
برعاية وزارة الثقافة، استضاف “نادي قاف للكتاب” الروائية نجوى بركات، في مركز الصفدي الثقافي في طرابلس، وذلك عبر ندوة أدبية ناقشت روايتها الجديدة “غيبة مي”، الصادرة عن دار الآداب.
حضر اللقاء مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، الناشرة رنا ادريس، وحشد من المثقفين والأدباء والأكاديميين والهيئات المدنية وأعضاء نادي قاف وأصدقائه.
استهل اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، تلاه كلمة لرئيسة النادي الدكتورة عائشة فتحي يكن، رحبت فيها بالحضور، وقالت إذا كانت السياسة تفرّقنا، فإنّ الثقافة تجمعنا على مائدة الشعر والأدب، واحتفاؤنا بالروائية نجوى بركات، هو احتفاءٌ بالإبداع الذي تُجسّده أعمالها ومسيرتها الأدبية، كما أنّه يأتي في إطار مساعي نادي قاف الذي دأب منذ ما يقارب السبع سنوات على تكريم قامات عربية كبيرة، أمثال إبراهيم نصرالله، سعود السنعوسي، واسيني الأعرج، بثينة العيسى والياس خوري وغيرهم.
رنا ادريس بدورها أشارت إلى العلاقة المميزة التي تربط دار الأداب بنجوى بركات، منذ الرواية الأولى التي نُشرت في الدار، عام 1995، “حياة وآلام حمد بن سيلانة”. ولفتت إلى مقدرة نجوى بركات اللغوية والمعرفية العميقة بالتراث والروحانيات، وقدرتها على تحديث أساليب السرد، وهو مابرز في جملة أعمالها الروائية، فضلًا عن ترجمة أعمالها إلى لغات أجنبية عدة.
مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، سلّط الضوء على أحداث الرواية التي تتناول حياة الست مي، المرأة العجوز المستوحدة في أحياء بيروت، مشيرًا إلى الدقة في الوصف التي تشرح حال العجائز ومعاناتها بأسلوب أدبي مشوق، وما تضمنته الرواية من إشارات إلى الأزمات الاجتماعية والسياسية التي عاشتها مدينة بيروت وارتباطها بشخصيات الرواية. بعد ذلك تحدثت مديرة الندوة الأستاذة زينب اسماعيل التي رأت أن الإصدار الجديد لنجوى بركات” غيبة مي” غير منفصل عن منجزها الروائي السابق، من حيث متانة السرد وحداثته، ومن حيث انهماك الكاتبة بمعالجة قضايا اجتماعية تعكس واقع مدينة بيروت، وما أفرزته قساوة الحرب الأهلية من أزمات متتالية، بأسلوب روائي سلس.
دكتور جان جبور، رأى أنّ رواية “غيبة مي” تستكشف أسئلة الوجود والذاكرة، لكنّها في الوقت عينه رواية ملتبسة وغامضة، لإمرأة عجوز تشارف على الثمانين، تعاني من ثقب في الذاكرة، ومن هذا الثقب تخرج وجوه مشوشة وأحداث غير مترابطة، تعكس طريقة الكاتبة في انتقائية الأحداث التي لا تحظى بالوزن السردي نفسه، الأمر الذي يضع القارئ أمام مهمة صعبة في تفكيك رموز الرواية، ويجعل من السيدة مي، شخصية غامضة، متأرجحة بين الهروب والبحث عن الذات، وممزقة بين قيود المجتمع وصوتها الداخلي، واصفًا الرواية بالعمل الأدبي المعقد، إذ تقع الرواية في السياق النسوي غير التقليدي، ذلك أنّها تستدعي تساؤلات نسوية من خلال تناولها لموضوعات الهوية والجسد والسلطة والعائلة والحرية والعلاقات الجندرية. وهي في الوقت عينه نصٌ أدبيٌ مفتوح على التأويل ومشبع بقضايا وجودية، من دون إغفال تحولات المجتمع اللبناني والواقع الاجتماعي المتصدّع، الأمر الذي يجعل الرواية توثيقًا أدبيًا للحظة تاريخية قاسية.
الدكتورة وفاء الشعراني، توقفت عند البعد الفلسفي لرواية “غيبة مي”، فرأت أنّ نظرية الرواية تقوم برمتّها على علاقة الجزئين من بناء الرواية، جزء “مي”، وجزء “هي” في برزخ الذات والاستلاب، وتساءلت هل هي غيبة، أم استلاب للذات، ذلك أنّ المعالجة الروائية قد ضبطت تلك العلاقة المعقدة عبر المعاني والدلالات التي تعالج ذات “مي” الإنسان الفرد- الإنسان الجنس، ثم علاقتها بالرجل، وخوضها نار الحب ثم الزواج البارد، فالأسرة/ الأبناء. في سرد حر يعكس دينامية الرغبة الخفية الكامنة في اللاشعور، يُظهره الجزء الثاني من الرواية، حيث يُماط اللثام عن قوة Eros، وهي القوة العظمى التي تتوسط المعرفة والجهل، بحسب أفلاطون والتي تُحرّك النفس إلى الخير، فكانت قد جمعت مي مع كائن أرادت الالتحام به في وحدة ارتقائية، تؤمن لها استمراريتها، وتؤمن سبيل الوصول إلى الإشباع تحقيقًا للروح المطلق في الحرية والوعي، وأضافت إنّ ما تستبطنه الرواية من دلالات على انشطار الذات بين قسم شعوري وآخر لا شعوري قد أتى بشكل مترابط بين انتظار الموت والدعابة في المكان والزمان. واصفة الجزء الثالث من الرواية المخصص ل”يوسف” بالمساحة التصالحية الذي يعيد تركيب العلاقات من جديد، والمفعم بالفتح الفكري لتلك الطبقة البرجوازية التي تعيش حصريًا في ظل الاستلاب.
اختتم اللقاء بمداخلات بين الحضور، ثم قدّم نادي قاف درعًا تكريميًا لبركات تلاه توقيعها لعدد من إصداراتها الروائية إلى جانب رواية “غيبة مي”.