بعد كتابتها عشرات الروايات باللغة العربيّة، وتُرجمت إلى لغات متعدّدة، خاضت الكاتبة والروائيّة مها حسن، تجربتها الكتابيّة الأولى باللغة الفرنسيّة. تكتب في هذا النص الذاتي عن تجربتها تلك، عن شعورها ككاتبة فرنسيّة، وعن أناها الجديدة المتكونة وعلاقتها مع الجمهور وانتقالها بين اللغتين العربيّة والفرنسيّة، وأيضًا عن الهويات المتعدّدة وعن المنفى والوطن.
كتبت مها حسن:
في الصباح، أفقت على هاتف جارتي ماري سيسيل، التي أعطيتها رقمي حين سافرت، لتخبرني إن حدث طارئ ما. لم أرد على الهاتف، لكنني استمعت لاحقًا إلى رسالتها الصوتيّة: هذا نهار كبير بالنسبة لك، لقد قرأتُ الخبر للتو في الجريدة، سأكون من أوائل الحاضرين.
لم أكن قد حدّثت ماري سيسيل عني، كنتُ أتهرب من أسئلتها، وأردّ بجمل مقتضبة، لهذا كانت سعيدة ومتأثرة، حين رأت اسمي وصورتي في الجريدة. بدوري تأثرت، و“نكّدت“ على نفسي، محاولة نقل المشهد إلى حلب: أن أفيق على جرس الباب، لأجد جارتي أم حسين، تحمل الجريدة وتقول لي: سأحضر اليوم حفل توقيع كتابك. ثمّ تنطلق أم حسين لتخبر بقيّة الجارات، كما ستفعل ماري سيسيل غالبًا، مستمتعة باكتشافها للحدث.
لكنّ المشهد السوري مستحيل.
ليس فقط لأنّ أم حسين أميّة لا تقرأ، وليس لأنّها غير مشتركة في الجريدة، وليس لأنّني لم أقم يومًا حفل توقيع كتاب في سوريا، بل لأنّ أغلب جاراتي تركن الحيّ، منهنّ متنَ بسبب القصف، أو بسبب أمراض القهر من الحرب، والباقيات نزحنَ، سواء داخل سوريا، أو نحو تركيا، أو إلى أوروبا.
هذا المشهد مستحيل الحدوث. حلب التي كانت في خيالي، لم تعد قادرة على التحقّق حتى في الخيال، كلّ هذا تلاشى الآن.