
استضافت ثانوية السفير الحكواتية الدكتورة سارة قصير في لقاء بعنوان “حكاية ورا حكاية ” ، وذلك في قاعة مسرح الثانوية بحضور الهيئة العامة للثانوية وجمع من الأهل والضيوف وطلاب المرحلة الثانوية.
رغم أنها لا تستعين بكتاب تقرأ منه قصصها، كانت سارة قصير أمام جمهور “السفير” كتابًا مفتوحًا على زمن السرد الجميل، دغدغت مخيّلاتهم ، وأنعشت لدى الكبار ذلك الحنين لحكايا الجدة وقصص ما قبل النوم، وأعادت للصغار دهشة الحكايات التي حرمتهم إياها الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.
بحبكة القاصّ المتمكّن من سرديته، وبما تمتلك من مخزون قصصي ومن قدرة على تجسيد القصة إلى درجة التماهي مع شخصياتها الرئيسية، أبهرت سارة قصير الحضور ونجحت في امتلاك مفاتيح إصغائهم حينًا واستفزاز تفاعلهم وتحفيزهم حينًا آخر. وانتقلت بهم من حكاية إلى حكاية ، ومبتدأ كل حكاية فكرة، وخبرها حكمة أو رسالة ! وتشاركت معهم حكاية شغفها بالمسرح وما واجهته في كل منها من تحدّيات وحواجز تخطّتها بنجاح وبإصرار على تحقيق حلمها، فأصبحت هي الحكاية .
خازم
استهلّ اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني ونشيد “السفير”، وتقديم من الأستاذ حسن خازم اعتبر فيه ” أن التاريخ بدأ عندما حُكيَت أوّل حكاية وعندما قرّر أوّل إنسان أن يحيك بصوته الخافت قصصًا وحكاياتٍ تردّد صداها بين تراب الأرض وأعمدة السّماء”. وقال: ” بين أعماق الحكاية وأبعاد الحياكة ارتباط وطيد. فمن يحكي يحيك. من يحكي الكلام يحيك الأفكار بقوالب انسيابيّة آسرة للأسماع. والحكاية أجود مصانع السّرديّات التي ترسم مصيرنا ومستقبلنا. والحكاية هي مسؤوليّة المعتصمين بحبل الحقّ، والسلاح الأنبل والحجر الأساس في مواجهة كل باطل وكلّ جهل. الإنسان الحق: نسبه كلمته، نفسه كلمته، نسله كلمته. الكلمة مرآة النّفس البشريّة ومهد العقول. أفلح من عقل كلمته”.
ناصر الدين
وبعد عرض فيديو من إعداد ثانوية السفير بعنوان ” سارة قصير… نبض الحكاية”، ألقى مدير الثانوية الدكتور سلطان ناصر الدين كلمة ، فقال: ” كان يا ما كان، في ما مضى من الأيّام ، كانت هناك حكاية؛ الحكاية تسير على قدمين ، تحييها الألسنة؛ الألسنة ، مع مرور الأيّام ، تُهملُ الحكاية؛ الحكاية تحزن وتبكي دموعًا جمريّة؛ الدّموع الجمريّة تنده وتسأل النّاس؛ النّاس لا يبالون؛ اللّامبالاة تكاد تئد التّراث؛ التّراث ينده ويسأل النّاس؛ النّاس لا يسمعون ” كان يا ما كان “؛ ” كان يا ما كان ” يلهم فتاة قمحيّة؛ الفتاة القمحيّة تحضن الحكاية؛ الحكاية يبرعم منها صوت؛ الصّوت دافئ عميق ، فيه ذاكرة خضراء؛ الذّاكرة الخضراء ترتّبها أنامل من خيال؛ الخيال يرقص في عينيها ويسكن نبرتها؛ نبرتها تُحيي المكان والزّمان بكلمات؛ الكلمات أجنحة؛ الأجنحة شخصيّات؛ الشّخصيّات تحيا، تتنفّس ، تتألّم ، تبكي ، تضحك وتزرع الأمل على خشبة المسرح؛ المسرح بيتٌ دافئ للحكايات؛ الحكايات تبتسمُ حين تحكيها بحبّ وشغف حكواتيّة؛ الحكواتيّة سارة قصير”.
تقي
واعتبرت منشّطة نادي الحكواتي في الثانوية الأستاذة أمل تقي أن” الحكي ورواية القصص من أهم وسائل التواصل الإنساني، لأنّنا من خلال الحكي نُعبّر عن الوجدان، وننقل التجارب، ونتشارك المعرفة، ونُعطي للأشياء لونًا وشكلًا ومعنًى وطعمًا. والحكواتي ظاهرةٌ اجتماعية شعبية قديمة، تنتمي إلى الفلكلور العربي، وهي تعتبر من أهم وسائل الترفيه والتسلية وتحريك الخيال وصناعة الثقافة”. وقالت: “ونحن في نادي الحكواتي في ثانوية السفير، نعمل على إحياء هذه الظّاهرة من خلال النّشاطات التي نقدّمها، حرصًا منّا على أهمية المحافظة على إرثنا الثقافي والقيمي. فنشاط اليوم يحمل قيمًا تفيد المجتمع والطلاب ، وتمنحهم حافزًا لأن يعطوا أكثر ولأن يحققوا هدفهم بطريقة صحيحة “.
