
حدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 18 شباط (فبراير) 2025 لفرض رسوم جمركية على واردات الرقائق الإلكترونية التي تعتمد عليها شركات التكنولوجيا العالمية، مثل أمازون وغوغل وإنفيديا وإنتل، خلال مؤتمر صحفيّ عقده الجمعة الماضية. ومن شأن هذا القرار المرتقب إشعال فتيل حرب تجارية عالمية، في ظل اعتماد أسواق التكنولوجيا العالمية على أشباه الموصلات. وبالتالي، فإن أي رسوم عليها سترفع معدّلات التضخم عالمياً. فكيف ستؤثر رسوم ترامب على الرقائق على الاقتصاد العالمي وعلى موقف الصين وتايوان، وعلى اقتصادات المنطقة العربية؟
كان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن دفع وزارة التجارة الأميركية لتخصيص أكثر من 90% من المنح، التي تبلغ قيمتها 39 مليار دولار، بموجب قانون الرقائق والعلوم لعام 2022، وهو قانون مفصليّ يهدف إلى إعادة بناء صناعة الرقائق المحلية، لكنها لم تعلن سوى عن اتفاقية ملزمة واحدة حتى الآن.
وبناء على مساعي إدارة بايدن السابقة تعهدت شركات مثل “إنتل” و”سامسونغ” و”ميكرون تكنولوجي” بإنفاق 400 مليار دولار لإنشاء مصانع في الولايات المتحدة. ومن المقرر أن تتلقّى شركة تايوان سيميكوندكتور مانيوفاكتشرينغ (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company – TSMC) ما يقرب من 7 مليارات دولار من وزارة التجارة الأميركية لبناء مصنعها في أريزونا كجزء من قانون رقائق الكمبيوتر. لكن الشركة لم تتلقّ الأموال حتى الآن، وتتوقع استلامها بنهاية العام الجاري. وفي السياق نفسه، صرّح الرئيس التنفيذي للشركة سيسي وي، إن مصنعها في أريزونا يحرز تقدماً، ومن المتوقع أن تزيد حجم الإنتاج خلال العام الجاري.
ترامب يفضل فرض رسوم الرقائق بدلاً من المنح
فاجأ ترامب الجميع بتصريح له مع نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2024، عندما انتقد قانون تنظيم الرقائق الأميركي الصادر في عهد بايدن، متهماً تايوان بسرقة صناعة الرقائق من الولايات المتحدة، قائلاً “كما تعلمون، تايوان سرقت أعمال الرقائق الخاصة بنا… ويريدون الحماية”.
وعلقّت المحللة ستايسي راسغون من بيرنشتاين لشبكة “سي إن بي سي” على الأمر قائلة “نريد توطين البنية التحتية المتطورة هنا في الولايات المتحدة. ولنكن صادقين، من وجهة نظر السياسة، لا ينبغي أن يهمّ حقاً من الذي يبنيها”. وانتقدت ترامب بشأن اتهامه لتايوان بسرقة صناعة الرقائق من الولايات المتحدة ووصفتها بـ”السخيفة”.
على النقيض، يرى ترامب أنه لا ينبغي للشركات الأجنبية أن تكون قادرة على دخول الولايات المتحدة وأن تستخدم أموال الحكومة (يقصد المنح التي تقدمها وزارة التجارة الأميركية)، وقال: “صفقة الرقائق هذه سيئة للغاية. لقد وضعنا مليارات الدولارات للشركات الغنية لتأتي وتقترض الأموال وتبني شركات الرقائق هنا. لن يمنحونا الشركات الجيدة على أيّ حال”.
ووقّع ترامب يوم السبت الماضي أمرًا تنفيذيًا يفرض رسومًا جمركية بنسبة 25 في المئة على الواردات من كندا والمكسيك، بالإضافة إلى فرض رسوم بنسبة 10 في المئة على السلع الواردة من الصين.
ومن المقرر فرض المزيد من التعريفات الجمركية على النفط الخام، والغاز الطبيعي، والصلب، والنحاس، والألمنيوم، والأدوية. وقد أكد ترامب على حتمية هذه التعريفات، وذكر أنه لا يوجد شيء يمكن للبلدان المتضرّرة القيام به لمنع تطبيقها.
بالإضافة إلى هذه الإجراءات، ألمح الرئيس ترامب إلى إجراءات جمركية كبيرة في أوروبا، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة “ستفعل شيئًا كبيرًا للغاية” بما يتعلق بالتعريفات الجمركية في أوروبا.
