منير الربيع – المدن
على إثر النتائج التي أفرزتها الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية، فعّل الثنائي الشيعي وحلفاؤه محركاتهم للإشارة إلى أن ما حققوه هو انتصار، يرتكز على رفع أصوات رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى 51 صوتاً، ووصف هذه الأصوات بأنها كتلة صلبة خلف المرشح، بخلاف حالة التقاطع لدى القوى الأخرى على جهاد أزعور، والذي نال 59 صوتاً. يعتمد الثنائي الشيعي على حملة سياسية وإعلامية مركّزة ومكثّفة لإظهار نفسه أنه في الموقع الأقوى، وهو بذلك يريد التمسك بترشيح فرنجية، فيما يحاول الإشارة إلى أن الأرقام التي حققها أزعور لن تكون ثابتة وقابلة للتناقص. في كواليس “الثنائي” كلام يفيد بأن من تمكن في خضم المعركة من تخفيض أصوات أزعور، سيكون متمكناً من تخفيضها أكثر في المرحلة المقبلة.
لعبة الأرقام
وتستكمل الحملة الدعائية والسياسية هجومها للقول إن ترشيح أزعور قد انتهى، وأن بعض داعميه سيذهبون للبحث عن مرشح ثالث. أما على الضفة المقابلة، فإن المعطيات لدى الفريق الداعم لأزعور، تؤكد بأن ترشيحه مستمر ولا تراجع عنه. الرجل، حسب ما تقول مصادر قريبة منه، يبدو مرتاحاً للأرقام التي حققها، على الرغم من كل الضغوط التي مورست، فيما أصوات فرنجية قد بلغت سقفها الأعلى، وفي أقصى الطموحات والتمنيات قد يتمكن الرجل من استقطاب 4 أصوات إضافية ليصبح لديه 55 صوتاً. وحتى لو تم استقطاب كل أصوات تكتل الاعتدال -كما يحتسب الثنائي الشيعي- فإن أصوات مرشحه ستصل إلى 59. في المقابل، هناك إمكانية لدى أزعور لتعزيز رقعة التحالف من حوله وتثبيتها وبالتالي رفع نسبة أصواته إلى ما فوق الستين. في كل الأحوال، تبقى لعبة الأرقام غير قادرة على إنتاج رئيس في لبنان. إذ أن هذه الاستحقاقات تبقى بحاجة إلى توافقات سياسية أوسع وأشمل.
تستبعد القوى المؤيدة لأزعور أن يلجأ أي طرف من الأطراف الأساسية للتخلي عنه، لأن الظروف غير ملائمة، ومن سيخرج من هذا التقاطع سيكون في موقع الخائن. وهذا سيكون له تداعيات سلبية على موقفه وموقعه. كما أن الثنائي لن يكون في وارد التخلي عن سليمان فرنجية في هذه المرحلة، ولا يزال من المبكر بالنسبة إليه الحديث عن مرشح آخر، أو العودة إلى معادلة طرحت في اجتماع باريس الخماسي في 6 شباط 2023، بأن هناك مرشحين للرئاسة هما سليمان فرنجية أو قائد الجيش جوزيف عون. وبالتالي، بعد استنفاد فرص فرنجية لا بد من خيار قائد الجيش.
بن سلمان وماكرون
جاءت الجلسة على وقع تطورات أساسية، فلا بد من قراءة الرسالة الأميركية بعدها، والتي عبرت عن انزعاج واشنطن من عدم استكمال الجلسات. هذا يطرح سؤالاً حول مصير الجلسات وإذا ما كان رئيس المجلس سيدعو إلى جلسة جديدة، على أن تكون هذه الجلسة هي الاختبار الأساسي لكلا المرشحين لجهة الحفاظ على أرقامهما، أو سعي كل واحد منهما إلى رفعها. ثانياً، عقدت الجلسة بالتزامن مع توجه وفد سعودي إلى باريس، وعقده لقاءات مع المسؤولين الفرنسيين للبحث في الملف اللبناني، قبل وصول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى باريس ولقائه بالرئيس الفرنسي، وسط معلومات تشير إلى أن الملف اللبناني سيكون حاضراً بين الجانبين، وفق ما تقول مصادر الإيليزيه.
حسب المعلومات، فإن كل طرف يحاول تثبيت وجهة نظره، على الرغم من الإصرار السعودي الفرنسي على التنسيق والتكامل. ولكن نتائج الجلسة حضرت في لقاءات الوفد السعودي مع الفرنسيين، حول أن فرنجية لم يتمكن من تحصيل الأصوات التي كان الثنائي الشيعي يعمل على إشاعتها. وهذا ما سيجبر الفرنسيين على تغيير مقاربتهم. في المقابل، فإن الفرنسيين سيطرحون فكرة أن كل التقاطع الواسع خلف أزعور لم ينجح في حصد 65 صوتاً. إلا أن الأرقام التي حققها ستكون حاضرة بقوة في أي مفاوضات لاحقة، بانتظار ما ستحمله زيارة جان إيف لودريان إلى بيروت من نتائج، وسط تقديرات تفيد بان الفرنسيين أصبحوا منفتحين على خيارات أخرى وإن لم يعلنوا عنها حتى الآن.
خيار بارود
في السياق، تتردد معلومات عن أن الفرنسيين وفي حال قرروا النقاش بالخيار الثالث، فهم يفضلون الوزير السابق زياد بارود، والذي كان في زيارة إلى باريس قبل حوالى أسبوع، حسب ما تقول مصادر متابعة، التقى خلالها المسؤولين الفرنسيين عن الملف اللبناني. من هنا، لم يكن من باب الصدفة أن يصوت 6 نواب لصالح بارود على الرغم من الكلام الذي تسرّب بأن الرجل طلب من النواب عدم التصويت له لأنه غير معني حالياً. ولكن لا تخفي المصادر أن بارود يمكن أن يطرح نفسه كخيار ثالث في المرحلة المقبلة.
هنا ثمة من يربط هذا الكلام بنقطتين أساسيتين. الأولى، أن بارود كان من بين الأسماء التي اقترحها باسيل على القوى المسيحية خلال التفاوض للاتفاق على مرشح. والثانية، تتعلق بما نقل من معلومات جرى تسريبها عن فحوى زيارة الرئيس السابق ميشال عون إلى دمشق ولقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد. إذ تفيد هذه المعلومات أن عون قال للأسد إن المرشح الأساسي للتيار الوطني الحرّ ليس جهاد أزعور إنما زياد بارود، علماً أنه لم يصدر أي نفي من التيار لهذا الكلام.
ستكون المعركة طويلة على الأرجح، ولا بد من انتظار ما ستحمله اللقاءات والجولات الخارجية، وكيف ستنعكس على الواقع الداخلي. وهذا ما يمكن أن يتظهّر ما بعد زيارة بن سلمان لباريس، وبعد عودة السفير السعودي إلى بيروت، وانتهاء وزير الخارجية السعودي من زيارته لطهران، وجولة جان إيف لودريان على المسؤولين اللبنانيين المختلفين.