
جاء في “نداء الوطن”:
منذ خمسين عاماً، ولبنان يرزح تحت وطأة الجلجلة، مضرّجاً بدماء الحروب العبثية التي أعادته دهوراً إلى الوراء، تتقاذفه أجندات خارجية حوّلته إلى ورقة تفاوض، ويئنّ تحت وطأة سلاح خارج عن الشرعية.
لم تتوقف هذه الجلجلة عند الحرب الأهلية، بل امتدت إلى «حرب الإسناد»، فيما يواصل «حزب الله» التمسّك بسقوفه العالية، رافضاً حتى مجرّد النقاش في استراتيجية دفاعية وطنية. وفي غمرة هذا التجاهل، أطلق رئيس الجمهورية جوزاف عون موقفاً مفصلياً بإعلانه أن عام 2025 سيكون عام حصر السلاح بيد الدولة، بما يعني تلقائياً بدء العدّ العكسي لتسليمه.
ولعلّ ما غفل عنه «الحزب» أيضاً، هو تأكيد الرئيس عون على التوافق التام بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا سيّما بشأن حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، ما يشير إلى أن هذا السلاح لم يعد سوى عبء ثقيل على «الأخ الأكبر». النقاش اليوم انتقل إلى مرحلة جديدة تتجاوز حسابات «الحزب»، وتخرج من عباءة التأثير على الوجدان الشيعي. إنها لحظة فارقة قد تدحرج فيها «الحجر» عن أزماتنا المزمنة، فتكون قيامة فعلية للدولة ومؤسساتها.
رغم هدوء المشهد السياسي تزامناً مع عطلة عيد الفصح المجيد، فإنّ الاستنفار الأمني بلغ ذروته لضمان أمن الأعياد، وفق خطة محكمة على الأرض.
وسيتوزّع المشهد بين بكركي والكسليك، حيث يحضر رئيس الجمهورية رتبة جنازة المسيح في جامعة الروح القدس – الكسليك، برئاسة الرئيس العام هادي محفوظ، كما سيشارك في قدّاس القيامة في بكركي، تسبقه خلوة خاصة مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، يُتوقَّع أن تتناول مجمل الملفات، على أن يشدّد الراعي على دعم العهد واستعادة قرار الدولة ورفض منطق الدويلات.
وتشير مصادر بكركي إلى أنّ الدولة استعادت رأسها الماروني، مع ضخّ الحياة مجدداً في مؤسساتها عبر تعيينات الفئة الأولى، لا سيما في المواقع المارونية الأساسية كحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش. وتؤكد المصادر أن هذه المقاربة ليست طائفية، بل تأتي في سياق خدمة لبنان واللبنانيين، وهو ما يُجسّده الرئيس عون في ممارسته السلطة.
اقتراح قواتي: تسليم السلاح خلال 6 أشهر
وبينما تتجه الأنظار إلى الجولة الثانية من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، ينشغل الداخل اللبناني في بلورة آلية عملية لتسليم سلاح «حزب الله» والفصائل الفلسطينية.
وقد حضر الملف الأمني في الجنوب ضمن جلسة مجلس الوزراء أمس في قصر بعبدا، حيث قدّم قائد الجيش رودولف هيكل عرضاً شاملاً حول الوضع الأمني وتطبيق القرار 1701. وأكّد وزير الإعلام بول مرقص أن قانون استقلالية القضاء سيُدرج على جدول الجلسة المقبلة، مشيراً إلى زيارة مرتقبة لوفد قطري لبحث ملف الكهرباء، كما تقرّر تمديد ولاية «اليونيفيل».
أما وزير الصناعة جو عيسى الخوري، فأشار إلى طرح وزراء «القوات اللبنانية» اقتراحاً يقضي بوضع جدول زمني لتسليم كل سلاح غير شرعي – لبناني أو غير لبناني – خلال ستة أشهر، على أن تبدأ العملية من المخيمات الفلسطينية.
مسألة السلاح على السكة الصحيحة
مصادر بعبدا أوضحت أن الجلسة لم تكن مخصصة للتوسع في تفاصيل السلاح غير الشرعي، بل للبحث في القرار 1701، وأن الرئيس عون يؤيد تخصيص جلسة أخرى بعد الأعياد لمقاربة هذا الملف. كما شدّدت على أن الرئيس ثابت على موقفه: 2025 عام حصر السلاح بيد الدولة، وهذا الالتزام لا رجعة فيه، مع أولوية للجنوب كنقطة انطلاق نحو كامل الأراضي اللبنانية. وفي السياق ذاته، كشفت معلومات موثوقة أن قرار نزع سلاح حركة «حماس» اتُّخذ بالفعل، ولن يُسمح بأي نشاط عسكري لها في لبنان، على أن يشمل القرار بقية الفصائل الفلسطينية.
مصادر حكومية قالت لـ «نداء الوطن» إن الجلسة وضعت ملف السلاح على السكة الصحيحة، وهو ما يُعدّ تطوراً نوعياً بعد سنوات من التعتيم على هذا النقاش. وقدّم الجيش خلال الجلسة تقريراً مفصلاً عن الإنجازات في جنوب الليطاني، بما فيها تفكيك أنفاق ومواقع عسكرية لم يُعلن عنها سابقاً، ومصادرة كميات ضخمة من الأسلحة.
ولدى طرح مسألة الجدول الزمني لنزع السلاح، شهدت الجلسة سجالاً بين بعض الوزراء، فتدخّل الرئيس عون لضبط الإيقاع وإعادة النقاش إلى مساره العقلاني.
اقتراح اعتماد اللوائح المقفلة في الانتخابات
في سياق آخر، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري هيئة مكتب المجلس إلى اجتماع الثلاثاء المقبل، تمهيداً لعقد جلسة تشريعية محتملة في 24 أو 28 نيسان. وسيجري خلال الاجتماع إعداد جدول الأعمال، يتصدره تعديل قانون السرية المصرفية وربما عدد من المشاريع الإصلاحية، واقتراح معجّل مكرّر لاعتماد اللوائح المقفلة في الانتخابات البلدية والاختيارية.
مصادر نيابية مقربة من بري أشارت إلى أنه يعتزم تسريع الدعوة للجلسة التشريعية، رداً على اتهامات بعض النواب بالمماطلة، ولإظهار التزام المجلس بخارطة الطريق الإصلاحية المطلوبة دولياً، ولا سيما من صندوق النقد الدولي.
قلق من هيمنة «الثنائي» على المجلس العدلي
قضائيًا، أنهى المحقق العدلي القاضي طارق البيطار استجواب الوزير السابق نهاد المشنوق، وحدد جلسة للاستماع إلى رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب في 25 الجاري. وأفاد مصدر قضائي بحصول تسوية بين مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل عادل نصّار والبيطار والمدّعي العام التمييزي جمال الحجّار، تقضي بتثبيت الأخير في منصبه وتعاونه مع البيطار، على أن يتابع هذا الأخير الاستجوابات من دون إصدار قرارات قانونية في المرحلة الراهنة. وتوقعت المصادر أن يُسهم هذا الاتفاق في تسريع إصدار القرار الظني، بالتوازي مع إتمام التشكيلات القضائية وتعيين رؤساء أصيلين لمحاكم التمييز، مما سيتيح للهيئة العامة النظر في طلبات المخاصمة بحق البيطار.
لكن المخاوف لا تزال قائمة من محاولة «الثنائي الشيعي» بسط نفوذه على المجلس العدلي، لإبطال التحقيق أو تبرئة المتّهمين، ما يهدّد بانفجار سياسي – قضائي جديد.