
كلير شكر – اساس ميديا
بات معروفاً أنّ المراوحة سيّدة الموقف في الحوار الذي ينادي به رئيس الجمهورية جوزف عون للجلوس إلى طاولة ثنائية مع “الحزب” لمعالجة مسألة السلاح. لا خطوة في الأمام، ولا أخرى إلى الوراء. انتظار وترقّب ملتبسان يخفيان الكثير من التساؤلات المرتبطة بالظروف والأوضاع والمستجدّات الدولية، لا سيما المفاوضات النووية… ودور “الحزب” في المرحلة المقبلة. فإلى متى؟
تؤكّد مصادر رسمية أنّ مشروع الحوار “الهادئ”، الذي يريده رئيس الجمهورية مع “الحزب”، لم يبارح مكانه. اقتصر الأمر على رسالة أودعتها الرئاسة الأولى الضاحية الجنوبية، بموازاة مسار تفاوضي مكتوم، وبعيد عن الضجيج الإعلامي، يقوده رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع “الحزب” في الاتّجاه ذاته الذي يسلكه الرئيس عون، والمضمون ذاته. إذاً الطابة صارت في ملعب “الحزب” الذي يُنتظر أن يبادر باتّجاه ترجمة النوايا الطيّبة التي عبّر عنها في ردّه المبدئي على طلب الحوار، من خلال إبداء استعداده للجلوس إلى طاولة نقاش ثنائية مع رئيس الجمهورية.
أمّا عن خارطة طريق هذا الحوار فتلخّصها المصادر بالوثيقتين اللتين وقّع عليهما “الحزب” من خلال وزرائه، والمقصود بهما: اتّفاق وقف إطلاق النار الذي صادق عليه “الحزب”، والبيان الوزاري لحكومة نوّاف سلام. وذلك لجهة الإقرار بحصريّة السلاح بيد الدولة اللبنانية وعلى كامل أراضيها، وباحتكار قرار الحرب والسلم بيدها أيضاً.
بهذا المعنى، يصير الكلام عن استراتيجية دفاعية، كما ذكر الأمين العامّ لـ “الحزب” نعيم قاسم في خطابه الأخير حين عدّد قواعد هذه الاستراتيجية، محاولة جديدة لكسب مزيد من الوقت لا أكثر، لأنّ رئيس الجمهورية تحدّث بشكل واضح عن استراتيجية أمن وطني شاملة تحصر السلاح بيد الدولة من دون سواها.
تؤكّد مصادر رسمية أنّ مشروع الحوار “الهادئ”، الذي يريده رئيس الجمهورية مع “الحزب”، لم يبارح مكانه
تباين واضح
إذاً التباين واضح بين ما تطمح إليه السلطة في لبنان، مدفوعة بضغط دولي ينزع منها كلّ الخيارات ويترك لها خياراً واحداً هو العمل على حصر السلاح بيدها، وبين ما يريده “الحزب”، أقلّه في المرحلة الراهنة، من خلال تمسّكه بالسلاح شمال الليطاني أطول مدّة ممكنة.
لا يعني هذا التباين أنّ “الحزب” غير مدرك للتطوّرات الحاصلة معه ومن خلفه. تدلّ كلّ المؤشّرات على أنّه صار في مربّع جديد، غير ذلك الذي كان فيه طوال عقود ومنذ نشأته. يعرف أنّ خيارات استخدام السلاح بوجه إسرائيل باتت موضع نقاش عميق بفعل الهوّة الضخمة بين التكنولوجيا الإسرائيلية وطبيعة سلاح “الحزب”، وأنّ القعر الذي بلغه الوضع الداخلي، اقتصادياً وإنمائيّاً ونقديّاً، يضع لبنان، سلطة وقوى سياسية، في الزاوية.
