شعار ناشطون

“حرب السّلاح” تُهزم في الصّناديق

23/05/25 06:25 am

<span dir="ltr">23/05/25 06:25 am</span>

كلير شكر – اساس ميديا

على الرغم من محدودية الخلاصات المعبّرة، الناجمة عن نتائج الانتخابات البلديّة، غير أنّ العين الدبلوماسية عليها. ثمّة رصد دقيق لما فرزته صناديق المدن والبلدات الكبرى، حيث يمكن مقاربة الأرقام بمنظار سياسي له مؤشّراته ودلالاته، لا سيما في الملعب الشيعي. يكفي أن يتمكّن الثنائي، وتحديداً “الحزب”، من تحصين بيئته في بلديّات البقاع، وتقديم نفسه رافعة لا مفرّ منها في العاصمة لحماية المناصفة، بعدما أقفل بلديّات الضاحية الجنوبية، لكي تكون رهانات الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتّحدة الأميركية، لفرض التغيير في برلمان 2026، “صفريّة” بامتياز!

الأرجح أنّ الجولة الثالثة من الانتخابات كانت أكثرها أهمّية بالنسبة للمجتمع الدولي، لأنّها الاختبار الأوّل والحقيقي لعلاقة “الحزب” مع محيطه الشيعي تحديداً، بعد كلّ الأحداث الكبيرة التي حصلت منذ اندلاع حرب الإسناد. الاختبار المفصليّ سيكون غداً السبت في الجنوب المدمّر حيث يقوم “الحزب” بتسليم سلاحه على بقعة التماسّ المؤلم. ومع ذلك، كانت البروفا الأولى في البقاع، وفي بعلبك تحديداً، ناجحة بالنسبة لـ”الحزب”، حيث تمكّن من تطويق معاقله البلديّة، ليثبت بالورقة والقلم، وبالأرقام الدامغة، أنّ الضغط الذي يُمارس عليه لن يزيد ناسه إلّا تصلّباً وتشدّداً في مساندته والوقوف إلى جانبه.

ثمّة رصد دقيق لما فرزته صناديق المدن والبلدات الكبرى، حيث يمكن مقاربة الأرقام بمنظار سياسي له مؤشّراته ودلالاته، لا سيما في الملعب الشيعي

تبيّن الوقائع التي عكستها الأرقام أنّ سلسلة الضربات التي تعرّض لها “الحزب”، والتي كان يُعتقد أنّها ستساهم في تفكيك بنيته التنظيمية، لا سيما الاجتماعية، وانقلاب بيئته ضدّه، انعكست مفاعليها بشكل إيجابي عليه، على نحو فاجأ الدبلوماسية الغربية المعنيّة بالملفّ اللبناني، كما يقول متابعون، بسبب خشية شرائح كبيرة من الشيعة، حتّى أولئك الذين لا يناصرون “الحزب” في مساره العسكري، واستفرادهم كطائفة وتعرّضهم للاستهداف والتهميش.

الخوف من المحيط

أكثر من ذلك، ثمّة من يعتقد أنّ الأحداث الدموية التي تعرّضت لها الأقليّات في سوريا رفعت من منسوب المخاوف لدى الكثير من الشيعة، لا سيما أبناء البقاع والهرمل وبعلبك من المحيط القريب، فزادت مبرّرات تمسّكهم بالسلاح تحت عنوان الحماية. ويجعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في التلال الخمس في الجنوب وتواصُل الاعتداءات اليومية من مسألة السلاح حاجة ماسّة لا يجوز التخلّي عنها، بنظر الكثير من الشيعة، في هذه الظروف الصعبة.

كلّها عوامل حيّة لا يمكن نزعها من صناديق الاقتراع التي ستُفتح في الانتخابات النيابية المقبلة ومن المرجّح أن تلعب دوراً مؤثّراً في النتائج، بشكل يحول دون تحقيق أيّ خرق في صفوف المقاعد الشيعية الـ27، فيحول الثنائي دون تسرّب أيّ نائب من تحت عباءته. وهذه مسألة بالغة الأهمّية بالنسبة للثنائي، كما للمجتمع الغربي الذي يراهن على إحداث خرق، ولو أحاديّاً، لتغيير موازين القوى في البرلمان أوّلاً، ثمّ في تأليف الحكومات ثانياً. ولكن يبدو أنّ ما أنتجته صناديق البلديّة أسقط الرهانات على انقلابات منتظرة في صيف 2026.

