لدى التيار الوطني الحرّ قناعة بأن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري لا يريد تشكيل حكومة كما ليس في وارد الاعتذار عن عدم التأليف؛ ويمكن تصوّره جالساً ينتظر نهاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون. هذه القناعة لا تلغي انتظار ما ستؤول إليه مساعي رئيس مجلس النواب نبيه بري في اليومين المقبلين، وما إذا كانت ستؤدي إلى صيغة «تحفظ الميثاقية والشراكة» في التأليف بين عون والحريري.

في هذه الحالة، تكون العقدة الأساسية قد حُلّت وينتقل الفريقان إلى تشكيل الحكومة. أما إذا فشل مسعى بري وأصرّ الحريري على «التعطيل»، فسيدفعان التيار إلى خيارات أخرى على ما تقول مصادره. فيوم الإثنين الماضي، كان رئيس الجمهورية في صدد إلقاء خطاب تصعيدي ردّاً على كلمة الحريري في البرلمان، «لكن تمّ تأجيلها بناءً على تمنٍّ من رئيس المجلس النيابي». يومها قضى الاتفاق أن تكون المهلة المعطاة إلى الحريري 48 ساعة، مُدّدت إلى 72 ساعة ثم إلى الأربعاء المقبل حين «تنتهي مهلة كل المفاوضات. فإما أن تكون تشكيلة حكومية، وإما البدء بالخطوات التالية التي قد تؤدي إلى إعادة بناء سلطة جديدة من خلال انتخابات جديدة»، يقول الوزير السابق غسان عطالله. وبما أن سحب التكليف غير متاح دستورياً، ترى مصادر التيار أن «لا حلّ سوى بالاستقالة من المجلس النيابي بالتنسيق مع الحلفاء والخصوم حتى تحقق الخطوة مبتغاها بحلّ المجلس».

طرح هذه المسألة ليس «للتهويل»، بل هو خيار يُدرس بتأنّ منذ مدة، على حدّ قول مصادر العونيين. وقد كلّف التيار شركة إحصاءات أجرت ثلاث دراسات انتخابية في الأشهر الثلاثة الماضية، «وكانت كلها، إيجابية بمعنى أن لا خسارة مؤلمة»، على ذمة المصادر نفسها. ففي الخلاصة العونية أن من يحظى بحاصل انتخابي وفق القانون الانتخابي الذي أُنجزت على أساسه انتخابات عام 2018 يستحيل أن ينال حاصلين في الانتخابات المقبلة. وبالتالي يجد التيار نفسه مرتاحاً في عكار والمتن الشمالي وبعبدا والشوف – عاليه، حيث بدأت اجتماعات انتخابية تفصيلية في منزل النائب طلال ارسلان بحضور الوزير السابق وئام وهاب وحزب الله. كذلك يجد التيار نفسه «مرتاحاً» في صيدا – جزين وقد بادر في الأسبوع الماضي إلى زيارة النائب أسامة سعد. أما الأقضية الموضوعة كمحور نقاش على الطاولة، فهي زحلة وكسروان وجبيل. للتيار نائب في زحلة، ووفق الدراسات، «كيفما قلبت المعادلات سيحافظ على مقعده هناك. وفي كسروان وجبيل، نائبان، بعد خروج النائب المستقيل نعمة افرام والنائب شامل روكز من التكتل. هنا أيضاً، تشير الدراسات التي نفّذها التيار إلى أنه سيفوز أقله بمقعد في كسروان وآخر في جبيل، لا بل يمكن زيادة هذا العدد إذا شبك العونيون تحالفاتهم بدقة». أما في بيروت الأولى، فتقول الدراسات، دائماً على ذمة مصادر التيار، إن «النتائج ستبقى متقاربة لا لشيء سوى لأن المجتمع المدني فشل في زيادة أصواته، وبالتالي في حال عمل حزب الطاشناق على حشد مناصريه يمكن الحفاظ على النتيجة نفسها». ففي النهاية، «التيار خسر ما خسره في العامين الماضيين وخرج من تكتله مَن خرج، وبالتالي لن تكون هناك خسارة إضافية». وثمّة ثقة عونية بأن الانتخابات النيابية المبكرة ستكون «ذات فائدة للتيار، وستعيد رسم المشهد عينه مع تغييرات طفيفة لا تفرض واقعاً مختلفاً». ذلك على الرغم من أن التيار، بحسب مصادر مقرّبة من القصر الجمهوري، سيذهب إلى هذا الخيار «مجبراً» لتعطيل تكليف الحريري حتى يتسنّى لرئيس الجمهورية إكمال عهده والقيام بالإصلاحات والتشريعات اللازمة للحدّ من وقع الانهيار الاقتصادي والمالي. وبذلك، الحريري نفسه هو من يقود الرئيس والتيار الوطني الحر إلى حلّ البرلمان رغم أن «لا أزمة برلمانية بل أزمة اقتصادية. وأن الانتخابات النيابية المبكرة لن تحصل قبل 5 أشهر أي المزيد من الوقت الضائع بدل الانطلاق في إصلاحات تشريعية وخطة مع صندوق النقد».