هنا يكفي التأكيد أنّ مؤتمر الدعم الذي وعدت به باريس ليكون انطلاقة الورشة الإعمارية، قد تأجّل إلى الخريف (موعد غير مؤكّد أيضاً)، ذلك لأنّ المجتمع الداعم، والسعودية في طليعة الدول المانحة، غيّر في سلوكه تجاه لبنان. إذ كانت مؤتمرات الدعم تقوم على أساس وعود السلطة اللبنانية الإصلاحية، لتوثّق الدول المانحة شروطها للدعم. أمّا الآن فلا وعود قبل أن تثبت السلطة اللبنانية بالقوانين والقرارات أنّها انتقلت إلى مصافِ الدول الإصلاحية. أمّا غير ذلك فالأموال ستبقى مقفلة في حسابات الدول المانحة، غير المستعجلة أبداً. لا بل يقول دبلوماسيون غربيون إنّ شرط توقيع اتّفاق مع صندوق النقد الدولي صار إلزاميّاً لخلع القفل عن المساعدات، توازياً مع شرط بسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، حتّى لو اختلفت المقاربات الدولية، بين مقاربة أوروبية ليّنة وأخرى أميركية متشدّدة، لكنّها تصبّ كلّها في هدف واحد.
تعترف قيادة “الحزب” في قرارة نفسها، وفق عارفيها، بأنّ دور “السلاح” ومصيره باتا على الطاولة
لعبة كسب الوقت
لهذا تعترف قيادة “الحزب” في قرارة نفسها، وفق عارفيها، بأنّ دور “السلاح” ومصيره باتا على الطاولة. وكلّ السيناريوهات معروضة للنقاش. لكنّ هذا لا يمنع استخدام “الحزب” لعبة كسب الوقت، لأكثر من اعتبار:
ترقّب مسار المفاوضات الأميركية – الإيرانية ومصيرها. وفق مصادر متابعة، لا يمكن إسقاط هذا العامل من رزمة الاعتبارات التي تدفع “الحزب” إلى التريّث قليلاً قبل خوض نقاش رسمي جديّ في مصير سلاحه. هذا مع العلم أنّ الرهان على المفاوضات لا يمنح “الحزب” الكثير من الوقت، بعدما وضعت الإدارة الأميركية مهلة ستّين يوماً لحسم هذه المفاوضات، يفترض أن تنتهي في 12 أيّار المقبل، ربطاً بموعد 12 آذار الماضي تاريخ تسليم رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي.
بهذا المعنى، وضع كُثر تصعيد “الحزب” لموقفه، الذي عبّر عنه قاسم في خطابه الأخير، بمنزلة ورقة ضغط تستخدمها طهران في ماراتون مفاوضاتها مع واشنطن.
يرى المتابعون، المؤيّدون للمسار الحواريّ اللبناني، أنّ هذا الرهان لن يكون في مصلحة “الحزب” لأنّ طهران باتت تفاوض على نظامها، وهو ما يعني أنّ توظيف عامل الوقت لن يغيّر في الجوهر.
التفكير ملّيّاً في مستقبل “الحزب” ودوره، والعمل على صياغة إخراج يقنع الرأي العامّ الشيعي بالتحوّلات الحاصلة، وتقديمه على أنّه انتصار لا هزيمة. ولهذا من غير المنتظر أن يخرج “الحزب” بخطاب يعلن فيه التخلّي عن سلاحه، على شكل استسلام، ومن غير المتوقّع أن نشهد على احتفالية رسمية تتمّ خلالها عمليّة تسليم وتسلّم بين الجيش و”الحزب”.
كلّها سيناريوهات غير واقعية. ومن الطبيعي أن يستنزف هذا التحوّل الكثير من الوقت قبل أن يبلور “الحزب” مصيره ودوره في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ الانتخابات النيابية باتت على الأبواب، والأرجح أنّه يفضّل خوضها قبل تسليم سلاحه. هذا مع العلم أنّ الحملة التي يتعرّض لها داخلياً، تحت عنوان “نزع سلاحه”، تساعده على شدّ عصب جمهوره وبيئته، ولا تضرّه أبداً.
دور برّي مؤثّر
في المقابل، يقول المتابعون، المؤيّدون للمسار الحواريّ اللبناني، إنّ المجهود الذي يبذله رئيس مجلس النواب في سياق حواره الداخلي مع “الحزب”، هو عامل مؤثّر جدّاً في إقناع “الحزب” باتّجاه المبادرة الحواريّة مع الرئاسة الأولى، خصوصاً أنّ التباين الشيعي – الشيعي هو خطّ أحمر يحاذر “الحزب” تجاوزه. ومن هنا التعويل على هذا الدور.