شعار ناشطون

لئلا “تتلبنن” مآسي الفلسطينيين ونضالاتهم: إشعال الحرائق والمتاجرة بالرماد

18/05/21 08:19 am

<span dir="ltr">18/05/21 08:19 am</span>

منير الربيع – المدن

تحولت فلسطين في هذه الأيام عنواناً تتوسله القوى السياسية للتنصل من مسؤولياتها، والاستقالة من البحث عن حلول للأزمات القائمة. لقد صارت فلسطين مخرج الجميع لهروبهم من أزماتهم وعدم مواجهة الاستحقاقات.

تجارة سياسية بفلسطين

والقضية الفلسطينية هي “قميص عثمان” يسعى كل طرف إلى إشهاره، حسب ظروفه ومصلحته. ولطالما شكّلت فلسطين منذ خمسينات القرن العشرين عنواناً أو استثماراً أساسياً لطموحات أشخاص وضباط وأحزاب وأنظمة ودول. فمنذ النكبة الفلسطينية حتى اليوم، تشكل فلسطين مدخلاً للمشروعية أو الشرعية السياسية، ولكسب الجماهير والشعبية. وهذا يسري على الأنظمة العربية كلها، أقله منذ الانقلابات العسكرية، إلى سحق الثورات وضرب أي مطالب شعبية وإعطاب السياسة في المجتمع، بذريعة أولوية مواجهة الاحتلال. فكان ذبح الحريات باسم التحرر والتحرير.

ومن كان تاجراً سياسياً مفلساً، أو علكه الدهر ورماه جانباً، وجد في استثمار اسم فلسطين وقضيتها تحصيلَ قوت يومه. وهناك من اصطف على ضفة هذا المحور أو ذاك، لعلّ المحور يعود عليه ببعض المكاسب، أو يظل اسمه مذكوراً في وسائل الإعلام، ولصوره أثر تعطيها الكوفية الفلسطينية زخماً، وما أكثر هؤلاء في لبنان.

هموم الأمة المزيفة
يمثّل اللبنانيون بتلاوينهم المتباينة أدوار التضامن مع فلسطين ومقاومتها ومطالب شعبها ونضالاته. وانشغالهم هذا راح يتقدّم على استحقاقاتهم الداخلية في مواجهة الانهيار والتعطيل السياسي والحكومي والفقر.. وهذه على ما يبدو ستبقى مزامنة لعملية تشكيل الحكومة.

وانتقلت المواجهة بين الأطراف اللبنانيين إلى الميادين وساحات التظاهر جنوباً، وفي قلب بيروت أيضاً، حيث يتكاثر تنظيم الوقفات التضامنية التي تواكب “هموم الأمة”:

حزب الله في حال تحرك يومي مع حلفائه، نصرة لفلسطين، على الأرض وسياسياً، وفي ميادين أخرى. تيار المستقبل لجأ إلى حمل لواء القضية أيضاً متضامناً مناصراً. حتى جبران باسيل وتياره وجدا في فلسطين ملاذاً آمناً. واتصل باسيل بالرئيس محمود عباس وببشار الأسد، معايداً بالفطر ومناقشاً “هموم الأمة”. والأهم أن المناقشة الباسيلية انطلقت من نظرة قومية جامعة لما يتعرض له الفلسطينيون وما تعرض له اللبنانيون والسوريون سابقاً وإلى اليوم، وفق وجهة نظر باسيل “المشرقية”.

اللبنانيون والفلسطينيون
وهكذا يعلّق اللبنانيون أزماتهم على حبال القضية الفلسطينية. بينما يلبنن فلسطينيون أزماتهم السياسية والوجودية بإعطائها بعداً عسكرياً وحسب، من شأنه أن يفرغ نضالات وانتفاضات المطالبة بالحقوق الوطنية والمدنية وحق المساواة من مضمونها الجديد والكبير.

