كشف نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، عبر مذكراته في «الشرق الأوسط» ، جوانب مما دار في الكواليس بشأن علاقات بلاده مع لبنان وتفاصيل قرار الرئيس بشار الأسد التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود والاتصالات التي جرت وقتذاك مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري لإقناعه بالموافقة على التمديد، مشيرا إلى أنه نصح رفيق الحريري بمغادرة لبنان بسرعة والاستقالة من الخارج، بحسب ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مذكرات خدام.
وبشأن مسألة التمديد للعماد إميل لحود، ذكر خدام أن الرأي العام اللبناني المنقسم، يشغل “بين أكثرية ساحقة معارضة للتمديد وبين أقلية مؤيدة له، إضافة إلى رفض دولي شامل لمسألة التمديد، عززه لقاء بين الرئيسين، الأمريكي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك، في يونيو (حزيران) من عام 2004. بمناسبة ذكرى الإنزال الأميركي على شاطئ النورماندي لتحرير فرنسا من النازية، حيث أكدا رفضهما القاطع لموضوع التمديد للرئيس لحود، ونددا بالتدخل السوري في الشؤون اللبنانية”، مشيرا في السياق ذاته إلى أن جملة المعارضة للتمديد اتسعت “لبنانيا وعربيا ودوليا، وترافق كل ذلك بدعوات لوقف التدخل السوري في لبنان وانسحاب القوات السورية”.
وقال المسؤول السوري السابق في توصيف الحال بنبرة منتقدة: “كان واضحا أمامي أن أي موقف غير عقلاني من النظام في سوريا، سيؤدي إلى أضرار كبرى تلحق بالبلاد. لذلك، كنت أحاول في كل لقاءاتي مع الدكتور بشار الأسد إقناعه بخطورة التمديد، لا سيما بعد الضغوط الكبرى التي مارسها على رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، إذ استدعاه في شهر يوليو، بحضور اللواء غازي كنعان والعميد رستم غزالة والعقيد محمد خلوف، وقد أدت قسوة الكلام إلى ارتفاع ضغط الحريري وإصابته بنزيف في أنفه”، بحسب ما نقلت الشرق الأوسط.
وروى أنه “في صباح ذلك اليوم، كان لي موعد مع الدكتور بشار. وعندما ذهبت إليه، كان منفعلا ومتوترا، وقال: (كان لدي رفيق الحريري، واستقبلته الساعة السابعة والنصف صباحاً، وقلت له كلاماً واضحاً وصريحاً وبحضور الضباط، وأبلغته أنه من غير المسموح له العمل على مجيء رئيس للجمهورية، فأنا الذي أختار، ومن يخالفني سأكسر عظمه”.
وعلق خدام قائلا: “فوجئت بالحديث، وقلت له: ماذا فعلت؟، أنت تتحدث مع رئيس وزراء لبنان الذي يمثل المسلمين في لبنان. هل حسبت صدى كلامك إذا انتشر؟ وهل حسبت نتائج مثل هذا الكلام؟ لقد عملنا خلال سنوات طويلة ليكون لرئيس الحكومة ولرئيس المجلس النيابي دور أساسي، وأنت تعمل من أجل إميل لحود على إضعاف هذا الدور. ليس لك مصلحة في ذلك. وكيف تخاطب رئيس وزراء بحضور هؤلاء الضباط؟ ما مصلحتك ومصلحة البلد بتحجيم رئيس الوزراء أو رئيس المجلس النيابي؟. هنا هدأ، وقال: وجّه دعوة للرئيس الحريري لزيارتك، واعمل على مسح ما ترتّب من لقائي. أجبته: سأفعل ذلك”.
وواصل روايته لأحداث تلك الفترة قائلا: “وبالفعل، اتصلت بالرئيس الحريري هاتفيا، وعاتبته على أنه جاء إلى دمشق ولم يتصل بي. وقلت: انتظرك أن تأتي إلى دمشق خلال أيام، فأجابني: كانت ظروفي سيئة جداً، لذلك لم أتصل بك، وبعد تلك الزيارة لن أزور دمشق”.
