منير الربيع – المدن
لا يمكن للبنان إنجاز أي استحقاق سياسي في الداخل، قبل استشراف صورة الوضع في قطاع غزة، وبالتالي الجنوب. لذا، كل النقاش السياسي سيكون مؤجلاً إلى ما بعد إعادة الاستقرار إلى جنوب لبنان، مع طروحات كثيرة وأفكار حول كيفية تحقيق ذلك إنما بلا إجابات واضحة حتى الآن. وعليه، يستمر البحث بالأفكار وتتواصل الاتصالات والرسائل الدولية، بموازاة استمرار العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية.
في مسار المفاوضات والمواجهات المفتوحة في آن، لا بد من تسجيل جملة ملاحظات بنقاط القوة ونقاط الضعف لدى كل طرف.
قوة الحزب
بالنسبة إلى حزب الله، وأولاً بما يتعلق بنقاط القوة، فهو لا يزال يحافظ على تأهبه العسكري وعملياته التي ينفذها. وتمكّن بموجبها أن يخرج آلاف المستوطنين الإسرائيليين من منازلهم في المستعمرات. وبالتالي، جعلهم لاجئين. ما أدى إلى خلق مشكلة بينهم وبين حكومتهم. وهو ما دفع بالكثير منهم إلى رفع الصوت ضد الحكومة، أو مطالبتها بشن عملية عسكرية ضد حزب الله لاستعادة الأمن الى مناطق “الشمال”. ثانياً، منذ العام 2006 إلى اليوم، ينجح حزب الله بالالتفاف وإفشال كل الطروحات الإسرائيلية-الأميركية حول الوضع في الجنوب. فتارة يتم إسقاط مسألة توسيع صلاحيات اليونيفيل وتعزيزها، وطوراً يعمل على تطويق عمل هذه القوات ومنعها من ممارسة مهامها ويرسّم هو حدودها. ثالثاً، على الرغم من القرار 1701 تمكن حزب الله من الحفاظ على نشاطه في جنوب نهر الليطاني، وتعزيز ترسانته العسكرية وممارسة نشاطه. أما رابعاً، فإن كل الكلام عن منطقة آمنة أو عازلة هو ساقط مسبقاً، لأن خيار تهجير أهل الجنوب مستحيل، ولا يمكن الفصل بين حزب الله والناس، خصوصاً أن غالبية شهداء الحزب هم أبناء الأرض، أي أبناء المناطق التي يستشهدون فيها.
..وضعفه
أما بما يتعلق بنقاط الضعف لدى الحزب، فأولاً أظهرت المواجهات تفوقاً تكنولوجياً إسرائيلياً، خصوصاً باستخدام بعض المسيّرات ذات الرصد العالي والسريع، والتي كانت توجه ضربات لخلايا الحزب التي تنفذ العمليات. وقد وصفهم أمين عام الحزب، السيد حسن نصرالله، بأنهم مشاريع استشهاديين. ثانياً، يعمل الإسرائيليون على توسيع حزام النار في الجنوب، أفقياً وعمودياً. إذ عمل الإسرائيليون على جدولة حزام النار وفق ثلاثة مناطق، الأولى ذات عمق 10 كيلومتر، الثانية، ما بين 10 و20 كلم، والثالثة ما بين 20 و40 كلم. في المنطقتين الأولى والثانية، يوسع الإسرائيليون من حجم عملياتهم النارية، باستهداف مواقع ومراكز أو ما يسمونه بنى تحتية أو حتى منازل. أما في المنطقة الأولى، فهي التي تحدث عنها سابقاً وزير الدفاع ورئيس الأركان بأنه تم استهدافها بشكل كامل وتدمير كل نقاط مراقبة حزب الله فيها، علماً أن الحزب أثبت عكس ذلك في الأسبوع الفائت، من خلال تنفيذ عمليات من نقاط متقدمة جداً على الشريط الحدودي. أما المنطقة الثالثة، فهي التي تعتبر خط الدفاع الثالث وفيها احتياط استراتيجي كبير، عمل الإسرائيليون على استهداف مواقع متفرقة وبشكل متقطع فيها، كاستهداف الأحراج الواقعة بين سنيا وبصليا وكفرملكي، أو استهداف جبل صافي وجبل الريحان وبركة الجبور. ولكن لم يتم توسيع الحزام الناري في هذه المنطقة.
