كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:
حرب او ضربة عسكرية؟ او لا هذه ولا تلك، بل سريان مكمّل لقواعد الاشتباك. هي «الحزورة» الحالية بين اسرائيل وحزب الله. مقدار الاعتقاد بسهولة شرارة اندلاعها، بيد ان احداً لا يملك التكهن بمآلها: متى تتوقف واين؟ لا تتطلب بالضرورة متهوريْن اثنين كي تنفجر. واحد يكفي
باتت التهديدات المتبادلة بين اسرائيل وحزب الله اقرب الى قرع طبول الحرب قبل التأكد من انها ستقع بالفعل. لكليْهما لغة مختلفة في مقاربة الحرب المحتملة في الوقت الذي يُظهران استعدادهما لها. بينما تقول اسرائيل انها خيار حتمي عند حدودها الشمالية دونما ايصاد ابواب حل ديبلوماسي او سياسي يتفاداها، يغلق حزب الله الخيارات في الجنوب ويقصرها على غزة: تتوقف الحرب هناك فتتوقف في جنوب لبنان. اما ما بعدذاك حيال القرار 1701 فشأن آخر وتفاوض مختلف.بذلك لا لغة مشتركة بينهما سوى التصعيد سواء توخى المناورة او التخويف او الحرب النفسية او التأهب الفعلي للمرحلة التالية. المانع الضمني لها، في احسن الاحوال دافع ابطاء الوصول اليها، توجّس كل منهما مما يملكه الآخر ولا يعرفه. غير متكافئين كلياً في القوة النارية التي عند كل منهما، بيد ان ثمة ثمة حداً ادنى من التوازن وحداً اقصى من المفاجأة يتيح الظن بأن حرباً مفتوحة تلغي للتو الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك، وتسقط المحظورات المرعية بتفاهمات ضمنية اكثرها اهمية واخطرها الحقول النفطية المستثناة من القواعد تلك، واولها حقل كاريش.
ما يسمعه مسؤولون لبنانيون من ملحقين عسكريين وامنيين في سفارات دول غربية اقل تحفظاً مما يدلي به ديبلوماسيوها المترددون في اتخاذ مواقف جازمة. في احاديث الاولين معبّرين عن قلق اكثر منه تأكيدهم انها «معلومات ذات صدقية»، ان وقوع حرب او ضربة عسكرية اسرائيلية قوية لحزب الله اكثر من احتمال وتكهن، واقرب ما يكون الى عمل حتمي ينتظر الساعة الصفر. في ما يعيرونه اهتمامهم، ان عملاً عسكرياً اسرائيلياً قوياً لن يقتصر على الجنوب. سيصل الى قلب الضاحية الجنوبية ولا يُستثنى مطار بيروت منه. ما يقوله بعض الملحقين العسكريين والامنيين للمسؤولين اللبنانيين ان حكوماتهم باتت تعتقد ان المنطقة لم تعد تحتمل الحجم الحالي لحزب الله وترسانته العسكرية، وأضحى عبئاً عليها وخطراً دائماً على اسرائيل، ناهيك بما يمثله من امتداد لايران يجعلها ممسكة بمفتاح استقرار المنطقة برمتها واخيراً اسرائيل بالذات.
اما ما لا يجيب عنه هؤلاء، فهو غموض الظروف التي من شأنها إشعال حرب مفتوحة في الجنوب او الذهاب الى ضربة عسكرية قوية. في اعتقادهم، تبعاً لما يسمعه منهم محدثوهم اللبنانيون، ان الكلام الجدي عن الحرب راحت ترتفع وتيرته قبل ثلاثة اسابيع استناداً الى اقتران التهديدات بها بخطوات وقائية بأحد خياريْن: حل سلمي يتجنب الحرب او حرب تفرض ذهاب المتقاتلين الى تفاوض وتسوية غير مأمونة النتائج والتداعيات. في الآونة الاخيرة اتخذت الوتيرة هذه منحى مختلفاً، قبل ان يختموا باستنتاج انها «ربما هي قرع طبول الحرب. الا ان خطورة ما يجري يستحق التفاوض لمنعها».
في حصيلة ما استخلصه المسؤولون اللبنانيون من محدثيْهم:
1 – تهويل اسرائيل بالحرب أكسبها حصولها سلفاً على تأييد اميركي ان واشنطن لن تتركها بمفردها فيها في حال وقعت، رغم التأكيد العلني الاميركي انه ضدها ما لم تحصل ومن دون ان يشجعها او يحض عليها. وجهة النظر المقابلة للموقفين الاسرائيلي والاميركي كشفت عنه ايران انها لن تقف مكتوفة الايدي حيال تعرّض حزب الله لحرب او عمل عسكري كبير. بذلك يستخدم عرّابا الحرب كما عرّابا منعها موقفاً متقاطعاً: لا يريدانها ابداً، لكنهما لن يكونا في منأى عنها ما ان تقع.
حرب او عمل عسكري اسرائيلي كبير… ولكن
2 – دونما تبدّل اللهجة الاسرائيلية في حماسة ذهابها الى الحرب كأنها واقعة غداً، نشأت في الايام الاخيرة وقائع يُفترض ان تكون سداً في وجهها في الوقت الحاضر على الاقل، هي التحولات المفاجئة في الانتخابات الرئاسية الاميركية والاشتراعية الفرنسية، اذ وضعت الدولتين الكبريين عند مفترقات غير مسبوقة ومصدراً مشروعاً للقلق: ما رافق مناظرة المرشحيْن الديموقراطي جو بايدن والجمهوري دونالد ترامب قبل الوصول الى صناديق الاقتراع يبدو غير مسبوق كما لو ان انتخاب الرئيس هناك يوشك ان يحسم. ما وُصِف بالاداء السيئ في المناظرة للرئيس المُراد تجديد ولايته ادخل الاميركيين في بلبلة بدأت تطرح تساؤلات عن احتمال مضي بايدن في ترشيحه او تخليه عنه، ما يفتح ابواب البيت الابيض امام منافسه. ان المعتاد في تقاليد انتخابات الرئاسة الاميركية تقلّب انتقال السلطة بين ادارة ديموقراطية واخرى جمهورية او بالعكس، على ان ما يحدث الآن يتحكم بخيارات الرأي العام الاميركي واتجاهاته قبل وصوله الى صناديق الاقتراع، مع كل ما يعنيه الانقلاب المبكر هذا كما التكهنات المبكرة بما سيحمله معه ترامب الى البيت الابيض في ضوء تجربة ولايته السابقة. المعضلة نفسها يواجهها الفرنسيون بعد الدورة الاولى لانتخابات الجمعية الوطنية مع تقدّم اليمين المتطرف الى صدارة السلطة بعد عقود في انتظار الدورة الثانية الحاسمة. كلا الدولتين الكبريين ضالعتان في حرب غزة الى جانب اسرائيل، مثلما تتقاطعان في مقاربة الحرب الاوكرانية. الا انهما ايضاً معنيتان بأي حرب واسعة يُظن ان الدولة العبرية ستخوضها ضد حزب الله في جنوب لبنان او في الداخل اللبناني حتى. على ان المهم في الانتقال الجديد للسلطة ان الملفات الداخلية رغم ارتباطها بتلك الخارجية ستتقدم ما عداها في اولوياته.
3 – من غير الضروري ربط قرع طبول الحرب بالساعة الصفر التي لا يملكها احد بعد. من المفترض في الايام المقبلة عقد اجتماع لدول الناتو في واشنطن على ان تليه في 20 تموز زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتياهو للعاصمة الاميركية، ما يفترض انهما سيناقشان الخيارات الخطرة في المنطقة.