
نجم الهاشم – نداء الوطن
بالتزامن مع تصعيد لهجة “حزب الله” ضد الحديث عن نزع سلاحه والعودة إلى التهديد بقطع الأيدي، وقع انفجاران خلال عمل الجيش اللبناني على مصادرة أسلحة تابعة لـ “الحزب”، أو خلال نقلها، أديا إلى استشهاد أربعة عسكريين، الأمر الذي طرح علامات استفهام كثيرة حول طبيعة هذه الحوادث وعمّا إذا كانت عرضية، أو متعمّدة تستهدف منع الجيش من استكمال عمليات جمع الذخائر والأسلحة، ووقف الحديث عن نزع سلاح “الحزب”.
لم يكن من الممكن الربط بين هذه الانفجارات الغامضة وبين القرار الرسمي بحصر السلاح بالمؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية وبنزع سلاح “الحزب”، لو لم تترافق مع تصعيد في لهجة “الحزب” والرفض المطلق لهذا المسار ومحاولة إخراجه من التداول وبالتالي وقف تنفيذه.
التصعيد في المواقف وتكرار الأحداث الأمنية يكشف عن عمق الأزمة بين العهد الجديد وبين “الحزب”. فالطرح بحد ذاته يضع الطرفين في موقعين متعارضين يهددان بالانفجار غير المحسوب النتائج الذي يفسر التردّد والتروّي الرسمي، ولكن من دون التراجع بعد أمام “الحزب”، ومن دون إسقاط التعهّد بحصرية سلاح الدولة وتنفيذ مندرجات اتفاق وقف النار والقرارات الدولية 1559 و1680 و1701.
القرار اتُّخِذ والقطار انطلق
المواقف الرسمية تظهّرت على أكثر من مستوى، من خلال زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل في 21 نيسان الحالي لثكنة عصام شمعون في النبطية، حيث التقى ضباطاً وعسكريين من فوج الهندسة، وقدم إليهم التعازي بشهداء الفوج الثلاثة الذين استشهدوا قبل يوم واحد من جراء انفجار ذخائر كانوا ينقلونها بآلية عسكرية في بلدة بريقع – النبطية. وتظهّرت أيضاً من خلال مواقف رئيس الحكومة نوّاف سلام الذي أكّد على تنفيذ البيان الوزاري وحصرية السلاح بيد الأجهزة الرسمية، وتأكّدت أيضاً من خلال التفاف سياسي كبير حول الجيش والمهمة التي ينفّذها.
ولكن الموقف الرسمي الأهم عبّر عنه رئيس الجمهورية جوزاف عون من بكركي يوم عيد الفصح رداً على مواقف “حزب الله” حيث قال: “أؤكد أن هذا الموضوع لا يُناقش عبر الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن عبر مقاربة مسؤولة وحسّ وطني… وعندما تحدثت في خطاب القسم عن حصرية السلاح، لم أقل ذلك لمجرّد القول، بل لأنّني على قناعة بأنّ اللبنانيين لا يريدون الحرب… وليصبح هذا الأمر واقعاً، فعلى القوات المسلحة اللبنانية أن تصبح المسؤولة الوحيدة عن حمل السلاح وعن الدفاع عن سيادة واستقلال لبنان… أي موضوع خلافي في الداخل اللبناني لا يقارب إلا بالتحاور والتواصل وبالمنطق التصالحي وليس التصادمي، وإلّا سنأخذ لبنان إلى الخراب. فلا أحد يتحدث معي عن توقيت ولا عن ضغوطات، فحصر السلاح تحدثنا عنه في خطاب القسم، وسننفذه وقد اتخذ القرار بشأنه، ولكن علينا أن ننتظر الظروف المناسبة لذلك، والظروف هي الكفيلة بتحديد كيفية التنفيذ… إن قطار قيامة لبنان انطلق ولا أظن أنّ أحداً يمتلك ذرّة من المسؤولية الوطنية سيعرقل هذا القطار…”.
من السفير إلى سائر “حزب الله”
كلام الرئيس المتحسِّب لخطورة المرحلة وتأكيده على المنطق التصالحي، لا يعكسان في الواقع الطريقة التي يقارب فيها “حزب الله” هذا الموضوع. ذلك أنّ إعلانَه رفض نزع سلاحه لم يكن مجرّد موقف، بل اقترن بالتهديد وأتى في سياق حملة منظّمة بدأت في إيران وامتدت إلى لبنان وكأنّ هناك كلمة سرّ أُعطيت وانطلقت الحملة.
في 18 نيسان كتب السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني على صفحته على موقع “إكس”: إن مشروع نزع السلاح هو مؤامرة واضحة ضد الدول. ففي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأميركية تزويد الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة والصواريخ، تمنع دولاً من تسليح وتقوية جيوشها، وتضغط على دول أخرى لتقليص ترسانتها أو تدميرها تحت ذرائع مختلفة. وبمجرد أن تستسلم تلك الدول لمطالب نزع السلاح، تصبح عرضة للهجوم والاحتلال، كما حصل في العراق وليبيا وسوريا. ونحن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية نعي خطورة هذه المؤامرة وخطرها على أمن شعوب المنطقة. ونحذر الآخرين من الوقوع في فخ الأعداء. إن حفظ القدرة الردعية هو خط الدفاع الأول عن السيادة والاستقلال ولا ينبغي المساومة عليه”.
هذا الموقف الحاسم للسفير أماني أتى بعد تهديدات أطلقها عدد ممن تبقى من قادة “الحزبً، من الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، إلى المسؤول الأمني الحاج وفيق صفا ونائب رئيس المجلس السياسي الحاج محمود قماطي في سلسلة مترابطة من المواقف، بدأت في 14 نيسان الحالي بهذه اللهجة التهديدية واستمرّت من دون توقف.