ثالثاً، من الواضح أن الإسرائيلي لديه بنك أهداف يشمل المواقع أو المراكز التي يريد استهدافها. يعود ذلك إما لقوة الرصد والتنصت لديه، أو لوجود عملاء أو تحقيقه خروقات في الداخل اللبناني.
رابعاً، يمتلك الإسرائيلي قوة نارية كبيرة، في حال لجأ إلى استخدامها فحتماً سيكون الدمار أكبر على لبنان وعلى بيئة الحزب. ولكن في المقابل فإن حزب الله سيكون قادراً على إلحاق أذى كبير بتل أبيب. هنا لا بد من تسجيل ملاحظة وهي أنه على مدى الأيام الثلاثة الماضية، تراجع منسوب العمليات العسكرية التي ينفذها حزب الله ضد جيش الإحتلال الإسرائيلي، من 14 عملية يومياً، إلى 4 عمليات. ما يدفع إلى تساؤلات كثيرة حول أسباب تخفيض العمليات، وبخلاف ما يعتبره البعض أنه يرتبط بالمفاوضات الحاصلة والضغوط، فإن حزب لله يلجأ إلى مثل هذا التكتيك عندما يكون في صدد التحضير لشكل جديد من المواجهة، خصوصاً أنه على مدى حوالى 80 يوماً استمر الحزب باستهداف المواقع الإسرائيلية نفسها.
مشاكل إسرائيل
أما بالنسبة إلى الإسرائيليين، فمن الواضح أن الحرب على غزة والمواجهة مع حزب الله في لبنان، أسهمت في خلق مشاكل كثيرة في الداخل الإسرائيلي. أولاً، داخل الحكومة، في ضوء ما يتسرب من خلافات حول الإعداد لعملية عسكرية ضد الحزب رفضها نتنياهو سابقاً. ثانياً، هناك أزمة على المستوى المجتمعي، بعد تهجير سكان المستوطنات الشمالية ورفضهم للعودة قبل إيجاد حلّ واضح وشامل، يوفر لهم تلك العودة. دون ذلك فإنهم سيحرجون الحكومة الإسرائيلية كثيراً بالمعنى السياسي والعسكري. وقد يضغطون عليها لتوريطها في حرب جديدة.
ثانياً، تلقى الإسرائيليون ضربات قوية في الأيام الماضية في قطاع غزة، بنتيجة توغلهم البري. وهذا سيمنعهم من التفكير بالقيام بأي عملية برية في جنوب لبنان كما لوحوا سابقاً، خصوصاً أن القدرات التي يمتلكها الحزب أكبر بكثير من قدرات حماس. ثالثاً، تجد اسرائيل نفسها مطوقة من الجنوب والشمال عسكرياً، ومطوقة سياسياً، لأن أي تصعيد ضد حزب الله سيعني التحول إلى حرب إقليمية لا تريدها أميركا. ما يعني تطويق اسرائيل دولياً لعدم توسيع إطار الحرب.
أمام هذه الوقائع، وفيما يواصل الإسرائيلي رهانه على المفاوضات التي تخوضها أميركا للوصول إلى تفاهم يرسي الاستقرار على الحدود الجنوبية للبنان، لا يزال يبحث عن عناوين جديدة لإثارتها، تارة عبر تهديدات تتصل باغتيال قادة حماس في لبنان، أو بتنفيذ عمليات اغتيال ضد كوادر للحزب، بالإضافة إلى الحديث عن تنفيذ غارات جوية بالطيران الحربي ضد مواقع عسكرية للحزب أو مخازن للصواريخ، لدفعه إلى إبعادها عن النقاط المتقدمة جنوباً، في اعتماد نموذج مشابه للذي يفعله في سوريا. أي الغارات المتواصلة على أهداف محددة.
ومؤخراً، وجد الإسرائيليون عنواناً جديداً ينشغلون به سياسياً وإعلامياً وهو مسألة البحث عن أنفاق حزب الله ومحاولة استهدافها، ما من شأنه أن يطيل أمد المواجهات والتي ستتحول إلى حملة استنزاف على الجانبين.