كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
قبل نحو السنة من موعد الانتخابات النيابية المقبلة، تتفاوت المقاربة حيال إمكانية إحداث تغيير ما في نتائجها؛ إذ فيما يعوّل البعض على المتغيرات التي شهدها لبنان في السنتين الأخيرتين كي تنعكس في صناديق الاقتراع، يرى البعض الآخر أن أي تغيير لن يتحقق ما لم يتم تعديل قانون الانتخاب الحالي الذي حسم النتائج سلفاً، بحيث إن التبدل الوحيد المتوقع هو في تراجع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات.
وفي التوقعات العملية لهذه لنتائج، يؤكد الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين لـ«الشرق الأوسط» أن «أي تغيير ليس متوقعاً في أي انتخابات إذا اعتمدت على قانون الانتخابات الحالي الذي كانت نتائجه معروفة بنسبة 90 في المئة قبل إجرائها عام 2018، وذلك بالنسبة لنحو 10 مقاعد معظمهم من المسيحيين». ويرى أن «التغيير المتوقع هو فقط في نسبة المشاركة في الانتخابات التي سجلت عام 2018، 49.7 في المئة، في حين من المتوقع اليوم أن تتراجع إلى ما دون الـ40 في المئة، بحيث إن الاقتراع سيقتصر بشكل أساسي على الحزبيين؛ بينما يتراجع بشكل كبير في أوساط المناصرين، وهذا ما سيظهر بشكل أساسي عند الناخبين المسيحيين». ويلفت إلى أنه «في كل دورة انتخابية يزيد عادة عدد الناخبين 60 ألفاً، وبالتالي من المتوقع أن يكون عددهم العام المقبل 4 ملايين ناخب، سيشارك منهم أقل من مليونين».
وفي تفاصيل انتخابات الطوائف، يشرح شمس الدين: «بالنسبة للشيعة، سيبقى “حزب الله” محافظاً على شعبيته بنسبة كبيرة، لا سيما مع الجهود التي يقوم بها لجهة مساعدة ودعم بيئته، فيما قد يسجل بعض التراجع لدى “حركة أمل”، وهو ما لن يختلف كثيراً لدى الدروز حيث لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” النسبة الكبرى. أما عند الطائفة السنيّة؛ فقد يسجّل بعض التراجع في عدد المقترعين، إنما بنسبة أقل من الطائفة المسيحية، لا سيما أن الخيارات لدى الأولى أضيق وتنحصر بشكل أساسي في “تيار المستقبل”، بينما لدى الطائفة المسيحية هناك بعض التنوع والمنافسة بين الأحزاب، والتغير لن يكون ملحوظاً». وقال: «الموقف الأبرز سيكون عبر الامتناع عن التصويت وليس الانتقال من دعم حزب مسيحي إلى حزب آخر». لكن رغم ذلك لا يقلل شمس الدين من «أهمية تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة، بحيث إن البرلمان سيتشكل بأصوات 40 في المائة من الناخبين مقابل معارضة 60 في المئة؛ أي أكثرية الشعب».
وفي مقابل الأحزاب، تستعد مجموعات المجتمع المدني لتنظيم نفسها للمشاركة في الانتخابات النيابية، ويعوّل بعضها على إحداث خرق ما في بعض المناطق، لكن شمس الدين لا يرى «إمكانية لنجاحها إذا بقي الواقع الحالي من الانقسام في الرؤية فيما بين المجموعات على حاله»، مع تأكيده أنه «إذا صححت خطأ انتخابات عام 2018 وتكتّلت بشكل صحيح؛ فعندها قد تستطيع الفوز بما بين 10 مقاعد و15 مقعداً».
أما على صعيد إمكانية تغيير معادلة الأكثرية النيابية التي يحظى بها اليوم بشكل أساسي «حزب الله» وحلفاؤه من «التيار الوطني الحر» و«حركة أمل»… وغيرهما، وهو ما يعوّل على تبدّلها الفريق الخصم، فيعدّ شمس الدين أنه «من المستبعد أن يحدث تغير؛ لا سيما أن الخلافات السياسية طالت كل الأفرقاء، والنتائج؛ وإن تبدلت بعض الشيء، لن تكون لصالح الأقلية اليوم».
في المقابل، تختلف مقاربة حزب «القوات اللبنانية» لنتائج الانتخابات المقبلة، وهو الذي يشكّل اليوم رأس حربة معركة الانتخابات النيابية المبكرة، رابطاً إياها ومعولاً عليها للتغيير في السلطة، وهو ما يعبّر عنه مسؤول الإعلام والتواصل في «القوات» شارل جبور، رافضاً اعتبار أن قانون الانتخابات الحالي مفصل على أحزاب السلطة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هذا القانون هو أفضل قانون تمثيلي أقر حتى اليوم، وأي فرد أو حزب أو جماعة لديها حيثية تمثيلية تستطيع إثبات وجودها في البرلمان بعيداً عن البوسطات والمحادل»، عادّاً في الوقت عينه أن «الأكثرية القائمة صورية وشكلية وهشة ولن تبقى كما هي».
ويوضح أن «هذه الأكثرية نجحت بالوصول للبرلمان نتيجة عوامل عدة؛ أهمها أن العهد كان عام 2018 في مرحلة صعوده، بعد أقل من سنتين على انتخاب الرئيس ميشال عون، ونجح مع عدة العمل في استقطاب شخصيات مستقلة تركته اليوم، كما حصل مع تحالفاته التي نسجها مع قوى سيادية في بعض الأمكنة أدت إلى منحه نواباً إضافيين، وهي أيضا تخلت عنه». ويضيف: «هذان السببان كافيان لينزعا عن هذا الفريق كتلة من عدد كبير من النواب، وبالتالي مجرد أن تجرى الانتخابات تكون قد انتقلت الأكثرية من مكان إلى آخر، وأكبر دليل على ذلك أنه لو أن الأكثرية الحالية متأكدة من شعبيتها وقدرتها على الاحتفاظ بعدد نوابها لكانت ذهبت إلى انتخابات نيابية مبكرة».
ويشدد جبور على أنه «لا يمكن الاستهانة بأن الرأي العام اللبناني لمس أن نمط عيشه تغير، والانهيار هو نتيجة هذه الأكثرية الحاكمة، وبالتالي المسألة رهن إرادة الناس، ونحن متأكدون من أن أي انتخابات ستؤدي إلى قلب الطاولة ليس فقط في البيئة المسيحية؛ إنما أيضاً في مختلف البيئات باتجاه أكثرية جديدة بعيدة عن مشروع الدويلة لإنقاذ الدولة».