ملاك عقيل – أساس ميديا
للمرّة الثانية على التوالي، وفق معلومات “أساس”، يتوجّه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود إلى الطلب من مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات استدعاء وزير الداخلية محمد فهمي للاستماع إلى إفادته في شأن تصريحات أطلقها ضمن برنامج “صار الوقت” (مع الزميل مارسيل غانم على mtv)، رَفَعَ خلالها فهمي تقديره لـ”نسبة” القضاة الفاسدين، إلى 99% “لأنّ الناس ترى أنّ نسبة الـ95%، التي تحدّثتُ عنها سابقاً، قليلة”.
وفيما أعلن القاضي عبود، في بيان، أنّه “بصدد اتّخاذ إجراءات في هذا الشأن”، فإنّ هذه الخطوة تستند إلى إجراء سبق أن لجأ إليه رئيس مجلس القضاء الأعلى قبل أشهر، بعد تصريحات مماثلة أطلقها فهمي.
يؤكّد مطّلعون أنّ “مواقف الوزير فهمي أحدثت صخباً ونقمة لدى عدد كبير جداً من القضاة، خصوصاً أنّ كثيراً من القضاة يتفانون في عملهم ويشكّلون رمزاً للنزاهة والاستقامة، وهم شريحة واسعة ضمن الجسم القضائي”
يردّ وزير الداخلية محمد فهمي في حديث لـ”أساس” بالثبات على ما قاله: “أنا مصرّ على موقفي، وأنقل انطباع المواطنين عن القضاء الذي يجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فيما ينحصر النقاش في نسبة القضاة الفاسدين، وليس في مبدأ فساد القضاء”، مؤكّداً أنّ “القضاء لا يُصدر أحكامه في الكثير من ملفات الفساد. وفيفي مرحلة دفن لبنان التي نعيشها، فإنّ القضاء يتجاوز الأمنَ أهميّةً في مسار إعادة ترميم الدولة والمؤسسات”.
وردّاً على اتّهامه بالشعبوية وبإطلاق مواقف سياسية، يردّ فهمي: “أنا أنحني أمام نظافة ونزاهة و”آدميّة” العديد من القضاة، ومواقفي ليست سياسية، وليس لديّ طموحات سياسية. لكنّ القاضي الفاسد يسوّد صورة القضاء كلّه”، معلناً استعداده “للمثول مجدداً أمام القاضي عويدات، إذا اقتضى الأمر. وأنا تحت القانون، وأتحمّل المسؤولية”.
من جهته، يؤكّد المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى لـ”أساس” أنّه “ستُتّخذ إجراءات فعلاً، وستُعرف قريبا”.
ويلفت إلى أنّ “القضاء، مثل أيّ سلطة، بحاجة إلى تنقية ذاتية. وهذه التنقية هي ما يقوم به القضاء، وقد أدّت الى نتائج عملية، إذ بات عشرة قضاة اليوم خارج السلك، وقاضيان ملاحقين جزائياً للمرّة الأولى، وأُحيل أخيراً ستة قضاة إلى المجلس التأديبي، وسيُحاكَمون وفقاً للأصول”.
في السياق نفسه، تقرّ مصادر مطّلعة لـ”أساس” بوجود “العديد من الشوائب في القضاء، كما في كل سلطات الدولة ومؤسساتها، وهذا أمرٌ يدركه الجميع. لكن ما يصدر عن وزير الداخلية باستمرار في حقّ القضاء والقضاة غير مسموح، ويكتسب بعداً شعبويّاً، وقد أثار استياءً شديداً في الأوساط القضائية، فيما يُفترض أن يتحلّى وزير الداخلية بالمسؤولية، وأن يكون ضمن العاملين على بناء الدولة والمؤسسات، لا مشاركاً في هَدمها”، مشيرة إلى أنّ “القضاء يقوم بجزءٍ كبيرٍ من المهمّات الملقاة على عاتقه من دون مؤازرة حقيقية له من السلطة السياسية، وفي ظروف استثنائية وصعبة جداً”.
عَلِم “أساس” أنّ القاضيَيْن اللذين يُلاحقان جزائياً هما رئيس الهيئة الاتهامية في البقاع القاضي أسامة لحام، وقاضي التحقيق الأول في البقاع عماد الزين
وتؤكّد المصادر أنّ “وزير الداخلية، من موقعه، تكلّم بأسلوب فيه الكثير من الاستهزاء الخارج عن الأصول، والذي يسيء إلى نحو 550 قاضياً، هم أبناء هذا المجتمع، ويسيء جداً إلى صورة القضاء اللبناني في الخارج، ويعرقل تنفيذ الأحكام القضائية في المحاكم الخارجية. إذ يستغلّ البعض هذا النوع من التصريحات لربط الاختصاص مع المحاكم في الخارج، بهذا الواقع الذي يُروَّج له، كما في تصريحات محمد فهمي، بأنّ القضاء في لبنان فاسد وغير عادل. وهذا الكلام يدفع أيضاً القضاة المتمسّكين بمناقبيّتهم إلى ترك القضاء، ويمنع استقطاب العناصر الجيّدة وذات الكفاية إلى السلك القضائي”.
