منير الربيع – المدن
أرست نتائج الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية جملة ثوابت لا يمكن الخروج منها. أولها، أن القدرة على انتخاب رئيس تمرّ من خلال التوافق. إذ لا إمكانية لأي طرف أن ينتج رئيساً بمفرده، على الرغم من ارتفاع أصوات كثيرة تنادي بالمواجهة. ثانيها، قدرة الثنائي الشيعي على استقطاب أصوات لم تكن متوقعة، خصوصاً من صفوف الطائفة السنّية أو المسيحية، وقدرتهما على تسجيل رقم مرتفع ولم يكن متوقعاً لصالح سليمان فرنجية. صحيح أن القوى المعارضة لفرنجية أرادت القول إن حوالى 70 نائباً لا يريدون وصوله. ولكن أيضاً فإن الثنائي عمل على إظهار أن حوالى 68 نائباً لا يؤيدون أزعور.
إشارات متناقضة
لا شك أن الثنائي عمل بهدوء ومارس ضغوطاً لرسم ملامح هذه الأرقام. عمل على تقليص الفارق بين أزعور وفرنجية إلى أقل من 10 أصوات. فيما لا يمكن إغفال نقطة أساسية وهو اتصال وكيلة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند، بالرئيس نبيه برّي. وهو ما انقسم اللبنانيون على تفسيره. إذ سارع بعض المعارضين إلى اعتبار أن واشنطن تضغط في سبيل استمرار انعقاد الجلسة ومنع تطيير النصاب وإلا سيكون هناك عقوبات. على عكس تفسير مؤيدي برّي الذين يعتبرون أن اتصال نولاند بحد ذاته إشارة إلى استمرار التنسيق معه والتعويل عليه وأنه لن يتعرض للعقوبات. بناء على هذا التعاكس في القراءات لا بد من التوقف عند آلية العمل الأميركي، والتي تتقصد دوماً إطلاق إشارات متناقضة.
لا بد من النظر إلى المعركة بشكلها العام ومن زوايا متعددة. ولا بد من تسجيل أن هناك جهات خارجية تعارض وصول سليمان فرنجية. وهو ما تجلى في اجتماعات بين الدول الخمس، وبعدما رفعت السعودية الفيتو عن سليمان فرنجية، كان لا بد من تجمّع قوى المعارضة على مرشح. لم تحظ هذه المعارضة بالدعم الخارجي الكافي لرفع أصوات أزعور إلى ما فوق الستين، فيما تخفيف حدة الاشتباك هي التي أدت إلى رفع أصوات فرنجية، من خلال أصوات النواب السنّة، الذين حاولوا البحث عن إشارات خارجية، وإجراء استشارات، لكنهم لم يحصلوا عليها.
معادلة أزعور
عملياً، لم يخرج أحد بهزيمة منكرة، فيما هي محاولة جدية لإخراج سليمان فرنجية من السباق. أرقام جهاد أزعور ثبتته في المعادلة، وبالتالي في أي مفاوضات جدية، ولكن بشرط أن يكون المعيار هو التوافق. خصوصاً أن الرجل يؤكد حرصه على التواصل مع الثنائي الشيعي ولم يقطع الاتصال في الأساس.
أرست الجلسة عملياً ستاتيكو سيبقى قائماً طويلاً، فيما قد يُفتح الباب أمام الكثير من عمليات التفاوض من قبل كل طرف لتحسين شروطه، وإمكانية الذهاب للبحث عن مرشح ثالث، إلا أن ذلك لا بد أن يكون خاضعاً لمعيار أساسي، وهو الوصول إلى رئيس قادر على تحصيل أكثر من ثمانين صوتاً وفق أسس التوافق. وهذا ما يطرح تساؤلات كثيرة حول البحث عن كيفية إيجاد هذا المرشح، وهل سيكون ذلك فاتحة طريق أمام قائد الجيش؟ فيما السؤال الأساسي هو ما الذي يريده حزب الله للذهاب بهذا الاتجاه؟
التفاهمات الخارجية
ما جرى في الجلسة يؤكد أن جهوداً كثيرة بذلت في سبيل التخفيف من حدّة الاحتقان، وعدم سعي أي طرف لكسر الطرف الآخر. مثل هذه الحياكات لا يمكن أن تحصل من دون وجود رعاية لها، داخلياً وخارجياً. خصوصاً في ظلال تفاهمات وتقاربات إقليمية، لا يريد فيها أي طرف أن يكسر الطرف الآخر، بانتظار استحقاقات متعددة، أبرزها زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، وثانيها زيارة وزير الخارجية السعودي إلى إيران، وبانتظار إمكانية العودة للتواصل الخارجي حول إعادة إحياء عمل اللجنة الخماسية، ما بعد زيارة المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان.