كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تفرض كل مرحلة سياسية رجالاتها، وإذا كانت فترة التسوية تحتاج إلى كوادر مسالمين، إلاّ أنه في مرحلة المواجهة فإن الصقور هم من يقودون المعركة.
لا شكّ أن تيار “المستقبل” بعد 2005 بات مغايراً لما كان عليه قبل ذاك التاريخ المفصلي في لبنان، فاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ومن ثمّ إتجاه المنطقة نحو صراع سني- شيعي ساهم في خروج صقور من صفوف “المستقبل”، وهؤلاء كانوا في خطوط المواجهة مع “حزب الله”.
أتت التسوية الرئاسية عام 2016 وما سبقها من تسويات خفية لتقضي على حضور صقور “المستقبل”. ففي كل منطقة كان هناك نائب أو وزير يُعتبر متشدّداً أو حازماً في مواقفه السياسية، لا يهادن بل هو قادر على الصعود إلى المنبر ومخاطبة الجمهور “الأزرق” والرأي العام اللبناني.
ولعل فترة إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وانقلاب “حزب الله” وحركة “أمل” على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ومن ثمّ اجتياح بيروت في 7 أيار 2008، ساهمت في بروز تلك الشخصيات والتي أكملت طريقها بعد مغادرة الحريري لبنان، على خلفية إسقاط حكومته في كانون الثاني 2011، فأدار هؤلاء الصقور المواجهة في أصعب مرحلة ترافقت مع إندلاع الحرب السورية في 15 آذار 2011.
ومن بين هؤلاء الصقور النائب والوزير السابق أحمد فتفت الذي كان المواجِه الأول للرئيس إميل لحّود على طاولة مجلس الوزراء ومن ثمّ على الساحة الوطنية طوال الفترة الماضية، وأكمل المواجهة بعد الإنقلاب على حكومة الحريري عام 2011 حيث أطلق على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لقب “حكومة نجيب الغريب”، إضافة إلى كل الألقاب الأخرى التي كانت تتداول في تلك المرحلة وأبرزها حكومة “القمصان السود”.
أما عكارياً، فكان النائب خالد الضاهر سيّد المواجهة، ومعروف وقوفه وتصديه لمحاولة نقل الحزب “السوري القومي الإجتماعي” أحداث 7 أيار إلى عكار، كذلك سطع نجمه في مواجهة مشروع “حزب الله” وكل من يدور في فلكه ودعم المعارضة السورية، وكذلك فان الوزير السابق معين المرعبي بات بعيداً عن قرار “المستقبل” والذي عُرف أيضاً بمواقفه الحازمة.
وبرز دور النائب السابق مصطفى علوش في طرابلس بعد فوزه بالنيابة في إنتخابات 2005 لكن تمّ استبعاده نتيجة تسوية الحريري- ميقاتي في إنتخابات 2009، وما لبث أن انقلب الرئيس نجيب ميقاتي على الحريري وترأّس الحكومة عام 2011، فيما بقي علوش في موقعه وعلى مبادئه لذلك استعان به الحريري مجدداً في هذه المرحلة الصعبة.
أما الرجل الثاني الطرابلسي الذي كان يُعتبر من الصقور فهو اللواء أشرف ريفي، ووقع الخلاف الأساسي مع الحريري بعدما كان وزيراً للعدل، واكتشف أن هناك مؤامرة تُحاك بالنسبة إلى محاكمة الوزير السابق ميشال سماحة، فانتفض على الواقع ولا تزال إنتفاضته مستمرّة.
ومن الوجوه المستقبلية البيروتية التي كانت معروفة بحدتها النائب نهاد المشنوق، فعلى رغم طبيعته التسووية وفتحه خطوط تواصل مع الجميع، فإنه يُعتبر متشدّداً في بعض المواقف ووقف دائماً إلى جانب سعد الحريري، لكنّ هناك أموراً كثيرة دفعت الحريري إلى التخلّي عنه.
وبقاعاً، كان الوزير جمال الجرّاح من أكثر الصقور تشدداً، حتى ذهب النظام السوري إلى إتهامه بدعم المعارضة السورية، وقد تراجع دوره في الآونة الأخيرة نتيجة تقدّم وجوه أخرى، فيما علاقته مع الحريري لا تزال جيدة.
وإذا كان الرئيس فؤاد السنيورة يمارس مهامه من خلال نادي رؤساء الحكومات السابقين، إلا أن الإنتقادات توجّه إلى الحريري بأنه تخلّى عن هذه الصقور لصالح التسوية مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والنائب جبران باسيل، وتمّ استبدال تلك الوجوه بنواب مسالمين مثل رلى الطبش وديما جمالي وطارق المرعبي ومحمد سليمان، وعندما انفرط عقد التسوية عاد الحريري إلى المواجهة الصعبة… ولكن وحيداً.
ويحاول نادي رؤساء الحكومات السابقين دعم الحريري في مواجهته مع عون وباسيل لكي يشكّلوا تعويضاً عن النقص، على رغم عدم إقتناعهم بكل شيء يفعله الحريري.
إذاً، عاد الحريري إلى مرحلة المواجهة مع كثرة الحديث عن نيته الإعتذار، فهل يعود عن قراراته السابقة باستبدال فريق عمله؟ الحقيقة بحسب أوساط مستقبلية أنّ قسماً كبيراً من الشخصيات المذكورة بات في مكان آخر، أما الإنتخابات النيابية فلديها حسابات أخرى على الأرض وكل شيء مرهون بوقته، ومن المبكر الحديث عن عودة أسماء أو نسج تحالفات على الساحة السنية، وبالتالي فإن معركة “المستقبل” في مكان آخر، والحريري مصرّ على تأليف حكومة وفق منطق المساواة والشراكة وإنطلاقاً من روحية المبادرة الفرنسية إذا تراجع عن فكرة الإعتذار.