وخلال الحلقة التلفزيونية خالف وزير الداخلية الأسبق المحامي زياد بارود، الذي كان ضيف البرنامج نفسه، الوزير فهمي، مؤكّداً “عدم جواز تعميم شبهة الفساد على الأكثرية الساحقة من القضاة، ولا سيّما أنّ العديد من القضاة الممتازين يمثّلون شريحة كبيرة من القضاة النزيهين”.
يُذكر أنّ تجدّد التوتّر القضائي مع وزير الداخلية يحصل في وقت انتهت فيه ولاية مجلس القضاء الأعلى، وذلك في 28 أيار الماضي، بفعل عدم توقيع الرئيس حسان دياب على مرسوم تعيين بدلاء عن الأعضاء المنتهية ولايتهم، إضافة إلى معارك جانبيّة يخوضها بعض القضاة ضد بعضهم الآخر، وملفّات فساد تتطاير فوق رأس السلطتين السياسية والقضائية من دون وصول بعضها المتعلّق بمرتكبين كبار إلى خواتيمها حتى الآن.
وزاد في الطين بلّة اجتماع بعبدا الخارج عن المألوف، الذي جَمَع حاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس شورى الدولة إلى طاولة واحدة، بحضور وزير العدل السابق سليم جريصاتي، وبرئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون. الأمر الذي دفع المحامي والوزير الأسبق زياد بارود إلى القول “مونتسكيو (القاضي والفيلسوف صاحب نظرية “فصل السلطات”) كان عَم يُبرُم بقبرِه”.
وفي العودة إلى تشرين الثاني الماضي، كان القاضي عويدات قد فتح تحقيقاً على خلفيّة تصريحات مشابهة صدرت عن الوزير فهمي، الذي اعتبر يومها أنّ “نسبة 95% من القضاة فاسدون”.
يومئذٍ طلب مجلس القضاء الأعلى، بالتوافق مع مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة، من النائب العام التمييزي اتّخاذ الإجراء القانوني الملائم في حق وزير الداخلية، والطلب من رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل تقديم كل مراجعة قضائية لازمة.
وفي كانون الأول الماضي، مَثَل فهمي أمام مدّعي عام التمييز، وأدلى في إفادته بما يملكه من معلومات عن ملفّات فساد أُحيلت إلى القضاء. وقد تبيّن لاحقاً أنّ عدداً من القضاة كانوا أصلاً مُلاحَقين، ولوحِق آخرون بالاستناد إلى معطيات توافرت بهذا الصدد.
ويوم الخميس، وفي مقابلة مع الإعلامي مارسيل غانم، رَفَع وزير الداخلية نسبة الفاسدين في السلك القضائي إلى 99%، فكان ردٌّ من رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي استغرب “الكلام المتكرّر غير الصحيح وغير المسؤول لوزير الداخلية، والذي يُسهِم في التدمير المُمنهج للمؤسسات”، مؤكّداً أنّه “بصدد اتّخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الشأن”.
وصدر بيان عن رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس رأى فيه أنّ النسبة التي يُحدّدها فهمي “لا تستند إلى أيّ معطى واقعي، ومبالغته الواضحة تشكّل افتراءً واضحاً وتجنّياً لا يمكن أن يصدر عن رجل دولة مسؤول يُفترض أن َيزِن كلماته، وهو ما يُفقِده أيّ صدقية”.
وجاء في بيان القاضي إلياس: “على أثر قيام فهمي في المرّة الأولى بإطلاق مقولته بشأن “وجود نسبة 95% وأكثر من القضاة فاسدة”، اتصل به رئيس مجلس شورى الدولة مستفسراً وطالباً منه أن يزوّده بالملفات التي تثبت أقواله ليُصار إلى اتخاذ الإجراءات القانونية بحقّ أيّ قاض يرد اسمه فيها، فكان أن أرسل إليه ملفّاً يتضمّن أسماء بضعة قضاة وردت في تحقيقات سابقة تتعلّق بما عُرف بملف “سماسرة العدلية”. وكما هو معلوم فإنّ الملفّ موضع متابعة أمام المراجع القضائية المختصّة، ولم يرِد فيه اسم أيّ قاض من بين قضاة مجلس شورى الدولة”.
وقد عَلِم “أساس” أنّ القاضيَيْن اللذين يُلاحقان جزائياً هما رئيس الهيئة الاتهامية في البقاع القاضي أسامة لحام، وقاضي التحقيق الأول في البقاع عماد الزين.
ويؤكّد مطّلعون أنّ “مواقف الوزير فهمي أحدثت صخباً ونقمة لدى عدد كبير جداً من القضاة، خصوصاً أنّ كثيراً من القضاة يتفانون في عملهم ويشكّلون رمزاً للنزاهة والاستقامة، وهم شريحة واسعة ضمن الجسم القضائي”.