
لبنان بلد المفارقات العجيبة، حيث يتم تهميش من يستحق، ويُكافأ من يتقن لعبة التبعية والولاءات المشبوهة. في هذا المشهد السياسي الذي تسوده الحسابات الضيقة، برز أشرف ريفي كاستثناء، رجلٌ لم يساوم، لم يركع، ولم يتنازل عن سيادة الوطن، فكان نصيبه التهميش، تماماً كما هو حال طرابلس التي دفعت أثماناً باهظة بسبب مواقفها الوطنية.
هل هو قدر طرابلس وأبنائها أن يكونوا في طليعة المدافعين عن لبنان، ثم يُحرموا من أبسط حقوقهم؟ وهل كُتب على القادة الأحرار أن يُحاربوا لأنهم رفضوا أن يكونوا جزءاً من صفقات التسويات المشبوهة؟
ريفي.. مشروع زعامة أُحبط بفعل المؤامرات
منذ اللحظة الأولى التي دخل فيها أشرف ريفي إلى المعترك السياسي، كان واضحاً أن مشروعه أكبر من مقعد نيابي، وأبعد من تمثيل مناطقي. لقد حمل قضية وطنية كبرى، قائمة على سيادة لبنان ورفض الهيمنة عليه، وكشف بشجاعة كل الملفات التي أرادوا طمسها.
لكن في بلدٍ تُدار فيه السياسة بالولاءات لا بالكفاءات، كان لا بد أن يدفع الثمن. لم يكن المطلوب أن يكون الرجل نائباً أو وزيراً، بل أن يكون تابعاً.. وحين رفض، شُنت عليه حملات التشويه، وقُطعت عنه سبل الدعم، تماماً كما جرى مع طرابلس حين رفضت أن تكون في خدمة مشاريع خارجية.
طرابلس: المدينة التي عاقبوها لأنها رفضت الانكسار
طرابلس ليست مجرد مدينة شمالية، بل هي عنوان للكرامة اللبنانية، ورمز للعيش المشترك الذي لم تستطع كل محاولات العبث الطائفي أن تمحوه. لكنها دفعت ثمناً باهظاً، حُرمت من الإنماء، وجرى تسويق صورة مغلوطة عنها، وكأنها بؤرة توتر، بينما الحقيقة أنها كانت دائماً مدينة الاعتدال والانفتاح.
ريفي، ابن هذه المدينة، لم يكن خارج هذه المعادلة. وكما طُمست حقوق طرابلس، حاولوا طمس دوره الوطني. لكنه لم يتراجع، لم يرضخ، وبقي صوته عالياً في وجه كل من أراد أن يحوّل لبنان إلى ساحة نفوذ إقليمية، أو أن يُفرّغ الدولة من سيادتها.
حان الوقت لإنصاف ريفي وطرابلس معاً
لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لأشرف ريفي، ليس كنائب، بل كزعيم وطني ظُلم كما ظُلمت طرابلس. آن الأوان ليدرك الجميع أن محاولات تهميشه لن تنجح، كما لم تنجح محاولات إسكات المدينة التي لطالما كانت قلب العروبة ونبض السيادة.
ريفي ليس مجرد شخصية سياسية، بل حالة وطنية تمثل الصوت الجريء الذي تجرأ حيث سكت الآخرون، ودفع ثمن مواقفه الصلبة في مواجهة المشاريع المشبوهة. وطرابلس ليست مجرد مدينة على هامش الخريطة، بل هي عاصمة السيادة التي لن ترضى بأن تكون ورقة في جيوب المتلاعبين بمصير لبنان.
إن إنصاف أشرف ريفي هو جزء من إنصاف طرابلس، وإنهاء التهميش الذي تعرّض له هو خطوة نحو إعادة الاعتبار لدور المدينة في صناعة القرار الوطني. فهل يدرك اللبنانيون أن خسارة ريفي ليست مجرد خسارة لمقعد نيابي، بل هي خسارة لمشروع وطني يحتاجه لبنان أكثر من أي وقت مضى؟
التاريخ لا يرحم.. وسيكتب أن ريفي كان زعيماً قبل أن يكون نائباً، وأن طرابلس كانت عاصمة للكرامة قبل أن يحاولوا خنقها بالتهميش والحرمان.