خبراء: أجندة ترامب أسوأ من الحرب العسكرية
يستبعد ياسر غريب، خبير أسواق المال في حديثه مع “النهار”، أن يفرض ترامب رسوماً جمركية على أشباه الموصلات قريباً، خصوصاً أن الولايات المتحدة تعاني من تضخم في
حجم الدين العام، الذي بلغ 36.1 تريليون دولار مطلع العام الجاري، كما أن مساعي الشركات الأميركية مثل “إنتل” لإنتاج الرقائق المتقدّمة لم تسفر عن أية نتائج إيجابية حتى الآن. لذلك يرى غريب أن الرئيس الأميركي سيحتفظ بورقة فرض الرسوم على واردات الرقائق حتى النهاية، ولن يلقي بها في بادئ الأمر، قائلاً إن ترامب يرفع سقف مطالبه على تايوان والشركات المستهدفة لبناء مصانعها في داخل الأراضي الأميركية، حتى يحصل على كلّ ما يريده عند التفاوض؛ وأبرز ما يريده ترامب هو ألا تنفق الحكومة الأميركية أية منح للشركات الأجنبية مقابل انتقالها إلى الأراضي الأميركية؛ فهو يرى أن المواطن الأميركي الأحق بهذه الحوافز المالية الضخمة، مؤكّداً أنه عند فرض رسوم على الرقائق فإن “عمالقة التكنولوجيا والصناعة في الولايات المتحدة لن يسكتوا عن هذا الأمر”.
وفي معرض تعليقه قال غريب إن “الحرب العسكرية أرحم من فرض رسوم على الرقائق”، معيداً ذلك إلى تداعيات القرار حال تطبيقه، لأن الرقائق تدخل في جميع الصناعات الاستراتيجية حول العالم، وبالتالي فإن فرض رسوم عليها سيعرقل نمو الاقتصاد العالمي.
كيف ستتأثر الدول العربية برسوم الرقائق؟
حول تأثير قرار رسوم الرقائق على اقتصادات الدول العربية، توقع خبير أسواق المال أن تشهد المنطقة تضخماً بنسبة تتراوح ما بين 10 في المئة و20 في المئة في أسعار المنتجات التكنولوجية، مؤكّداً أن ما يفعله ترامب حالياً هو “بالون اختبار” حتى يحصل على ما يريد من تايوان وغيرها من الشركات الأجنبية المصنعة للرقائق، متوقعاً أن تهدأ وطأة تصريحات ترامب بشأن رسوم الرقائق بمجرد إعلان الصين واليابان عن إنتاج رقائق إلكترونية متقدّمة؛ وقد نشهد ذلك خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ولفت غريب إلى أن سياسات ترامب الهجومية ضد حلفاء الولايات المتحدة مثل كندا وأوروبا قد تدفع الاقتصاد الأميركي إلى الانهيار. ويبحث الحزب الديمقراطي حالياً مقترح عزل ترامب، على حدّ قوله، خصوصاً بعد التأثيرات السلبية التي أصابت الاقتصاد جراء قرار ترامب وقف منح الجنسية بالولادة وقرار ملاحقة المهاجرين وطردهم من البلاد.
وفي السياق نفسه، يقول هاني صبحي، خبير أسواق المال وإدارة الاستثمار، لـ”النهار” إن ترامب لديه أجندة محدّدة مسبقاً وينفّذها، وإنه اعترف بنفسه بأن التعريفات الجمركية ستضرّ بالاقتصاد الأميركي. وبحسب موقع أسوشيتد بريس (Associated Press)، فقد اعترف “ترامب” بأنّ التعريفات الجمركية الجديدة قد تتسبّب ببعض “الارتباك” في الأسواق، وقد يشعر الأميركان “ببعض الألم”، لكنه رأى أنها سوف تساعد بلاده على إنهاء عجزها التجاري، قائلاً “الرسوم ستجعلنا أثرياء للغاية، وأقوياء جداً”.
واتهم صبحي الولايات المتحدة بافتعال الأزمات المالية العالمية، قائلاً “إن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت مفتعلة من قبل الإدارة الأميركية بهدف ترتيب الأوراق وإعادة هيكلة السوق الأميركية و”نسف الديون المتراكمة”؛ لذلك وجدنا بنوكاً خرجت مثل بنك ليمان برازر وبنوكاً أخرى توسعت، وشركات كانت قد أوشكت على الانهيار، مثل جنرال موتورز، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من قبضة الصين لولا تدخّل الحكومة الأميركي وتقديم الدعم المالي لها.
وعن موقف الصين من تهديد ترامب بفرض رسوم على الرقائق، يرى صبحي أن الصين لن تردّ الآن، وستنتظر إصدار القرار الأميركي رسمياً، متوقّعاً أن تكون بكين قد استعدّت جيداً لأجندة ترامب، خصوصاً أنّها اكتسبت خبرة من الحرب التجارية التي شنّها عليها خلال ولايته الأولى، وبرّر موقفه بأنه عندما فرض ترامب منذ أيام تعريفات جمركية على الصين لم تردّ الصين بشكل رسمي، بل اكتفت بتقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية