادي والأزمة السياسية على الجيش”.
من جهة أخرى، قال رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي لـ”أساس” إنّ “المجتمع اللبناني، والجسم الاقتصادي خصوصاً، يترقّب باهتمام بالغ أعمال مؤتمر دعم الجيش، وما سينتج عنه من مقرّرات ومساهمات. ونؤكّد وقوفنا الكامل إلى جانب جيشنا الوطني، ونبعث برسالة واضحة إلى المشاركين في المؤتمر، خلاصتها أنّ الشعب اللبناني، والقطاعات الاقتصادية تحديداً، يقفون إلى جانب جيشهم. فالجيش هو عنصر الاستقرار الأوّل الذي يجسّد طموحات اللبنانيين باستعادة حياتهم الطبيعية واسترجاع ازدهارهم ومكانتهم المرموقة في العالم”.
واعتبر العميد المتقاعد خالد حمادة أنّ “أهمية هذا المؤتمر تكمن في أنّه يجمع مجموعة الدعم الدولية للبنان، التي أُسِّست بعد إعلان بعبدا سنة 2012، ولم تعقد أيّ اجتماع فعليّ منذ ذلك التاريخ حتى اليوم”، مشيراً في حديث لـ”أساس” إلى أنّ “الدافع وراء هذا التحرّك هو قناعة المجتمع الدولي بأنّ الدولة اللبنانية غير قابلة للدعم لأنّها غير قابلة للإصلاح، والجميع يراهن على الحفاظ على الجيش اللبناني كمؤسسة جامعة في ظل هذه الظروف الصعبة”.
وأعرب حمادة عن اعتقاده بأنّ “رهان المجتمع الدولي على الجيش لن يكون له أيّ بعد آخر، فهدفه الوحيد هو التمسّك ببقاء المؤسسة العسكرية وثباتها ودعمها”.
وأوضح حمادة أنّ “الدعم المتاح، الذي يمكن أن تقدّمه هذه الدول، لا يشمل توفير مبالغ مالية لأنّها تستوجب أخذ موافقة الحكومة، وستخضع للتجاذب السياسي في قبولها أو رفضها. ويجري الحديث عن مساعدات عسكرية (لوجستية) يقدّمها بشكل أساسي الجانب الأميركي عينيّاً لحلّ مشكلات الصيانة”، مشيراً إلى أنّ “السفينة المصرية، التي وصلت إلى مرفأ بيروت وتحمل 300 طن من المساعدات، هي جزء من حصّة مصر التي تساهم فيها ضمن مجموعة الدعم الدولية. وبقيّة المساعدات ستأتي تباعاً بهذه الطريقة”.
ولفت حمادة إلى أنّ “هذا المؤتمر إنذار للبنان بأنّ المجتمع الدولي غير معترف (تقريباً) بهذا المستوى السياسي ولا بهذه السلطة، لأنّ مجموعة الدعم الدولية أُسِّست لدعم لبنان، ولم تُؤسَّس لدعم الجيش، وهذا مؤشّر إلى التمسّك بالمؤسسات الأمنيّة فقط”.