وذكر نائب الرئيس السوري السابق أنه ناقش مع الحريري “طويلا، وبنهاية النقاش اقتنع بأن يزورني في بلودان (قرب دمشق). وبالفعل، استقبلته يوم الخميس، وحدّثني عما حصل معه، وكان مجروحاً، وقال: لا أنسى لقائي مع بشار الأسد ما دمت حيا. تدخّلت مقاطعاً إياه: أنت رجل سياسي، ولا يجب أن تأخذ الأمور بهذا الشكل، والرجل عندما حدّثك كان منفعلاً، وقد اجتمعت به يوم لقائك، وحدّثني وتناقشنا في الموضوع، وشعرت أنه متألم من انفعاله. قلت له: خذ الأمر برويّة. وفعلاً، حاولت بهذا الحديث التخفيف من حدة التوترات بينه وبين الدكتور بشار الأسد”.
وتحدث خدام عن مناسبة أخرى، مشيرا إلى أنه “في 18 أغسطس عام 2004، اجتمعتُ بالرئيس الأسد لأودعه بمناسبة سفري إلى فرنسا لإجراء فحوصاتي الطبية السنوية، وخلال ذلك اللقاء ناقشنا موضوع التمديد للعماد لحود، وسألته: إلى أين وصل هذا الأمر؟، فأجابني: قررتُ عدم التمديد. لا أحد في العالم موافق عليه، والدول العربية غير موافقة، وغالبية اللبنانيين معترضون، وأبلغتُ الرئيس لحود أن لا نية لدينا في التمديد له، والرجل عرف موقفنا بشكل واضح”.
وقال إنه علق على الرئيس بشار الأسد قائلا: “أتمنى ألا يحاول أحد دفعك إلى تغيير موقفك. أنت لا تستطيع أن تتحمل عواقب التمديد، وسوريا لا تستطيع أن تتحمل ما يمكن أن يحدث بسبب التمديد، فأجابني: لقد كنتُ حازماً مع الرئيس لحود في هذا الأمر. ودعته وانصرفت”.
وواصل خدام سرد تلك الأحداث وفق وجهة نظره، مشيرا إلى أنه “بعد بضعة أيام، وأثناء وجودي في فرنسا، اتصل بي الرئيس الحريري وأبلغني أن الدكتور بشار غيّر رأيه فيما يتعلق بالتمديد، واستدعاه إلى دمشق، وكانت المقابلة قصيرة، وكان الأسد متوتّراً، وأبلغه أنه قرر دعم التمديد للعماد لحود، كما قال له: عليك أن تحدد موقفك: هل أنت مع سوريا أو ضدها؟، اذهب وفكّر في الموضوع وأبلغني قرارك بالموافقة أو الرفض. وتابع الرئيس الحريري في اتصاله معي: أريد نصيحتك. فسألته: هل اجتمعت إلى وليد جنبلاط؟ وماذا كان رأيه؟، فأجابني: اجتمعت به ونصحني بالموافقة على التمديد ثم الاستقالة بعد ذلك. فقلت له: أنت لا تستطيع أن تتحمل نتائج الرفض، نصيحة وليد لك صحيحة. من الأفضل أن توافق، وبعدها تغادر لبنان وتعلن استقالتك من الخارج”.
وتطرق النائب الرئيس السوري السابق بالتفصيل إلى عدة تطورات لاحقة، ونقل حوارات جرت وراء الكواليس بطريقة تسجيلية. وعلق في إحدى المناسبات قائلا: “أسئلة كثيرة طرحت نفسها آنذاك: لماذا غيّر الدكتور بشار الأسد قراره باتجاه دعم التمديد للعماد لحود؟ ثم، لماذا غيّر قراره باتجاه عدم التمديد للحود وتوسّط إسبانيا، وبعد خمس ساعات غيّر قراره وعاد إلى تبنّي التمديد للعماد لحود؟ هل الأمر ناجم عن ضغوط من قبل قريبين منه كان لهم حجم كبير من المصالح في لبنان؟ أم أنه ناجم عن أمور ذات صلة بأجهزة الأمن في لبنان، الشريكة في النظام الأمني؟ أم أن الموضوع مجرد انفعالات شخصية ناجمة عن حالات من الخوف والتردد تحكمت بقراره؟”.