كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:
مع تساقط المبادرات الهادفة الى تسهيل ولادة الحكومة الواحدة تلو الاخرى، وآخرها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري ومسعى البطريرك الماروني بشارة الراعي، يسأل اللبنانيون الغارقون في اشدّ الازمات فتكاً بحياتهم على المستويات كافة، الى أين المصير في ظل سيادة طبقة سياسية، تثبت انّ لا همّ لها الّا مصالحها، حتى ولو تحوّل البلد يباباً وخراباً؟.
تقول الفقرة «د» من مقدمة الدستور اللبناني: «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية». وهذه المؤسسات يُعبّر عنها برئيس الجمهورية الذي ينتخبه مجلس النواب والحكومة التي يسمّي النواب والكتل النيابية رئيسها في الاستشارات النيابية الملزمة بنتائجها التي يجريها رئيس الجمهورية، وكذلك تمنحه وحكومته الثقة التي لا يمكنها ان تحكم من دون الحصول عليها.
وعندما وجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رسالة الى مجلس النواب طالباً فيها النظر في موضوع تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، لأنّه «عاجز عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ»، وانّه «لا يزال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبّده، كما يأسر الشعب والحكم ويأخذهما معاً رهينة مساقة إلى الهاوية، متجاهلاً كلّ مهلة معقولة للتأليف، وفي زمن أحوج ما نكون فيه إلى حكومة إنقاذ من دون أيّ إبطاء متعمّد»، حسب الرسالة الرئاسية، التي دعا عون المجلس النيابي الى «اتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب في شأنها لمنفعة الشعب الذي يئنّ ألماً، وهو ينتظر حكومته الجديدة على أحرّ من الجمر(…)».
وقد ردّ مجلس النواب على هذه الرسالة، ونصّ على: «ضرورة المضي قدماً، وفق الأصول الدستورية، لتشكيل حكومة جديدة، بالاتفاق بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية». واكّد انّ «أي تعديل لتكليف الحريري يتطلب تعديلاً دستورياً، ما لم يحصل في الظروف الراهنة. لذا يؤكّد المجلس على ضرورة المضي قدماً للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة».
وقيل في هذا السياق، انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كان في امكانه ان يوجّه المجلس في اي اتجاه يرى فيه مصلحة الشعب اللبناني، ولكن كونه لم تحصل سابقات في ان ينزع المجلس الثقة من رئيس الجمهورية او الرئيس المكلّف، معطوفاً على حساسية الواقع الطائفي والسياسي الذي تعيشه البلاد، تحاشى الدخول في هذا المضمار، وحتى لو من باب التهديد، لعل المعنيين بتأليف الحكومة يرعوون وينجزون الاستحقاق الحكومي بإتفاق على التشكيلة الوزارية العتيدة. كما انّ رئيس المجلس يدرك في الوقت نفسه ان ليس هناك امكانية في هذه الظروف الحساسة لاتفاق الكتل النيابية في ما بينها على اي خطوة من هذا النوع، لأنّها هي الاخرى منقسمة الولاءات بين المعنيين بالاستحقاق الحكومي. فكتلة «المستقبل» وحلفاؤها، فضلاً عن آخرين مؤيّدين للرئيس المكلّف لن يقبلوا بنزع التكليف من الحريري، والامر نفسه ينطبق على رئيس الجمهورية، حيث انّ المؤيّدين له لن يقبلوا بنزع الثقة عنه في حال طُرح هذا الامر جدّياً، ما يعني انّ الاكثريات النيابية المطلوبة، خصوصاً اذا كانت اكثريات الثلثين، لا يمكن تأمينها للنفاذ بأي خطوة من هذا النوع تحت عنوان «آخر الدواء الكي»….
ولذلك، يرى فريق من السياسيين انّ النزاع الدائر حول الاستحقاق الحكومي ليس نزاعاً يتوخّى القيّمون عليه مصلحة لبنان وشعبه، وانما يتوخّون منه تحقيق مصالحهم الخاصة السياسية وغير السياسية، خصوصاً في ظل نقمة الناس والرأي العام عليهم وعلى الطبقة السياسية التي ينتمون اليها، وتتحمّل المسؤولية عن الانهيار الذي تعيشه البلاد. في حين انّ البلدان الطبيعية، والتي تحكمها ديموقراطيات راقية، تسارع الى معالجة ازماتها التي قد تستعصي على الحل، بإجراء انتخابات عامة نيابية وربما رئاسية، تنشأ منها سلطة جديدة تزول معها الازمة السياسية، وتتولّى معالجة بقية الازمات مستجيبة لإرادة الشعب.
ويرى هؤلاء السياسيون انّ المتنازعين على الحكومة والذين يستهلكون المبادرات الخيّرة من دون ان يرف لهم جفن، لو كانوا فعلاً يتحسسون آلام الناس ولديهم غيرة حقيقية على البلد لكانوا استقالوا، فاسحين المجال لغيرهم لكي يؤلّفوا حكومة او يقيموا سلطة تنقذ البلاد من مآزقها. ولكن افتراض وجود حسن نية لدى هؤلاء يقود الى نتيجة واحدة من نتيجتين: إما انّهم ما زالوا غير جاهزين للتنازلات التي يفرضها تأليف الحكومة، واما انّهم يعاندون بغية شدّ عصب سيكتشفون عاجلاً ام اجلاً انّه عصب بات غير قابل للشدّ… وانّ اللبنانيين كفروا بهم وبكل المنظومة السياسية المسؤولة عن انهيار لبنان على كل المستويات، ويتوقون الى انتخاب سلطة جديدة يكون فيها الشعب فعلاً مَصدَر السلطات وليس مُصادَر السلطات كحاله اليوم.