أحمد الأيوبي – أساس ميديا
يفرض الحدث الفلسطيني إيقاعه على الحياة السياسية في لبنان، ومع استمراريته وتطوّره، تتّسع الأسئلة عمّا يمكن أن يحمله من تداعيات، سواء في الداخل المحتلّ، أو على مستوى المنطقة، وهل تتوسّع المواجهة لتشمل جبهتيْ لبنان وسوريا، أم يستمرّ الأمر وفق الواقع الراهن، مع محاولة إرساء معادلة جديدة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، قوامها الردع الصاروخي مقابل حماية القدس بشكل أساس.
رئيس “لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني” الوزير السابق حسن منيمنة قال لـ”أساس” إنّه “أمام كلّ هذا التعنّت الإسرائيلي، والتواطؤ الدولي والسكوت العربي، والقمع الوحشي لكلّ حراك سلمي للفلسطينيين دفاعاً عن منازلهم ومقدّساتهم، وتجاهل العالم كلّه لحقوقهم الإنسانية البديهية، لم يبقَ أمام الفلسطينيين سوى اللجوء إلى خيارات أخرى من بينها خيار المواجهة، ولو كانت مكلفة بشرياً ومادياً، ولا يمكن إلا أن نكون إلى جانب الشعب الفلسطيني، مهما كانت الاعتبارات أو النظريات الأخرى”.
وإذ أبدى منيمنة تفهّمه لوجهة النظر، التي كانت تدعو إلى إبقاء الحراك سلمياً لكي يشكل بداية انتفاضة جديدة، يذكّر بأنّ “كل التجارب السابقة تعطي المجال للحراك الشعبي والسلمي، لكن نتائجه كانت محدودة نتيجة الجبروت الإسرائيلي المستند الى دعم دولي. لذا يجد الفلسطيني نفسه مضطراً إلى استعمال كلّ الخيارات، ومن بينها الخيار العسكري، لعلها تلجم الشراسة الإسرائيلية والتعامي الغربي، على الرغم من أنّ الكلفة باهظة إنسانياً ومادياً”.
أمام كلّ هذا التعنّت الإسرائيلي، والتواطؤ الدولي والسكوت العربي، والقمع الوحشي لكلّ حراك سلمي للفلسطينيين دفاعاً عن منازلهم ومقدّساتهم، وتجاهل العالم كلّه لحقوقهم الإنسانية البديهية، لم يبقَ أمام الفلسطينيين سوى اللجوء إلى خيارات أخرى من بينها خيار المواجهة
واعتبر منيمنة أنّ “بعض مبادرات إدارة الرئيس بايدن، التي تعطي الانطباع عن توجّهٍ مختلف عن الإدارة الأميركية السابقة، تبقى تحرّكات محدودة، لن تكون قادرة على فرض حلّ الدولتين، الذي أعاد بايدن تبنّيه، ولا على إنهاء الاحتلال للضفة. وهذا ينطبق على الحراك الأوروبي الذي تقلّص بشكل كبير في السنوات الأخيرة، واكتفى بالإدانات التي تساوي القاتل بالضحية، بينما التطبيع من قبل بعض العرب يذهب إلى أبعد الحدود، مع الأسف الشديد”.
لكن هل الداخل اللبناني مهيّأ للتضامن؟
“وضع المخيمات بائس، وهو ظلم هائل للفلسطينيين، نتيجة تعنّت بعض الأطراف في عدم منحهم بعض الحقوق الإنسانية البديهية منذ عقود طويلة، وليس فقط في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة، لذلك من الطبيعي أن يكون الحراك الشعبي السلمي الفلسطيني داعماً لإخوانه في الداخل المحتلّ”.
