أسعد بشارة – نداء الوطن
يكرر الموفد الرئاسي الفرنسي جان- إيف لودريان، مهمة شراء الوقت. ففي زيارته الحالية لبيروت، تكون فكرة الحوار الذي تنوي فرنسا الدعوة إليه في باريس، قد أجهضت سلفاً، على يد فريق «حزب الله»، وبلسان رئيس المجلس نبيه بري، الذي استبق الزيارة بدفتر شروط أملاه على مجموعة الخمس، ويحاول إملاءه على أفرقاء الداخل، على طريقة «إما تأتون إلى حوار يؤدي إلى انتخاب من نرضى عنه رئيساً أو لا رئيس».
بموازاة هذا التصلب القديم الجديد، تستمر قوى المعارضة على اختلاف تلاوينها، برفض سياسة الإملاء، وهذه المعارضة التي عبّرت عن تمايزات في ملفات عدة، باتت مجمعة على رفض طاولة بري، التي تعني من ضمن ما تعنيه، الاعتراف بأعراف يريد رئيس المجلس تكريسها بشكل يخالف الدستور.
توجز مصادر معارضة أسباب رفض طاولة بري بالآتي:
أولاً: يريد رئيس المجلس، أن يجر جميع القوى إلى طاولة، يعترفون عبر الجلوس اليها، بدوره كصانع للرئيس الجديد، وتالياً لكل ما سينتج عن انتخاب الرئيس، من تشكيل الحكومة، إلى البيان الوزاري، إلى برنامج عمل الحكومة، وهذا أمر مرفوض، لأنه سيكرس هيمنة الثنائي على الحياة السياسية لست سنوات، ستكون امتداداً لعهد الرئيس عون، وإن برئيس آخر.
ثانياً: الحوار الممكن قبوله، لن يكون إذا تمّ القبول به، إلا في قصر بعبدا برعاية الرئيس المنتخب، أي رئيس الخيار الثالث، لا الرئيس التابع للثنائي، باعتبار أنّ قصر بعبدا هو الغطاء لحماية الدستور، وهو المعبّر عن صوت الدولة، وهو وليس أي مقر آخر، الصالح لاحتضان الحوار.
ثالثاً: تم اختبار رئيس المجلس أكثر من مرة، وآخرها مبادرة نواب «الاعتدال»، الذين خذلهم بري، فجالوا على القوى السياسية يحملون مضمون مبادرة تشاور، ما لبثت أن تحولت بسحر ساحر، إلى دعوة لطاولة حوار برئاسة بري، من دون أن تتطرق إلى فتح أبواب المجلس النيابي لانتخاب الرئيس، فإذا ببري يجوّف مبادرة «الاعتدال»، ويقودها إلى حيث يريد، ما أدى إلى التحاقها بكل محطات الفشل السابقة، وإلى اصطدامها بحائط الثنائي السميك، الذي يعطل الاستحقاق الرئاسي، وأطفأ نواب الاعتدال محركاتهم دون ان يوضحوا للرأي العام من أفشلها ولماذا توقفت.
اقترب الرئيس بري كثيراً من الاصطدام مع مجموعة الخمس، وربما لم يعد يأبه لهذا الاصطدام لتيقّنه بأنّ هذه المجموعة، لا نية لها باستعمال أسلحة الضغط المؤثرة، وبات الوقت المستقطع مرشحاً للتمدد، على وقع الحرب الدائرة في غزة، وليس من المستبعد أن يستقبل لبنان المزيد من رواد دبلوماسية السياحة المستدامة، وهي الدبلوماسية العقيمة التي لا تملك الحد الأدنى من أدوات الحلول.