ولكن ماذا حصل في 14 نيسان؟
قتل جندي في الجيش اللبناني في انفجار “جسم مشبوه” أثناء تفكيك ألغام ومواد متفجرّة في نفق في منطقة صور. وقال الجيش في بيان مقتضب إنه “أثناء إجراء وحدة مختصة من الجيش مسحاً هندسياً لأحد المواقع في منطقة وادي العزية – صور، انفجر جسم مشبوه ما أدى إلى استشهاد عنصر من الوحدة وإصابة 3 بجروح متوسطة”. ما لم يقله الجيش في بيانه ربّما عبّر عنه الرئيس جوزاف عون الذي أعرب عن ألمه وقال: “مرة جديدة يدفع الجيش اللبناني من دماء أبنائه ثمن بسط سلطة الدولة على الجنوب وتحقيق الاستقرار فيه من خلال تنفيذ القرار 1701”.
في 14 نيسان أيضاً، وقبل تغريدة السفير أماني، دُعِيَ عدد من الإعلاميين إلى لقاء في السفارة الإيرانية في بيروت مع مسؤول إيراني رفيع، طلب عدم ذكر اسمه، وذلك من أجل إبلاغهم موقفاً إيرانياً رسمياً فيه رفض قاطع لنزع سلاح “حزب الله”، بهدف نقل رسالة إلى السلطات الرسمية بأن “انسوا تسليم السلاح”.
ماذا حصل في 20 نيسان؟
استشهد ضابط وعسكريان في الجيش وأصيب عدد من المواطنين نتيجة انفجار ذخائر، أثناء نقلها داخل آلية عسكرية في منطقة بريقع – النبطية. البيان الذي صدر عن قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه قال إن “الوحدات المختصة في الجيش تُجري التحقيقات اللازمة لكشف ملابسات الحادثة”. ولكن ماذا يمكن أن تكشف هذه التحقيقات وهل يمكن أن تجيب على الأسئلة المطروحة بعد هذه العمليات والتفجيرات؟ وهل الأجوبة تتعلّق بالمستوى الأمني فقط؟ أم يجب أن تذهب إلى المستوى السياسي؟
من هذه الأسئلة مثلاً:
• هل يكشف الجيش على مواقع “الحزب” العسكرية بالتنسيق مع “الحزب” وبوجود عناصر منه تساعد في عمليات الكشف والنقل؟ بمعنى آخر هل تحصل العمليات حبِّياً وبالتفاهم مع “الحزب” وبموافقته وتسهيل منه؟
• هل هناك تفاهم من هذا النوع قد يكون الجيش تجاوزه نحو الدخول إلى مواقع لا يريد “الحزب” أن يدخل إليها؟ أو مصادرة ذخائر لا يريد مصادرتها؟
• هل يقوم الجيش بعمليات سيطرة على المواقع العسكرية ويبقى فيها وينقل منها الإسلحة والذخائر بعد فحصها والتأكد من خلوّها مما قد يفجّرها؟ وما هي احتمالات الأخطاء غير المحتسبة في هذا المجال؟
• هل المواقع التي يدخل إليها الجيش سبق وتعرضت للقصف الإسرائيلي جنوب الليطاني أو حتى شماله؟ أم هي مواقع لم تتأثّر بالقصف ولا تزال سليمة؟ أي هل الأسلحة والذخائر التي يتم نقلها تعتبر تالفة أصلاً وغير صالحة للاستعمال ويجب التخلص منها في جميع الأحوال؟
• هل النفق الذي انفجر في صور سبق ودخلته قوات إسرائيلية مثلاً؟ وهل فخّخه الإسرائيليون؟
• هل الذخائر التي انفجرت في الآلية العسكرية على طريق النبطية – بريقع كانت سليمة وكيف تمت مصادرتها وكيف تم فحصها قبل نقلها؟ وهل انفجرت نتيجة خطأ أو تقصير في الكشف عليها؟ أم أنّها كانت مفخّخة بطريقة محترِفة لتنفجر أثناء النقل وذلك عبر عبوة تنفجر نتيجة الاهتزازات أم عبر عبوة موقتة؟
• هل ستجمد هذه العمليات مهمة الجيش في مصادرة الأسلحة والذخائر موقتاً من أجل إعادة تقييم أمنية شاملة للإجراءات المعتمدة لتلافي تكرارها؟ أم أنه سيوقف هذه العمليات بانتظار جلاء المواقف السياسية على ضوء اعتراضات “حزب الله” على نزع سلاحه؟
إذا كان رئيس الجمهورية يرفض ربط موضوع تسليم السلاح بمهل زمنية ويؤكد أن قرار حصرية السلاح قد اتخذ، وأن قطار قيامة لبنان انطلق، فمتى يبدأ العد العكسي لتنفيذ هذا القرار؟ وهل الحوار في هذه المسألة ممكن بعد المواقف الرافضة التي أعلنها “حزب الله”؟ على ماذا يمكن التحاور إذاً؟ ومن يجب أن يتنازل؟ “الحزب” أم الدولة؟
لا شك في أن العهد الجديد يواجه أزمة في التعاطي مع “حزب الله” تبدأ من إحراق يافطات “عهد جديد للبنان” التي رفعت على طريق المطار ولا تنتهي بآخر قذيفة يمكن أن يصادرها الجيش. المسألة تتعلّق بمن يتراجع أولاً. ولا يمكن أن يتراجع العهد الجديد للبنان أمام “الحزب” والعهد القديم.