حتّى الآن، لا تبدي واشنطن تفهّمها لكلّ الاعتبارات السياسية والتقنيّة، وتواظب وفق المتابعين على ممارسة الضغط لاستعجال نزع مخالب “الحزب” ليصير تنظيماً سياسيّاً

واشنطن مستعجلة

من زاوية السلاح هذه، يسود الاعتقاد أنّ واشنطن تسعى إلى توظيف الوقت بشكل سريع، بمعنى الاستفادة من الظروف الصعبة التي يمرّ بها “الحزب” للضغط عليه أكثر باتّجاه تفكيك بنيته العسكرية. ولذا لا تأبه لكلّ محاولات التهدئة التي تمارسها تارة باريس، وتارة القاهرة في سبيل التخفيف من وطأة الضغط على السلطة اللبنانية تحت عنوان أنّ تسليم سلاح “الحزب” يحتاج تقنيّاً إلى وقت طويل لا يجوز اختزاله بأسابيع أو أشهر، فكيف إذا كان “الحزب” لم يبدِ موافقته بعد على تسليم كلّ سلاحه؟!

ما تقوله المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس في العلن، تردده أمام لبنانيين تلتقيهم في واشنطن، ومفاده أنّ الخطوات المطلوبة من السلطة اللبنانية تستنزف الكثير من الوقت ويفترض أن تكون بوتيرة أسرع، مؤكدة أنّها تملك مقترحات في ما خصّ الاحتلال الإسرائيلي، وأنّها قدمت للإسرائيليين خطة للانسحاب من المواقع المحتلة مقابل خطوات من الجانب اللبناني في ما خصّ السلاح، وهي تشكو من عدم تجاوب السلطات اللبنانية إزاء أفكار عرضتها عليهم.

حتّى الآن، لا تبدي واشنطن تفهّمها لكلّ الاعتبارات السياسية والتقنيّة، وتواظب وفق المتابعين على ممارسة الضغط لاستعجال نزع مخالب “الحزب” ليصير تنظيماً سياسيّاً لا يختلف عن بقيّة الأحزاب والتنظيمات، لأكثر من سبب:

– إنّها لحظة مفصليّة قد لا تتكرّر حيث تقاطعت الظروف التي تتيح ممارسة كلّ أنواع الضغوط على “الحزب”، سواء على المستوى العسكري من خلال الاعتداءات العسكرية، أو على المستوى الداخلي من خلال منع قيام ورشة إعادة الإعمار ونهوض البلد إذا لم يحصل التسليم في وقت قريب. وهو ما يعني أنّ الأميركيين يعتقدون بضرورة تسريع مهمّة الجيش في تفكيك ترسانة “الحزب”، على قاعدة it’s now or never.

– انعدام ثقة الأميركيين بسلوك “الحزب”، بمعنى أنّهم لا يصدّقون أنّه بطور تسليم سلاحه، لا بل يتعمّد المماطلة لشراء الوقت لإعادة تنظيم صفوفه وتعزيزها، وإذا ما أهمِل سلاحه فقد يستعيد بنيته العسكرية ويطوّرها مع الوقت. من هنا العمل السريع لتفكيكها وتفريغها.

الوقت لن يبدّل في الأساس

لكنّ عامل الوقت هذا، الذي يُعتقد أنّ “الحزب” يراهن عليه لتحسين موقعه ربطاً بالمفاوضات الأميركية – الإيرانية، لا يراه المتابعون مؤثّراً في مصير السلاح، بمعنى سماح الولايات المتحدة في حال التوصّل إلى اتّفاق مع طهران، بإعادة تسليح “الحزب”، لأنّها مسألة محسومة، وليست موضع مساومة أو تفاوض، انطلاقاً من التغيير الكبير الذي يشهده الإقليم ومن موقف دول مجلس التعاون الرافض أيضاً لبقاء السلاح. وهو ما يعني أنّ أيّ تطوّر قد يحصل فيما لو حصل الاتّفاق، لن يتجاوز مكانة “الحزب” السياسية، كما يرى المتابعون.

بالتوازي، يقول هؤلاء إنّ ملفّ ماليّة “الحزب” التي تمرّ عبر “القرض الحسن”، لا يقلّ أهميّة عن ملفّ السلاح، وقد يكون موضع تركيز مصرف لبنان في المرحلة المقبلة بسبب الضغط الأميركي الهادف إلى تجفيف كلّ مصادر تمويل “الحزب”.

تابعنا عبر