وأبدى منيمنة استغرابه لغياب أيّ تحرّك رسمي من الدولة اللبنانية، التي تعلن وقوفها مع الشعب الفلسطيني وقضيته: “لم نجد أيّ مبادرة من وزير الخارجية الذي كان يفترض به أن يبادر إلى التواصل مع الدول الصديقة التي يرتبط لبنان بعلاقات وطيدة معها، ليشكل عنصر ضغط للمساهمة في منع إسرائيل من ارتكاب المزيد من الجرائم وإيقاف هذه الهجمة البربرية”، مرجعاً السبب إلى “غياب الموضوع الفلسطيني عن أجندة السلطة اللبنانية، التي تريد الاكتفاء بالموقف الكلامي، والتغاضي عن الفعل السياسي والدبلوماسي المطلوب، بمعزل عن التطورات الداخلية”.
أما عن احتمال دخول “حزب الله” على خطّ المواجهة إلى جانب الفلسطينيين، فقال منيمنة إنّه “مستبعد لاعتبارات عديدة، أخطرها أنّه يعني حرباً مفتوحة في المنطقة، مع ما قد تستدرجه من تدخّلات إقليمية ودولية، بالنظر إلى التحالفات التي تتشابك بين أطراف الصراع”.
لا ينفي منيمنة أنّ “القرار اللبناني أصبح مرتبطاً بالقرار الإيراني، وأنّ الحوار الأميركي الإيراني يعاني من بعض العراقيل، التي تسمح لإيران بأن تثير مشكلة هنا أو هناك، أو تُصعِّد في هذه الجبهة أو تلك. لكنّ تحريك الجبهة اللبنانية مسألة كبيرة جداً، وانعكاساتها واسعة في الداخل وفي المحيط بأسره، بالنظر إلى قوة “حزب الله” الفاعلة، وضخامة ترسانته العسكرية. فأيّ دخول على خط المواجهة الآن لن يكون حرباً بين الحزب وإسرائيل فحسب، بل سيكون حرباً على مستوى المنطقة ككلّ”.
وضع المخيمات بائس، وهو ظلم هائل للفلسطينيين، نتيجة تعنّت بعض الأطراف في عدم منحهم بعض الحقوق الإنسانية البديهية منذ عقود طويلة، وليس فقط في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة، لذلك من الطبيعي أن يكون الحراك الشعبي السلمي الفلسطيني داعماً لإخوانه في الداخل المحتلّ
وردّاً على سؤال عن التسريبات التي تقول إنّ “حزب الله” سيتدخّل في حال طلب منه الفلسطينيون ذلك، لاحظ منيمنة أنّ كلام القيادي في حركة حماس خالد مشعل تضمّن تمنّياً ضمنيّاً على الحزب وعلى كلّ المحور الدخول في المعركة، من دون أن يسبّب إحراجاً لأحد، مع تركه هامش الخصوصية والقرار لظروف كلّ طرف. وهذا يترك الباب موارباً أمام هذا الاحتمال إذا اقتضت ضرورات التفاوض الإيراني هذا المستوى من الانخراط في المواجهة”.
واعتبر منيمنة أنّ “الوضع الآن على شفا الهاوية، خاصة أنّنا لا نعلم فعلاً ما يجري في كواليس التفاوض الإيرانية الأميركية ومجرياتها، ولسنا على معرفة لصيقة بها، حتّى نستطيع التِماس توجّه محدّد. ولا نعرف حجم المعوّقات التي تواجه هذا التفاوض، ولا ندري شيئاً عن التقديرات الإيرانية للتوجّه الأميركي، لنستطيع الجزم أيّ احتمال هو الراجح في سياسة طهران اليوم: هل تكتفي بالمشهد الراهن، أم تدفع إلى المزيد من التصعيد في الإقليم مع ما يحمله من مخاطر كبرى”.
يخلص منيمنة إلى أنّه “لا يمكن استبعاد أيّ احتمال في ظلّ الوضع الراهن، ولا يستطيع “حزب الله” أن يتّخذ منفرداً قراراً بهذا الحجم، لا تكفي لحسمه مناشدةُ الفلسطينيين له بالتدخّل، فالقرار هو في عاصمة القرار، حيث الرؤية مختلفة والتقديرات لا تعير الانتباه إلاّ إلى مصلحتها العليا”.