نخلة
وقال مسؤول الأندية والأنشطة في الثانوية الأستاذ نقولا نخلة أن” حكايات الحياة كثيرة، ونحن من خلال نظرتنا وطريقة تفكيرنا الإيجابيّة نستطيع أن نجعلها أجمل ونرسم لها نهايات سعيدة ، والأهمّ من ذلك هو استخلاص العبر وتعلّم الدروس وكيف نتجنّب الأخطاء ونواجه الصعوبات بروح الإيجابيّة والتفاؤل . كل إنسان لديه حكاية في الحياة أو تجربة شخصية يتعلم منها الكثير. والتحدي أن تتعلم مما تعيشه وتختبره في الحياة، فكيف إذا كنت تسمع هذه الحكايات من أحد يقصها عليك ويلفت نظرك إلى أمور لم تكن تنتبه لها. فكم نتعلم وكم يتعلم التلميذ عندما يسمع حكايات واقعية أو قديمة استطاع من خلالها أيضًا أن يغذي طموحًا او شغفًا لديه. أنشطتنا في ثانويّة السفير حياة ! أنشطتنا حكاية بحدّ ذاتها “.
قصير
بعد ذلك تحدثت الحكواتية قصير ، فشكرت إدارة وأسرة ثانوية “السفير” على هذه الاستضافة والحفاوة التي استقبلت بها، وقالت:” كم جميل أن يشعر الإنسان أنه بين أهله وناسه، وأن الفن الذي يقدمه يصل إلى القلوب. العرض الذي أقدمه اليوم أسميه عرضًا تحفيزيًّا خاصة وأنني أقف أمام طلاب القسم الثانوي، ويهمني أن أوجه هذه الرسالة لكم وأمام أهلكم. وأعتز بهذا اللقاء معكم . ويومًا ما سأحكي حكاية السفير” .
ثم بدأت سارة قصير تقص بعضًا من حكاياتها ، فاستطاعت سريعًا أن تكسر حاجزَي المسافة والصمت بين المسرح وبين الجمهور، بروحها المرحة وحضورها المستأنس وخبرياتها الطريفة و”قفشاتها ” المهضومة وأسلوبها المشوق في السرد.
بـ”كان يا ما كان” لازمة بداية الحكاية، استهلت سارة سردياتها المحكية بأداء الفنان المبدع : بحركات يديها، بتعابير وجهها، بترفيع صوتها تارة وتضخيمه تارة أخرى، تنفذ بحكاياها إلى القلوب والمخيلات، قبل أن تحاكي العقول. تندمج تارة في سرد القصة ، وتارة أخرى تكون هي القصة. لا تكتفي بامتلاك مفاتيح إصغاء الجمهور ، بل تتشارك معه تجسيد وقائع الحكاية مستعينة بــ” من يناسبه الدور” لإيصال الفكرة ، قبل أن تنتقل لتحكي حكاية شغفها بالمسرح منذ صغرها وما واجهته من تحدّيات ومواقف صعبة لم تنل من عزيمتها وإصرارها على متابعة دراستها وإثبات ذاتها وموهبتها وقدرتها على التميّز.
في ختام العرض دعت سارة الطلاب لأن يتمسكوا بما يؤمنون به وأن يسعوا دائمًا للمعرفة والسؤال عن كل شيء ، ولأن لا يخافوا أن يغردوا خارج سرب التقليدي والمألوف و” الترند” ، وقالت: “لكن من يقرر أن يكون خارج السرب ويؤمن بأنه يستطيع أن يتميز عليه أن يدفع الثمن، واللحظة التي يدفع فيها هذا الثمن يشعر بأنه حرّ وبأنه مميّز وأنه استطاع أن يحدث تغييرًا في المجتمع. الإنسان الذي يكون لديه شغف وحلم ويعرف ماذا يريد، يجب أن لا يدع أي شيء يحول بينه وبين تحقيق حلمه. فامضوا وراء حلمكم حتى لو تعبتم واضطررتم لأن تدفعوا أثمانًا. ليكن لدى كل منكم حكاية حتى يقف يومًا ما على هذه الخشبة ويحكيها “.
بعد ذلك كرّمت إدارة ثانوية السفير الدكتورة قصير ، حيث قدمت لها هدايا باسم الثانوية وهيئتها العامة والأهل والطلّاب.