منير الربيع – المدن
ليست المرّة الأولى التي تجد فيها فرنسا نفسها غارقة في التفاصيل واليوميات اللبنانية. لم يتمكن أي طرف من تقديم إجابة حول السبب الحقيقي لزيارة المبعوث الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان. تكاثرت التقديرات والتحليلات ولا جواب حاسماً. فالبعض اعتبر أن الزيارة تأتي لإعداد تقرير حول آخر ما وصلت إليه المواقف في لبنان حول انتخاب رئيس للجمهورية، ورفع التقرير إلى الرئاسة الفرنسية، التي ستطرح ملف لبنان على جدول أعمال اللقاء الذي سيجمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس الأميركي جو بايدن. بعض آخر اعتبر أن باريس تصر على إثبات حضورها على الساحة اللبنانية، وهي لا تريد لأي حلّ أن يحصل من دونها. أما جهات أخرى فاعتبرت أن زيارة لودريان تأتي بعد الاتصال الذي حصل بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وانها محاولة لإنقاذ “الخماسية”، لا سيما أن لودريان تحدث باسم اللجنة الخماسية. فيما هناك جهات داخل الخماسية ترفض اعتبار لودريان يتحدث باسمها.
نهاية “الخماسية”؟
يمكن لأسئلة كثيرة أن تطرح حول مرحلة ما بعد زيارة لودريان، وانعكاسها على اللجنة الخماسية، وإذا ما كان عملها سيستمر أم سيتوقف. ربما يحيل البعض الإجابة إلى تصور قدمه لودريان عن لبنان، بأنه سينتهي سياسياً ويبقى جغرافياً. فتكون الخماسية قد انتهت بفعاليتها السياسية، مقابل بقائها شكلياً وبدور تنسيقي بين الدول، بانتظار مسارات المنطقة التي ستفضي في النهاية إلى تسوية في لبنان، غير واضحة المعالم حتى الآن. لكنها بالتأكيد ستكون من وحي وقف الحرب على غزة ووقف مواجهات الجنوب.
يستعجل البعض في الداخل والخارج الإعلان عن انتهاء عمل اللجنة الخماسية، والمراهنة على الحلول الثنائية أو الثلاثية، لا سيما انه عندما تحين لحظة التسويات، ستحضر كل ملفات المنطقة على طاولة الدول للمقايضة فيما بينها. وبالتالي، التفاوض مع عدد أقل من الدول يبقى أفضل بالنسبة إلى المفاوضين، خصوصاً أن الرهان اللبناني الفعلي، ولدى الثنائي الشيعي، هو على الولايات المتحدة الأميركية، ربطاً بملف الجنوب. علماً أن الثنائي كان متحمساً جداً لدور فرنسا في الخماسية عندما كانت تؤيد طرح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ومقايضته برئاسة الحكومة. إلا أن هذا الموقف تغير مع تغير المقاربة الفرنسية.
نقاش مع الحزب
بحث لودريان مع مختلف المسؤولين في نقطتين أساسيتين، النقطة الأولى هي انتخاب رئيس للجمهورية، والثانية هي الحرص الفرنسي على الاستقرار في الجنوب، والاستمرار في التفاوض حول الورقة الفرنسية. وهذه الملفات حضرت في لقائه مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.
تقول مصادر متابعة إن النقاش كان مستفيضاً حول الرئاسة. طرح لودريان عدم الذهاب إلى حوار وتجاوز هذه المسألة، والاتجاه إلى عقد جلسات انتخابية متتالية لإنتاج الرئيس. فكان جواب حزب الله بأنه في لبنان لا يمكن الذهاب إلى جلسة انتخاب رئيس من دون معرفة المرشحين والرئيس الذي سيتم انتخابه، وعلى أي أساس. واعتبر الحزب أنه في ظل الديمقراطية التوافقية، هذا الأمر لا يستقيم. عندها تحدث لودريان عن تجاوز كلمة حوار، واعتماد مبدأ التشاور بين الكتل. لكن حزب الله أصر على طرحه بضرورة حصول حوار من دون شروط. أما حول الوضع في الجنوب، فقد كرر الحزب الموقف نفسه حول استمرار جبهة المساندة لغزة، وأن وقف إطلاق النار هناك هو المدخل الأساسي لوقف النار في جنوب لبنان. وأبدى الحزب استعداده للاستمرار في النقاش حول الورقة الفرنسية.
المزاج نفسه كان لدى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي تمسك بمباردته، واعتبر أنه لا حلّ إلا بالحوار، وسط تقديرات تفيد بأن الأزمة السياسية مستمرة إلى ما بعد الوصول إلى تسوية حول الوضع في الجنوب.
في المقابل، فإن سليمان فرنجية كان واضحاً في موقفه الذي أبلغ للودريان، حول التمسك بترشيحه وعدم استعداد للتراجع.
وفي كل ذلك، كان توزيع الأدوار وتبادلها بين حزب الله، نبيه برّي، وفرنجية، واضحاً بشكل يجعل المبادرة الفرنسية معلّقة وغير قادرة على الإنتاج، بانتظار مسارات المنطقة وانعكاساتها على الواقع الداخلي.