مقال للكاتب صفوح منجّد
يُجمع المراقبون على وصف الوضع اللبناني بأنه بات على كف عفريت وربما أكُفٍ أكثر وعفاريت تعمل في السر والخفاء، وأنّ ما أشيع في الفترة القريبة المنصرمة أن لبنان قادم على مرحلة من الهدوء والإزدهار هي مجرّد أوهام، وأنّ ما قيل سابقا (مهما صار، لبنان سيبقى)، والصحيح أن يُقال وفق مجريات الأمور (بس يلّي عم يصير لن يُبقي على بلد)!!
وزاد في حالة التشاؤم هذه ما بدأت تُشير إليه وتتناقله وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية منذ ساعات بشأن التحذيرات الصادرة من فرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والكويت وبقية دول الخليج لرعاياها في لبنان بوجوب مغادرة الأراضي اللبنانية فورا وإتخاذ كافة الإحتياطات.
ولا بد من العودة في هذا المجال إلى شهر نيسان 2022 مع عودة سفيري الكويت والسعودية إلى لبنان حيث عادت معهما العلاقات اللبنانية الخليجية إلى هدوئها بعد أزمة ديبلوماسية حادة، لكن المفاجأة اليوم أنّ المملكة السعودية ومن دون سابق إنذار أو تلميح أقلّه، أصدرت قرارا دعت فيه مواطنيها إلى مغادرة لبنان فورا وكذلك ناشدت الكويت رعاياها بضرورة توخي الحيطة والحذر والإبتعاد عن مناطق الإشكالات، لكنها على عكس المملكة لم تطلب من مواطنيها مغادرة لبنان، عِلما أن إشكالات مخيم “عين الحلوة” كانت في أوجها قبل أيام ولم يصدر معها أي بيان.. فماذا حصل فجأة؟.
في المخيمات تمّ وقف القتال على زغل ومن دون أي إتفاق أمني ولا إتفاق لوقف إطلاق النار معلن، وما حصل في المخيم ليس موضعي ولا محلي، هو موضوع “إقليمي” لذلك إمتداداته الإقليمية بالإمكان أن تعود وتفجّر الأوضاع برمتها وتُشعل المواجهات، وليس شرطا أن يكون في التحذير السعودي مؤشرا كافيا لمخاطر جدّية مقبلة. ولكن مع تحذيري فرنسا وألمانيا يبرز السؤال هل كل هذه التحذيرات يمكن أن تكون عابرة أم أنّ ثمة متغيرات ومستجدات لا بد من الوقوف عندها؟.
هناك عناصر متعددة تتعلق بالإتفاق السعودي الإيراني يقال أنه متعثّر في عدة ساحات، أولا في اليمن حيث لا تقدم واضح للإلتزامات الإيرانية تجاه المملكة العربية السعودية، خاصة ما يتعلق منها بإستمرار تهريب السلاح الإيراني بصورة مستمرة إلى الحوثيين في اليمن، وهناك ما هو أخطر بالنسبة للإتفاق السعودي- الإيراني هو الإختلاف على حقل “الدرّة” النفطي بين السعودية والكويت من جهة، وإيران من جهة ثانية.
وتؤكد المصادر السعودية أن التحذير الأخير ليس سياسيا بل هو أمني بحت، إثر تخوفات من أن يكون الإشتباك في “عين الحلوة” تمهيدا لما هو أخطر وأوسع في بلد المفاجآت حيث لم يعد القلق مفاجأة ، وبات اللبنانيون محكومين بالإنتظار.
تحرك لبناني
من جهته تابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع وزيري الخارجية عبد الله بو حبيب والداخلية بسام مولوي التطورات المتصلة بالبيانات التحذيرية الصادرة عن سفارات السعودية والكويت وألمانيا لرعاياها في لبنان، وبنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والأمنية، أفادت المعطيات أن الوضع الأمني بالإجمال لا يستدعي القلق والهلع، وأن الإتصالات السياسية والأمنية لمعالجة حوادث “عين الحلوة” قطعت اشواطا متقدمة، والأمور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الإستقرار العام ومنع تعكير الأمن أو إستهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والأجانب.
وكلّف الرئيس ميقاتي الوزير بو حبيب التواصل مع الاشقاء العرب لطمأنتهم إلى سلامة مواطنيهم في لبنان، كما طلب من الوزير مولوي دعوة مجلس الأمن المركزي إلى الإنعقاد للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة وإتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الأمن.
الوضع في “عين الحلوة”
على صعيد آخر وبعد 6 أيام من الإقتتال العنيف بين منظمة فتح والمجموعات المتشددة سيطر الهدوء الحذر على مخيم عين الحلوة، واشارت مصادر حركة فتح إلى أن: “جولة قد إنتهت لكن المعركة الكبرى لم تنته”، وأكدت أن عدم تسليم قتلة قائد الأمن الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء أبو أشرف العمروشي سيعني تلقائيا تجدد العمل العسكري”.
وأشارت المصادر إلى قيام مجموعات مسلحة ببناء تحصينات ووضع دشم جديدة حول مواقعها في المخيم لافتة إلى أن “فتح” سحبت معظم مقاتليها من الشوارع وأبقت على مجموعات لحماية المراكز التابعة لها.
وفي إطار البيانات المتصاعدة تشير مصادر صحفية إلى عودة الإتفاق الإيراني – السعودي، والسعودي- الإيراني إلى نقطة الصفر، والبيانات التي إستفاق عليها لبنان والصادرة عن السعودية والكويت أتت بالتزامن مع أجواء من السلبية الإقليمية، فبعد 5 أشهر تقريبا على الإتفاق الإيراني – السعودي وما رافقه من جو إيجابي كاد أن ينعكس على المنطقة، ها هي الأمور تعود إلى التعقيد مجددا، ومصير الإتفاق إلى المجهول مع تطورات الساعات الأخيرة خصوصا بعد تصريح السفير الإيراني لدى الرياض علي رضا عنايتي الذي قال “ان السعودية أرجأت إعادة فتح سفارتها في إيران وقالوا أنهم سيعيدون فتحها متى وجدوا ذلك مناسبا”.
وبالتوازي مع خطة التريث في إعادة العلاقات السعودية- الإيرانية، جرت فرملة أخرى على خط التفاهم السعودي- السوري إذ أبلغت الرياض وزارة الخارجية السورية عن إيقاف فتح سفارتها في دمشق وأنه غير مرحّب بسفارة سورية في الرياض لعدم إلتزام الرئيس بشار الأسد بمخرجات القمة العربية، ومشروع الخطوة بخطوة هذا، قد نُقل في صحيفة “عكاظ” السعودية، إذ إعتبر أن الجهود العربية تجاه حل الأزمة السورية قد تعثرت خصوصا أن الرؤية العربية التي قادتها السعودية تقوم على أساس أن إستمرار الأوضاع على ما هي عليه لا يخدم أي طرف من الأطراف، وبالتالي يجب إنهاء معاناة الشعب السوري وإيجاد حل سلمي للأزمة.
وكانت “عكاظ” قد تحدثت عن تعهد النظام السوري بحزمة من الإصلاحات على مستوى الوضع الداخلي والعلاقة مع المعارضة السورية إضافة إلى تعهد دمشق بأن لا تكون مصدرا لتصدير الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج، وذلك مقابل إعادة السعودية لعلاقاتها معه، ويبدو أن ذلك لم يحدث.