القوات ستضع استقالاتها على الطاولة ما إن يبادر التيار الوطني الحر إلى ذلك

خيار الاستقالة من مجلس النواب الذي بات جدّياً بالنسبة إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أكثر من أي وقت مضى، وهو خيار استراتيجي لن يحصل من دون التنسيق مع بري وحزب الله. لذلك يتركّز الجهد حالياً على إجراء اللازم حتى تكون الاستقالة ذات معنى ولا تأخذ منحى استقالات النواب الثمانية. وهنا يفرّق التيار بين استقالة سريعة من دون أي تنسيق، تقطع الطريق على تعديل قانون الانتخابات الذي يرغب به بري بشدة، وبين تنسيق منظّم يعطي لكل طرف ما يريده. ويدرك العونيون أن عليهم ضمان حلّ المجلس مسبقاً قبل تقديم الاستقالات، حتى تؤدي خطوتهم إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة. فلا مادة في الدستور تتحدث عن حلّ المجلس باستقالة جزء، ولو كان كبيراً، من أعضائه. وبالتالي لا يهم التيار أن يلتقط صورة بطولية ويخرج من البرلمان، بل هدفه الرئيسي ضمان إجراء الانتخابات، وذلك لا يتم إلا عبر قناتين: التنسيق مع رئيس المجلس، والتعويل على إفقاد المجلس الميثاقية عبر استقالة النواب المسيحيين وسيجري ذلك بتنسيق «غير مباشر» مع حزب القوات. في هذا السياق يشير رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات شارل جبور إلى أن «لا تنسيق مع التيار حول الاستقالة، لكن بالنسبة إلينا، إذا اتخذوا هذا القرار، فستأتي استقالاتنا مباشرةً بعدهم. هدفنا معلن: نحن حُكماً نستقيل عند استقالة أي كتلة وازنة». علماً أن نائب الجمهورية القوية سيزار المعلوف نشر يوم أمس تغريدة تصبّ في الإطار نفسه: «باتت استقالتي من المجلس النيابي جاهزة، وسأكون أول من يضعها بين يدَي سمير جعجع عندما يأخذ تكتل الجمهورية القوية هذا القرار. نعم لإعادة تكوين السلطة في صناديق الاقتراع». إلى ذلك الحين، يمسك العونيون الورقة والقلم: الخطوة الأولى في سياق الضغط على الحريري عبر توجيه رسالة رئاسية إلى البرلمان أُنجزت. مبادرة البطريرك بشارة الراعي أفشلها الرئيس المكلّف نفسه. الخطوة المقبلة معلّقة على نتيجة مبادرة بري. إن جاءت سلبية، ثمّة سلسلة إجراءات تبدأ بخطاب لعون يشرح فيه بالتفصيل ما حصل ثم تليه دعوة إلى الحوار وتنتهي بتقديم الاستقالات من المجلس النيابي وإعداد العدّة للانتخابات النيابية المقبلة و… إسقاط الحريري.