زياد عيتاني – اساس ميديا
اتّصل بي صديق عزيز سائلاً: “من أين يمكنني شراء علم فلسطين؟”، فبادرته متسائلاً: “ما حاجتك إلى علم فلسطين؟”. أجابني: “ابني طلبه منّي، وسألني أن أسمح له أن يضعه على درّاجته النارية. يريد أن يحتفل مع المحتفلين. إنّها المرّة الأولى التي يحدّثني فيها عن فلسطين”.
لعلّ أهم نتائج ما حصل في مستوطنات غلاف غزّة تحت مسمّى “طوفان الأقصى”، بعيداً عن المحاور والحسابات السياسية والإقليمية وإحصاء الفائزين والخاسرين، أنّنا نحن العرب، وبخاصة أبناؤنا من الجيل الصاعد، عدنا معهم جميعاً إلى فلسطين.
أوشكنا أن نغادر القضية، أن نغادر فلسطين قبل يوم السبت الفائت، قبل أن نعبر خطّ قطاع غزّة مع العابرين. كنّا نشكو من تخمة الخسائر والنكسات وانهيار الشعارات الرنّانة، وفراغ فكرة النضال من عقولنا بعدما صادر البعض اسم فلسطين وحوّلوه إلى فيلق ميليشاوي لاحتلال عواصمنا وقتل وتهجير العرب من مدنهم وحواضرهم في سوريا والعراق وصولاً إلى اليمن الذي كان يوصف بالسعيد. وقبل كلّ ذلك وضعوا بوقاحة اسم فلسطين على سجن قرب دمشق معظم نزلائه من المقاومين والمناضلين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.
هم نتائج ما حصل في مستوطنات غلاف غزّة تحت مسمّى “طوفان الأقصى”، بعيداً عن المحاور والحسابات السياسية والإقليمية وإحصاء الفائزين والخاسرين، أنّنا نحن العرب، وبخاصة أبناؤنا من الجيل الصاعد، عدنا معهم جميعاً إلى فلسطين
تخلّينا منذ يوم السبت عن مسلسلاتنا التركيّة التي لا تنتهي، وسخافاتنا على تطبيق “تيك توك” و”سناب شات”، وتسمّرنا صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، أمام الشاشات نتابع القنوات الإخبارية، نتابع الولادة الجديدة لفلسطين.
ما كنت يوماً مع الممانعة. كنت وما أزال أراها بلاءً علينا نحن العرب الوطنيين. لكن من حقّي أنا المواطن العربي أن أحمل اليوم علم فلسطين، أن أخرج به ملوّحاً من شرفة منزلي وساحة مدينتي مبتهجاً بما حقّقه الفلسطينيون في مستوطنات غلاف غزّة، وعلى يوم كهذا يُطلق “اليوم المجيد”.
من حقّي أنا الذي أمارس فعل الهروب منذ ولادتي وقد عشت حصار بيروت عام 1982 ورأيت الحاجز الصهيوني عند مدخل عاصمتي يذلّ أهلي وجيراني وعشيرتي، وينتزع منهم ربطة الخبز وقارورة المياه كي يُبقينا محاصَرين.
من حقّي أن أرقص فرحاً بمشاهدة الصهاينة المستوطنين وهم يولّون الأدبار في صحراء النقب خائفين مرعوبين. لقد كدت قبل يوم السبت الفائت أن أعتبر إمام مسجدنا كاذباً عندما كان يروي لنا مراراً وتكراراً ذاك الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه أنّ الساعة لا تقوم إلا عندما ينادي الشجر والحجر يا مسلم يا مؤمن خلفي صهيوني تعال فاقتله، قبل أن تقوم الساعة ونذهب إلى يوم الحساب منهزمين.
أنا ذلك المواطن العربي اللبناني الساعي إلى السلام الذي أعجبه عندما كان طالباً على مقاعد الدراسة خطاب الرئيس المصري الراحل أنور السادات في الكنيست الإسرائيلي في 20 تشرين الثاني عام 1977، وشاهد متحمّساً الفيلم السينمائي الوثائقي الذي عُرض عنه في بيروت، وكنت آنذاك حاضراً هناك وكان في الأمام وليد جنبلاط يشاهده مع المشاهدين. أنا الذي صفّق مؤيّداً للمبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في قمّة بيروت عام 2002. آمنت بها وبحلّ الدولتين وما زلت متمسّكاً بهما ممرّاً وحيداً للخلاص والسلام والاستقرار للجميع.
أنا المواطن العربي المعارض للملالي من حقّي أنا وإخواني وأبنائي أن نحتفل اليوم بفلسطين.