منير الربيع – المدن
كرّس اجتماع الدوحة الخماسي جملة من النقاط، التي لم يعد بإمكان أحد الخروج عنها. أحد أهم المؤشرات التي صدرت عن الاجتماع، هو البيان المشترك الذي صدر. وبالتالي، لا بد للجميع من الالتزام به. ما يعني عدم تكرار تجربة مرحلة ما بعد اجتماع باريس في 6 شباط 2023، عندما رفضت باريس إصدار بيان يلزمها بمندرجاته.
موافقة فرنسا على إصدار البيان، يعني الموافقة ضمناً على مضمونه، الذي يتحدث عن المواصفات ولا يتحدث عن أشخاص أو مقايضات. وهناك نقطة أخرى على أهمية عالية أيضاً، وهي أن التحرك لن يكون محصوراً بالفرنسيين وحدهم. وجولة لودريان على دول المنطقة والقوى المعنية ستكون منسّقة مع الدول الخمس. وهذا ما سيفتح المجال في المرحلة المقبلة على تحرك قوى أخرى.
عثرات لبنانية
عملياً، فتح مسار جديد للبحث عن حلّ للأزمة اللبنانية. مسار لم تعد فرنسا وحدها تعمل على خطّه، خصوصاً بعد تعثرات كثيرة طاولت المبادرة الفرنسية التي أطلقت في لبنان في العام 2020. كما ظهر تناغم سعودي قطري أميركي مصري في أكثر من نقطة وملف. وهو ما لم يعد بإمكان باريس تجاوزه. يعني ذلك أن المقايضة الفرنسية التي طرحت سابقاً قد تم تطويقها، ولن تغرّد فرنسا بشكل منفرد، إنما سيكون العمل متكاملاً. لا يعني هذا بالضرورة الوصول السريع إلى حلّ للأزمة أو إنهاء الشغور الرئاسي، لأن هناك الكثير من العثرات التي لا تزال قائمة لبنانياً، وخصوصاً في ظل المعطيات السياسية الداخلية، والمواقف التي تتمسك بها القوى المختلفة.
هذه الوقائع، تفرض تقديم قراءات ومقاربات جديدة في السعي إلى حلول، خصوصاً أن فرنسا وحدها لم تكن قادرة على إنجاز أي استحقاق. وفي مراجعة للمواقف الفرنسية منذ اندلاع ثورة 17 تشرين إلى الآن، فإن ما حققته باريس كان ناقصاً، سواءً بحصول تقاطع ظرفي مع الولايات المتحدة الأميركية، ومع إيران من جهة ثانية، لتوفير الغطاء لحكومة حسان دياب واحتضانها لفترة، فيما لم تكن الدول العربية موافقة على هذا المسار. الأمر نفسه تكرر مع تجربة المبادرة الفرنسية، والتي تراجعت عنها باريس خلال ساعات قليلة بعد اجتماع قصر الصنوبر بالتخلي عن مسألة الانتخابات المبكرة. والتراجع الآخر الذي سجلّ بالتنازل عن مبدأ المداورة بالحقائب الوزراية، وصولاً إلى تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، والتي حصلت بدفع فرنسي كبير وعدم ممانعة أميركية، ولكن من دون موافقة عربية وخليجية تحديداً.
مع إيران أيضاً
كانت نتائجات هذه المسارات كلها الاستمرار في الأزمة، والعجز عن تقديم أي مشروع للحلّ، حتى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي متعثرة، ولم تصل إلى النتائج المرجوة. وبالتالي، لا مجال لفرنسا وحدهاً أن تنتج حلاً. وهو ما يؤكد الحاجة إلى تكامل بين هذه القوى الإقليمية كلها ومع إيران أيضاً. إذ لا يمكن استبعاد إيران، والتي من دونها لا يمكن تحقيق أي خرق بجدار الأزمة.
وبالنظر إلى التجارب السابقة أيضاً، فقد حصل تقاطع إيراني أميركي من العراق إلى لبنان في حقبة ترسيم الحدود البحرية. لكن ذلك لم يكن له أي انعكاس على المستوى السياسي، أو على المسار العام للأزمة. وهذا يعني أن التقاطع الأميركي الإيراني لا ينتج حلاً في لبنان. هنا لا بد من الحاجة إلى تقاطع القوى الخمس مع إيران. وهو الدور الأساسي الذي يمكن لقطر وحدها أن تلعبه نظراً للعلاقة الجيدة مع السعودية، والتحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، والعلاقة الواضحة مع إيران.
مسار عملاني مكتوب
وعليه، لا بد للبنان من انتظار جملة استحقاقات خارجية. أولها، فتح أبواب التشاور مع إيران. ثانيها، التركيز على بدء التنقيب عن النفط والغاز، والذي سيكون محط اهتمام عالمي، لا سيما من قبل الأميركيين، وسيكون هناك حضور قطري وفرنسي عملي. ثالثها، مراقبة مسار ترسيم الحدود البرية، وما سيتجمع حوله من مواقف أو تقاطعات إقليمية ودولية، ربطاً بالمحاولات الجارية لإعادة تفعيل المفاوضات الإيرانية الأميركية، ومن دون إغفال التقارب السعودي الإيراني.
صحيح أن فرضية المقايضة الفرنسية قد سقطت، وصحيح أن الاجتماع لم يصل إلى مرحلة البحث بالأسماء، ولكن لا تزال هناك حاجة لوضع مسار عملاني مكتوب وواضح ومشترك بين الدول الخمس وبالتنسيق مع إيران. وهذا على الأرجح سيكون بحاجة إلى مسار طويل، ولكن مرتكازته واضحة، وهي الحفاظ على الصيغة والدستور والطائف، بدلاً من الغرق في طروحات متعددة لا توافق حولها ولا قدرة على تطبيقها.