منير الربيع – المدن
وحالياً، يعدّ لبنان من الدول “الباردة” التي لا تستدعي تدخل القوى الدولية الساخن والسريع، طالما أن وضعه الأمني مضبوط. والأهم هو الحفاظ على استقراره، ومنع تدهور أوضاعه، إضافة إلى مدّه بالمساعدات الإنسانية والغذائية والطبية لمنعه من الإنهيار. ذلك لأن ارتطامه الكبير بالقعر يؤدي إلى موجة هجرة كبيرة غير شرعية في اتجاه أوروبا، ولا يمكن لأي دولة أن تتحمل تداعياتها.
الجيش ملاذاً أخيراً
وبناء على هذه العناوين، يشكلّ الجيش اللبناني إلى جانب الأجهزة الأمنية الأخرى الملاذ الأخير للمجتمع الدولي: الحفاظ عليها وتقديم المساعدات لها لاستمرار استقرارها، ومنع الأوضاع في البلاد من التدهور.
وعلى هذه الأسس ينعقد المؤتمر الدولي لدعم الجيش إنسانياً ومالياً. وتتوافد حمولات المساعدة من الدول والجهات المختلفة. والجيش في هذه المرحلة يمثل عامل الثقة الوحيد للمجتمعين اللبناني الدولي. ويترافق هذا الاهتمام مع تحولات سياسية كبرى تعيشها المنطقة، في ضوء العلاقات الروسية-الأميركية، والأميركية-الإيرانية، والسعودية-الإيرانية.
والولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والدول العربية، تحرص حرصاً كبيراً على الجيش اللبناني، فتحافظ عليه وتمنع إضعافه أو استضعافه.
مشاريع ومحاذير
لكن لا تخفى العناوين السياسية التي قد تشكل عوامل انقسام حول الجيش ودوره، انطلاقاً من علاقته بالولايات المتحدة الأميركية، وشروطها الأساسية المتعلقة بدور الجيش في حماية الحدود وضبط التهريب. وهذا على إيقاع التصعيد الخارجي تجاه لبنان حول تهريب الأسلحة أو المخدرات وغيرها.
وإسرائيل تشكل أحد أبرز عوامل الضغط في واشنطن على الجيش، وربما تدفع في اتجاه اشتباكه مع حزب الله. وهذا الخيار ربما كان قائماً أيام ولاية دونالد ترامب، لكنه حتماً غير مطروح في هذه المرحلة، على الرغم من بروز تصريحات أميركية حول ضرورة تعزيز الجيش وقدراته لمواجهة حزب الله، وليتمكن من الدخول في لعبة التوازن العسكري.
لكن الجيش اللبناني لا يمكن أن يكون في هذه المنزلة. فقيادته تعرف جيداً الوقائع اللبنانية، وأن أي مشروع من هذا النوع يؤدي إلى إضعاف الجيش. وهناك آراء وصلت إلى الأميركيين، تقول إن هذه الطروحات المتطرفة من أصوات وأقلام ولوبيات ضغط، لا تتلاقى مع الهدف الأميركي، وهو حماية الجيش. لأن ذلك يؤدي إلى إقحامه في معارك جانبية تؤدي إلى مشاكل داخله وفي المجتمع اللبناني كله.
فالجيش في هذه الحال مهدد بالانقسام. بينما الموقف الأميركي الرسمي، إلى جانب المواقف الروسية والأوروبية والعربية، تميل إلى الحد من انسحاب الانقسامات السياسة، المذهبية والطائفية، على واقع الجيش.
حصان الانتظار
ويعيش لبنان حال انتظار طويل لبلورة التفاهمات الخارجية التي قد تطلق خروجه من نفق أزمته: الاتفاق النووي، وهو تقني في الحسابات الأميركية. ويرتبط في ما بعد بمفاوضات تتعلق بالنفوذ الإيراني في المنطقة، ومعالجة مسألة الصواريخ، بما فيها الصواريخ الدقيقة التي يمتلكها حزب الله.
وهذا مرتبط بملف ترسيم الحدود البرية والبحرية في لبنان، وضبط حدوده مع سوريا. وإلى أن تحين تلك اللحظة، يستمر الجيش في الحفاظ على الأمن والاستقرار، استناداً على دعم خارجي. وهذا بالتحديد هو دوره المطلوب، والذي يحتاج حماية سياسية واجتماعية لتلك المؤسسة، لإبعادها أن أي انقسامات أو نزاعات.
أخيراً لا بد من تسجيل ملاحظة: لا يجوز التوهم أن الجيش اللبناني يمكن أن يكون نموذجاً للحلّ السياسي في لبنان. فالجيش ليس الحلّ لمثل هذه الأزمة. وفكرة تشكيل حكومة عسكرية، على ما ناشدت بعض الأطراف وطُرح سابقاً، يعلم الجيش أنها فكرة غير قابلة للتطبيق. وهو أصلاً لا يطمح إليها، على الرغم من استمرار الأزمة السياسية واستعصائها، وستشتد على ما يبدو في المرحلة المقبلة، بسبب الخلافات المستمرة.