فالفصائل والحركات الفلسطينية تبعث الانقسامات العمودية، التي تبدد النضالات على مذابح حسابات الانتخابات بين فتح وحماس، وبين الضفة وغزة، وبين المحاور الإقليمية، التي تتشابك وتتداخل على نحو معقد ومركب جداً في ظل ما يجري من تطورات في غزة.

فغزة وصواريخها ودماء أبنائها، مناضلين ونساء وأطفالاً، تشتثمر فيها وفيهم جهات كثيرة. حتى لبنان البائس يسعى إلى ذلك، وهو اختبر سابقاً المقامرة به وبأبنائه، ولا يزال في الحفرة إياها.

تجارة الجثث والرماد
ولا بد من القول أن قضية فلسطين أكبر من حماس وفتح ومنظمة التحرير، وتتجاوز مفاوضات فيينا للاتفاق النووي، واستثمارات إيران المتشعبة فلسطينياً، ومنها اليوم إشغال إسرائيل بدماء غزة.

هذا كله يختزل مآسي الفلسطينيين ونضالاتهم، التي يحولها مسؤولو الفصائل والقادة السياسيون إلى ما يشبه ما فعله ويفعله اللبنانيون ببلدهم: إشعال الحرائق، والمتاجرة بالجثث والرماد.

أسئلة كثيرة يطرحها الصراع القائم في فلسطين، والمعركة العسكرية المفتوحة في غزة. ومن المبكر حسم وجهة الأمور وتداعياتها. فكل طرف ينتهز فرصة للانقضاض وتسجيل نقاط لصالحه، لتصريفها سياسياً في الداخل الفلسطيني وفي الإقليم. وذلك بناءً على القاعدة التاريخية الثابتة: إسم فلسطين وقضيتها جذابان لتسجيل اختراقات إعلامية وسياسية، لستر العيوب الكبيرة بها. وهذا ما تحترفه إيران وحزب الله والنظام السوري، وأنظمة ودول عربية كثيرة من قبل.

حركة الداخل الفلسطيني
أما الحراك الفلسطيني الجديد داخل أراضي 1948، فغيّر مجرى خطة ترامب أو صفقة القرن. وهو يصيب مباشرة اتفاقيات السلام العربية-الإسرائيلية. هذا من الناحية المبدئية. لكن الأهم هو عدم تحويل حركة الحقوق الوطنية والمدنية الفلسطينية في إسرائيل مادة للاستثمار السياسي.

وهنا تبرز أسئلة ومخاوف كثيرة في سياق التطورات: هل ينعكس التنازع العربي والإقليمي والفلسطيني في غزة، سلباً على الوقائع الفلسطينية في داخل إسرائيل، فتنتهز الدولة العبرية، بل اليهودية، الفرصة لتهجير عرب 48، أو خوض حرب تطهير عرقي وارتكاب مجازر ضدهم؟ وكذلك هناك خوف مشروع من تفاقم الانقسامات الفلسطينية، والانقضاض على منظمة التحرير، وتصريف النتائج العسكرية والشعبية في غزة انتخابياً.

وفي هذا السياق تبرز التجارب اللبنانية المشابهة، أثناء الحرب الأهلية وبعدها، وفي أعقاب حرب تموز 2006، مروراً بـ17 تشرين 2019، ووصولاً إلى اليوم.

التأسيس الوطني
وفي انتظار ما ينجم عن هذه المعركة الفلسطينية من نتائج، يُراد عكسها في اليوميات اللبنانية، حكومياً وسياسياً، يمكن القول إن فلسطين ولبنان وسوريا في حاجة اليوم إلى إعادة تأسيس. وتمثل هنا تجربة منظمة التحرير الفلسطينية التي استطاعت بناء الهوية الوطنية لشعب الشتات الفلسطيني. فاللبنانيون والسوريون والفلسطينيون والعراقيون أيضاً، في حاجة اليوم إلى إعادة تأسيسس كياناتهم الوطنية الممزقة، بدل تعليق الاستحقاقات على قضية فلسطين.

تابعنا عبر